بهدوء

عمر كلاب

في الفقه الاسلامي الذي شكل الثقافة العربية, كانت الفردية صفة للخالق, ولم يمنحها الله لفرد مهما علا شأنه, فحتى الانبياء طالبهم الله بالشورى اولا, فإذا عزموا فليتوكلوا على الله, لكن الامر يبدو مغايرا في الادارة الاردنية التي تشهد تراجعا على كل المستويات, ليس بحكم الفردية فقط, بل بحكم عدم المحاسبة وانعدام مبدأ ” وقفوهم فانهم مسؤولون, فالفرد مثل ربان السفينة يستطيع أن يتوجه بها فى أى اتجاه شرقاً أو غرباً، جنوباً أو شمالاً, لا قيود عليه إلا ما يضع على نفسه.

«الفرد فى مواجهة المؤسسة» واحدة من أهم معضلات الادارة في بلادنا, مع قرارات الفرد قد يأتى الإبداع والحلول المبتكرة التى عادة ما تقاومها المؤسسات، ولكن مع قرارات الفرد أيضاً قد تأتى المغامرات غير المحسوبة والقرارات الخاطئة التى تسعى المؤسسات للحد منها.

المؤسسية، وتغليب نظرية تعدد مراكز صنع القرار وتوازنها ورقابتها المتبادلة وعدم تركز القرار فى يد شخص محدد يأمر والباقى يطيع ، أصبحت واحدة من سمات المجتمعات المتقدمة لأنها تعنى كذلك “الرشاد”, فى عملية صنع القرار ومنع تغليب المصالح الشخصية أو الفئوية على الصالح العام.

ورأينا في الدول الراسخة والتي يتحدث بتجاربها كل مسؤولينا, كيف إن الفرد/ المسؤول, أقرب إلى قائد قطار يسير على قضبان محددة سلفاً، له مساحة من الحركة فى حدود ما هو مقبول سلفاً ومخطط مسبقاً، يستطيع أن يزيد السرعة أو أن يقللها، أن يقف فى محطة أو أن يتجاوزها. وحتى حين يخرج على القضبان فعليه أن يصنع قضباناً غيرها، وإن لم يستطع أن يتواكب مع القضبان، فالانتخابات مقبلة, وفيها تجري المحاسبة.

اليوم, نعاني من فيروس دخل على نظام التشغيل الاردني, وللاسف دون ادنى مناعة من النظام الاداري, الذي جرى تجريفه لاسباب متعددة, لا اولها الشخصانية والانسباء وذوي القربى, ولا اخرها, التجريب على قاعدة المثل الشعبي الصعب, “تعليم الحلاقة برؤوس البشر”, فإن اصاب الحلاق فخير وان اخطأ فالشعر سيطلع مجددا ونمارس عليه نفس التجربة لاحقا.

المشكلة ليست في الحكومات, بل هي اعمق كثيرا, المشكلة ان الدولة اليوم لا يوجد فيها عقل مركزي, او خلية استراتيجية, قادرة على تشخيص وتحديد عمق الازمة, ثم وضع حلول جمعية لها, وليس حلولا فردية, فأزمة القطاع الصحي, متلازمة مع ازمة التعليم, وازمة التعليم متلازمة مع ازمة النقل, فكثير من المراكز لصحية غير مربوطة بشبكة مواصلات عامة, وطبيعتها الطبوغرافية لا تتناسب مع المرضى, وكذلك المدارس, وكان كثير من المشاريع رسم وجودها تاجر عقارات وليس مخطط اداري او مهندس تخطيط مدن.

ليس المطلوب مستحيلا, بل مجلس سياسات حقيقي, يبدأ بالتفكير, في معالجة الاختلالات, مدعوم من كل مؤسسات الدولة, يبدأ بوضع الخطوات اللازمة, دون مراعاة للحسابات الضيقة, على ان لا يتولى اعضاء هذا المجلس اي منصب تنفيذي, بل يراقبون حسن التنفيذ, فلا يعقل اننا في المئوية الثانية ونتحدث في ابجديات تجاوزها الزمن السياسي والاداري.

omarkallab@yahoo.com