بهدوء

عمر كلاب

لم تخرج دول الربيع العربي من اتون الصراعات الداخلية حتى اللحظة, فما يجري في شوارع تونس وفي اروقة مصر واقسام ليبيا ومدن سورية, يشي بأن الازمة قائمة بشكل أعمق من السابق, يلي هذه الدول التي شهدت تغييرا في شكل الدولة اما على الجغرافيا السياسية او على مستوى انظمة الحكم, دول مثل الاردن ولبنان والبحرين, فالدول الثلاث حافظت على نفس تركيبتها السياسية على مستوى طبقة الحكم وبقيت الجغرافيا السياسية ثابتة, لكنها ليست بنفس الثبات السابق.

ما يميز نظام سياسي عن آخر, قدرته على الاشتباك مع المفاعيل الداخلية, وقدرته على التماشي او التفاعل مع الواقع الجديد, فشيطنة الربيع العربي لم تعد كافية لارضاء الشعوب, ومحاولات التركيز على الاراء التي تبكي الانظمة السابقة واشكال الحكم فيها, تكشف حجم هشاشة الواقع ولا تكشف الانحياز او الامتنان للاشكال السابقة من الحكم والادارة, فلا يعني نجاح الارتدادات على ما جرى في اعوام الربيع العربي بأنها خطوة لصالح الانظمة او لصالح اشكال الحكم السابقة, ولا تعني ايضا انها ثورة مضادة, كما يحلو للثوريين او الحراكيين تسميتها.

في الاردن, اشتبكنا مع الواقع منذ بواكير الربيع العربي بأدوات سياسية في اغلب الاحيان وبأساليب بوليسية في احيان اقل, ونجحت السلطة في امتصاص الغضب وتحويله الى اجراءات سياسية ودستورية, لكنها لم تكتمل, ليس العيب في الدولة او المطالب, بل العيب منهجي رفضنا جميعا ان ننظر اليه بعقل التغيير الواعي, واعني الاجابة على سؤال مشروع, يقودنا الى فهم الذاتية السياسية المطلوب الوصول اليها او تظهيرها, وقبل ذلك ما هي الذاتية السياسية التي اردنا الانقلاب عليها وتغييرها, بأدوت سلمية

الذاتية السياسية, القائمة منذ تشكيل الدولة السياسي, بحكم اسبقية الوجود البشري على النظام السياسي, كانت في مجملها تحمل بذور ما قبل الدولة, وحتى تتلاشى السلطة التمثيل السياسي والتعبير الجامع للهوية الوطنية, لجات الى تفعيل مبدأ الفاعلية في الاداء الحكومي, ومنذ تشكيل الدولة والادارة العامة في البلاد قائمة على مدى فاعلية الطواقم الحكومية وادارات المؤسسات الموازية, ولكن لم تلجأ الدولة يوما الى تفعيل الديمقراطية بوصفها العقل الجمعي او القرار الجماعي, كشرط اساس لمراقبة الفاعلية وتجويدها وتطوير ادواتها, فمع اول هزة اقتصادية عشناها, اكتشفنا ان الفاعلية باتت اقرب الى الفهلوة منها الى اي شيئ آخر, وما زلنا نستذكر شخوصا ولا نستذكر نظاما عاما واحدا, فالقيمة للفرد داخل النظام العام وليس للنظام العام نفسه.

في كل محاولات الاصلاح السابقة ونماذجها اللجانية, كان سؤال الذاتية السياسية غائب, فنحن لا نضع هدفا للوصول اليه, بل نرسم ملامح مرحلة لتجاوز اللحظة الحرجة التي نعيشها, على نظرية الهرب الى الامام, وليس الاستقرار والتنمية المستدامة في السياسة وغيرها, ولجنة تحديث المنظومة السياسية ليست بأفضل حال من سابقاتها, فهي محاولة لتفريغ شحنات سلبية واحتقان اجتماعي , بعد لحظة حرجة فرضتها جائحة كورونا وحادثة الفتنة وتوابعها.

ما يجب ان يسود اليوم, هو اولا تحديد الذاتية السياسية للدولة, ومن ثم التوجه للوصول الى تمثيل يتناسب مع هذه الذاتية, وليس كما هو الحاصل الآن, مطالبات بتمثيل سياسي واسع, وطلبات باستمرار ريعية الدولة, مانحين السلطة وطبقتها القول :ان المواطن بات عبئا على الدولة والمجتمع, ولكن دون قراءة حجم مساهمة السلطة في تشويه الوعي وتشويه حقيقة تمثيل الشعب, الذي جرى تمثيله على اسس فردية وحارتية بأفضل الاحوال, وهذا لا ينتج هوية سياسية جامعة ولا ينتج عملا جماعيا نحن بأمس الحاجة اليه الآن.

omarkallab@yahoo.com