عمر كلاب يكتب : هجمة على الاصلاح السياسي بدعم من كارتيلات الاقتصاد

بهدوء.. عمر كلاب 
عشرات النظريات خرجت لتوضح وتفسر لماذا تنجح قيادة ولماذا تفشل أخرى؟ وكما هو الأمر فى كل العلوم، الطبيعية والاجتماعية، يكون هناك اهتمام بالتعرّف على خصائص الظاهرة، رصداً وتفسيراً، وصولاً إلى التنبؤ بسلوك الظاهرة ثم التحكم فى خصائصها, والحالة الاردنية ليست نشازا عن العالم والعلم, لكنها متفردة بطبيعة الشخصية الاردنية, التي ألفت الشكوى والتذمر وباتت تنقاد بسهولة خلف اي مستثمر لحالة اختلال في الادارة والسياسة, وليس أدل على ذلك من الهجمة غير المفهومة على الباص السريع الذي انتظرناه طويلا, ونعوّل عليه لانتشال منظومة النقل العام من حالة الغياب القسري, وكذلك حجم الالتفات الى ناعقي الخارج, ومحترفي اشعال الحرائق السياسية في الداخل.
نبدأ من بروز ظاهرة الشكوى والتذمر, والتي تولدت او تخلقت في اجواء مشحونة سياسيا, واجواء عصيبة اقتصاديا, فالاردني شاهد بعينيه العبث بالمخرجات الانتخابية على صعيدين, البرلمان والبلديات, لكن الظروف الاقتصادية كانت الى حد كبير مقبولة وبالتالي لم يكترث الاردني بشكل عام لخطورة العبث, باستثناء المتضررين والنشطاء الذين لمسوا حجم الخطر القادم, وطال العبث السياسة الاقتصادية التي انحازت الى مفهوم الجباية بدل المعالجة واستعملت كل مساحيق التجميل الرديئة لتزيين الوجه الاقتصادي, لكنه ازداد قباحة على قباحته, فوصل العبث الى جيب المواطن من الطبقة الوسطى المأسوف على وجودها الى الموظف الذي يلامس حدود الفقر وصولا الى كل مواطن تحت خط الثراء.
كل هذه الاختلالات كانت تستوجب ان يتوجه الانسان الاردني الى تأطير قواه البشرية في احزاب او تجمعات مدنية او تحالفات نقابية وعمالية, لكن الفردية الطاغية ومحاولة استجلاب الشهرة وشهوتها, دفعت الجميع الى التفكير الفردي حتى على مستوى الحزبيين والنشطاء والنقابيين, وحدها طبقة الثراء التي نتجت من زواج غير شرعي بين المال والمنصب الرسمي بقيت على وحدتها ظاهريا, وكانت تأكل بعضها لصالح بعضها, وليس لصالح مشروع بديل, فالوضع القائم مثالي تماما لنهش ما تبقى من جسد المؤسسات العامة السياسية والخدمية والادارية, ونجحت تلك الطبقة في زرع بذور السفاح في اعصاب الدولة, ونجحت اكثر في الاستعانة المأجورة لغاضبين انتهازيين, دخلوا المعركة لصالح فئة بغت على أُخرى من نفس العلبة.
فبات الغضب وظيفة مجزية, وبات الصوت المرتفع بصرف النظر عن صدقيته, مجلبة للفوائد والمنافع, تارة على شكل منصب وتارات على شكل وظائف متقدمة, وكل هذا جرى على عين الدولة, التي استهلكت السلطة كل مخزونها في وجدان الاردنيين, وخرج اصحاب المصلحة في التغيير من المشهد, مكتفين بالكآبة الذاتية والتحسر على تراث ايجابي بنته الدولة بعرق وكدّ كثير من الابناء المخلصين, واستأثرت تلك الفئة الباغية من السلطة بالمواقع الرسمية والمعارضة السياسية, بتوليفة تؤكد علاقة السفاح التي انتجتها, فكل مسؤول اليوم هو مشروع معارض مقبول مستقبلا, والبركة في اصحاب الصوت المرتفع الذين باتت وظيفة اكثرهم التصفيق لكل مخالف.
وسط هذه الظروف المتشابكة, وبدعم خارجي لكل عناصر الاحباط والتشويش, منذ ان نجى الاردن من محنة الربيع العربي, نمت مخرجات علاقة السفاح بعد ان كانت بذرة في اوصال واعصاب الدولة, وتحصنت داخل مواقع متينة, في ظل غياب التأطير الجماعي والتحالفات المضادة لها, فبقيت الدولة وحيدة, الى ان دقَ الملك جدران الخزان من خلال لجنة تحديث منظومة الحياة السياسية وتوجيهاته بإعادة قراءة النهج الاقتصادي الذي ساد وأفاد كل ابناء السفاح, فخرجت مجددا تلك الاصوات تنعق وتعبث, فنجحت مؤقتا في خلخلة مفهوم نجاح اللجنة, مستندة الى التركيبة الخلاسية, ولكن الاهم والذي غفل عنه كثيرون, الهجمة الممنهجة على اللجنة من قبل كارتيلات الاقتصاد, الذين يدعمون بكل قوة تكسير الاصلاح السياسي خشية ان يصل القطار الى الاصلاح الاقتصادي, وغدا نكمل.
omarkallab@yahoo.com
شارك على الشبكات الإجتماعية !
مواضيع مشابهة