بهدوء

عمر كلاب

لكل شعب أعداء, حقيقيون أو متوهمون، ولكن أسوأ وضع ممكن هو أن يكون الشعب عدواً لنفسه، يفرح لأن خللا انتاب الادارة في بلده, ويستمتع لفشل وزارة في ادارة ملفها, ويتناقل بكثافة حفلة وطنية في معرض عالمي بلا جمهور, – رغم ان هذه ليست حقيقة – ويستمر مسلسل الفرح بأي انتكاسة لمؤسسة او جهة, هكذا حال السواد الاعظم من جمهور مواقع التواصل الاجتماعي, قلة فقط تقدم نقدا موضوعيا, وتحمل حسرة على تراجع الادارة الوطنية.

يتفاخر وزير بكيل قصائد الهجاء لرئيس حكومة عمل معه, لانه اخرجه في اول تعديل, ويشتم الوزراء السابقون الحكومة التالية, ويحملوها وزر كل الاخطاء والخطايا, وكأن ايام جلوسهم على مقعد الوزارة كانت الدنيا “قمرة وربيع”, نسترجع اسوا ما في مخزون الذاكرة, ونعيد نشره ودبلجته وقصقصته بما يوصل رسالة التشفي, بعد جلوس اي شخص على مقعد المسؤولية, حتى لو جاء بانتخابات ساخنة جدا, فكل ما يحدث مرسوم ومجهّز, ووحدهم الجالسون عى هواتفهم او اجهزتهم المحمولة والثابتة, ابطال يصارعون الخراب.

ليس هذا الامر مقصورا على النخب, بل اجتاح الفضاء العام والرأي العام, كما يقول اخر استطلاع رأي لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية, ينظر الشخص غير الملتحى إلى الشخص ذى اللحية ويظن فيه شراً، أو العكس، تنظر ذات الحجاب إلى غير ذات الحجاب فتظن فيها شراً، أو العكس، ينظر من معه مال إلى من ليس معه مال فيظن به شراً، أو العكس, ينظر أنصار النادى الفلانى إلى أنصار النادى العلانى فيظنون بهم شراً، أو العكس, ينظر مؤيدو الحزب الفلانى إلى مؤيدى الحزب العلانى فيظنون بهم شراً، أو العكس.

دوامة من انعدام الثقة تحوم في الاجواء الاردنية, بحيث باتت الخشية واجبة, والاسراع في اعداد البرامج لمواجهة هذه الدوامة فرض عين, على كل مسؤول ومثقف وصاحب رأي, بعد ان اصبح الثأر هو المنطق السائد وليس العفو, الثأر من الموقع او من الوزارة او من الشخص, واصبح التفكير بمنطق الماضي هو المنطق وليس المستقبل, واصبحت العصبية سائدة بدل التعددية, العصبية لنظام مجاور, او لدولة تقوم بدور المرضعة السياسية, او لمسؤول تم العمل معه, وكأننا لم نغادر العصبية الاولى التي جعلت أتباع مسيلمة الكذاب يدافعون عنه، لأنه من قبيلة “رَبيعة” ولم يؤمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه من قبيلة مُضر قائلين: “كذاب رَبيعة أحب إلينا من صادق مُضر“.

اخشى على المجتمع الذي بات رأيه هو كرامته, وليس مجرد رأي قابل للصواب او الخطا, لدرجة انه يرى ان الشطط الذي يخرج منه, افضل من المعقول الذي يخرج من غيره, فترانا نجادل ونناقش في كل أمر وكل شأن, من علم الفلك الى سلق الملفوف, وبنفس الدرجة من التعصب للرأي, ندافع عن خارج على القانون, او موغل في الفساد, او كاذب يريد بضع لايكات, او فاجر يتعرض لاعراض الناس, او اسد علينا وارنب على من يحمل لهم ودا بعد راتب اثير, ويرى مصلحته تفوق وتجُّب مصالح الاخرين.

لو سألني احدهم اليوم هل تخشى على الاردن من الخارج بما فيهم الكيان الصهيوني, سأقول بالفم الملآن: اخشى على الاردن من بعض الاردنيين وفيهم ومنهم طبعا من جلس على مقاعد المسؤولية او جالس عليها, اكثر من خشيتي من الاقليم والجوار والتداعيات المحيطة.

هذا نداء او ان شئتم نداء استغاثة, ان ينهض العقلاء واهل الرشاد للعمل, والكف عن اللوم والتلاوم والتقاعس, اولا بعدم السكوت على الخطا, وثانيا بالدعوة الى الرشاد والعقل والحكمة.

omarkallab@yahoo.com