بقلم السفير الأذربيجاني/ إيلدار سليموف

 

شهدت أذربيجان في تاريخها الحديث منعطفات وقلاقل كثيرة في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم التي إنتهت بفقدان إقليم قره باغ الجبلية و7 مناطق متاخمة له جراء العدوان العسكري من أرمينيا المجاورة، الذي أدى الى تحول أكثر من مليون أذربيجاني الى نازحين ومشردين والذي أدخل قيادة وشعب أذربيجان في معركة سياسية ودبلوماسية دون هوادة من أجل إستعادة وحدة أراضي أذربيجان وحدودها المعترف بها دوليا في لحظة إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي.

ويعرف القراء الأردنيون معرفة جيدة أسوة بنظرائهم في المجتمعات الأخرى ممن يتابعون التطورات في ملف الصراع الأرمني الأذربيجاني أن مجلس الأمن الدولي وسائر المنظمات والهيآت الدولية المرموقة، قد أصدرت القرارات والوثائق المتفاوتة، ومنها 4 قرارات أممية تطالب من أرمينيا بالإنسحاب الفوري والكامل ودون شرط من الأراضي الأذربيجانية المحتلة. غير أن المعتدي كان يضرب بها عرض الحائط مع تمسكها بموقف غير بناء ومزدر أثناء العملية التفاوضية تحت رعاية مجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة التعاون والأمن في أوروبا، مما عزز من إحتمال نشوب الحرب لا تحمد عقباها.

بالتوازي، باتت أرمينيا أن تلجأ بين الفينة والأخرى الى الإستفزازات العسكرية وأعمال التخريب سواء على حدودها مع أذربيجان وخط التماس التي أودت بحياة العسكريين والمدنيين الأذربيجانيين وآخرها وقع في شهر يوليو من عام 2020 وولته محاولة فرقة الإستطلاع والتخريب في شهر أغسطس للتغلغل في أراضينا بهدف تنفيذ الأعمال الإرهابية.

وتبين لاحقا أن كل الإستفزازات الأخيرة، كانت من باب الإستعداد لحرب واسعة بغية إحتلال أراضينا الجديدة. ففي 27 سبتمبر عام 2020، بدأت قوات الإحتلال الأرمني ضمن إستفزازاتها المتواصلة قصف مواقعنا العسكرية والمنشآت المدنية بالأسلحة الثقيلة، مما أسفر عن سقوط عشرات العكسريين والمدنيين. وردا على هذا التصرف المتعجرف، أطلقت القوات المسلحة الأذربيجانية في إطار أراضي جمهورية أذربيجان المعترف بها دوليا مع مراعاة القانون الدولي الإنساني، أطلقت عملية الهجوم المضاد التي إستهدفت النقاط والمنشآت العسكرية للعدو فقط والتي إكتسبت فيما بعد تسمية “القبضة الحديدية”. 

لقد أظهرت حربنا الوطنية التي دامت 44 يوما والتي توجت بتحرير مدينة شوشا الأذربيجانية تاريخيا في 8 نوفمبر، أظهرت للعالم مدى التفاف الشعب الأذربيجاني بكل فئآته السياسية والإجتماعية حول قائده الأعلى للقوات المسلحة وجيشه المجيد، الأمر الذي دشن إستسلام أرمينيا ونصرا عظيما على المحتل الأرمني وإعتاق أراضينا من وطأة أقدام المحتلين. ثم حل 10 نوفمبر ليوقع فيه رئيس جمهورية أذربيجان ورئيس روسيا الإتحادية ورئيس الوزراء الأرمني على بيان ثلاثي.

لقد كوّن تحرير قره باغ الجبلية الأذربيجانية واقعيات جديدة في منطقة جنوب القوقاز وما وراءها متمثلة في بروز الفرص لتوفير السلام والإستقرار والأشكال الأوسع من التعاون الإقليمي. لكن تحقيق تلك الفرص مرهون بالإرادة السياسية للقيادة الارمنية، في حين أبدى الجانب الأذربيجاني إستعداده للسلام مع أرمينيا وطي صفحة العداوة. إذ أنه أعلن رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف خلال نقاشات عبر جهاز الإتصال المرئي التي نظمها مركز نظامي كنجاوي الدولي تحت العنوان “جنوب القوقاز: آفاق التنمية والتعاون الإقليمي” في شهر مايو من العام الحالي، “أنه بعد افتتاح ممر زنغازور، سيتم خلق فرص جديدة لجميع البلدان. لذلك، فأود أن أقول إن أذربيجان منفتحة على التعاون والتخطيط لمستقبلنا المشترك، لأننا سواء أحببنا ذلك أم لا، فنحن جيران ويجب أن نعيش معًا ونتعلم كيف نعيش معًا مرة أخرى”.

بالإضافة، لقد جدد الرئيس الأذربيجاني في خطاباته أننا مستعدون للإعتراف علنا ​​بوحدة أراضي أرمينيا، وبالطبع يجب على أرمينيا، بدورها، أن تعترف بوحدة أراضي أذربيجان ضمن حدودها المعترف بها دوليا. مما لا شك فيه أن قره باغ الجبلية جزء من أذربيجان وكان هكذا حتى في أيام الإحتلال. فلذا، يجب عليهم التخلي عن كل الجهود المتعلقة بوضع قره باغ الجبلية. وهذا ليس موضع النقاش. و طبقا لمعلوماتنا، فيعيش 30 ألف شخص في المنطقة التي يتواجد فيها جنود حفظ السلام الروس. ونعتبرهم من مواطنينا.

كما قال الرئيس إلهام علييف في مقابلة مع وكالة الأنباء الإسبانية EFE حول اتفاق سلام محتمل مع أرمينيا: “أنا مستعد للقاء وقد ذكرت موقفي بالفعل. إذا كان الجانب الأرميني مستعدا ، فأنا مستعد. أنا منفتح على النقاش. ونعتقد أن هذه الحرب، قد إنتهت وأن هذه الصفحة يمكن أن تكون مؤشرا جيدا”.

أما سكان قره باغ الجبلية ذوي الأصول الأرمنية، فيعرف التاريخ عن كون أذربيجانيين أصحاب قيم وتقاليد التسامح والتعددية الثقافية والدينية. فقد كانت قيادة جمهورية أذربيجان، قد صرحت مرارا وتكرارا بأن كل الأقليات القومية المقيمة على أراضي جمهورية أذربيجان تتمتع بالحقوق المتكافئة وجميع المزايا بغض النظر عن إنتماءها العرقي والديني وأن الحكومة الأذربيجانية تتهيأ لبدء عملية إعادة الإندماج هؤلاء سكانها الأرمن.

وأريد أن أختم مقالتي هذه بأن تحرير مدينة شوشا وهي عاصمتنا الثقافية نتيجة البطولة منقطعة النظير في التاريخ الحربي العالمي العصري لجنودنا وضباطنا البواسل، آتى بفرص السلام والاستقرار المستديم والتعاون الإقليمي الأوسع وبأن إقليم قره باغ الجبلية، يشهد اليوم أعمال البناء وإعادة التأهيل، بما فيها تنفيذ المشاريع الفريدة مثل “المدن الذكية” و”القرى الذكية” التي يفترض أن تحول الإقليم الى جنة على الأرض بعد نحو ثلاثة عقود من الدمار والخراب.

 

كل عام وأبناء الشعب الأذربيجاني بألف خير!