مرايا- بهدوء – عمر كلاب
انقضى الربيع العربي وانقضت معه فرصة السير في الاصلاح العام, رغم ثلاث تعديلات دستورية اخرها تم نشره في ايار 2016, وسبع اوراق نقاشية ملكية ابتدأت الورقة الاولى بالعام 2012 وانتهت الورقة السابعة بالعام 2017, ولم تقم اي جهة رسمية بتجميعها في مطبوع واحد كما لم يجر تبويب مضامينها على شكل مصفوفة لتسهيل النقاش المطلوب كما حمل عنوان الاوراق ذاتها, واكتفت النخبة الرسمية بالتصفيق للاوراق لتجد مكانها في ادراج المسؤولين كما هي مخرجات لجان الحوار او لجان الاصلاح, مما يدلل على ان السلطة قادرة على تسويف كل مشاريع الاصلاح حتى تلك التي تحظى بضمانة الملك, وللتدليل اكثر فإن احد رؤساء الوزارات فتح درجا في مكتبه لكاتب صحفي ليريه الى اين آلت مخرجات احدى لجان الاصلاح.
بالقطع لم تنتصر السلطة المكونة من تحالف اليمين السياسي والمحافظ الاسلاموي الا بضعف ادوات الاصلاحيين ذاتهم وعدم قدرتهم على تأطير انفسهم, مكتفين بالجلوس في صالونات تتفاوت قوتها ودرجة فخامتها حسب مستوى الحاضن او الممول السياسي, فالاصلاحيين من رجالات الحكم على ندرتهم استقطبوا مجموعة من اليساريين والقوميين الى محافلهم وبقي الاخرون على تراثهم السابق في التنظير الذاتي واستجرار الماضي, كما فعل ويفعل اليسار في اوروبا الشرقية الذي لم يتطور مع حراك مجتمعه, الذي تغير بسرعة البرق الى اقتصاد السوق ونهج الانفتاح السياسي والاقتصادي.
هذا التشظي سمح للكماشة ان تضغط على الاصلاحيين وتكسير اضلاعهم, فهم من وجهة نظر السلطة التي يسيطر عليها اليمين السياسي اعداء للدولة حسب تعريف السلطة للدولة, وهم من وجهة نظر المحافظ الاسلاموي والحراكيين “الثوريين” بين قوسين اعداء للثورة, فاليمين يرى فيهم خطرا على مصالحه التي توفرها لهم السلطة, فهم يعيشون على علل الدولة وامراضها, والمحاظ الاسلاموي وجد في احتضانه للحراك الثائر فرصته لاثبات ان الدولة ذاتها هي سبب العلل ويجب تغيير شكلها, فضاع الاصلاحيون بين التيارين وتأرجح اليسار التقليدي والقومي المهزوم بين الفريقين, جزء جلس في حضن السلطة خشية من المحافظ الاسلاموي وجزء لمكاسب ذاتية بعد هزيمة مشروعه.
ولثقيف الحالة اكثر, فمنذ العام 1990 وحتى العام 1994, لم تستجب الاحزاب القومية واليسارية لحجم التغيرات المصاحبة لاتفاقتي غزة – اريحا ووادي عربة وقبلهما لم تستوعب الاحزاب زلزال حرب الخليج الثانية واحتلال الكويت وانهزام المشروع القومي بصيغته البعثية بعد وقوف دمشق في حفر الباطن, وفتح قناة السويس التي أممها جمال عبد الناصر لحاملات الطائرات الامريكية, اي بإنهزام الظاهرتين القومية الناصرية والقومية البعثية, فكل الاحزاب التي عملت في الاردن كانت اما احزاب عابرة للجغرافيا او احزاب نمت على حواف القضية الفلسطينية, ولم يتشكل حزب اردني برامجي على مدى اخر ستة عقود من عمر الدولة, وحتى محاولات تشكيل احزاب وسطية او محلية الطابع تحت تضليل احزاب وطنية وكأن باقي الاحزاب عكس ذلك, جرى تمييعها بالاكتظاظ المبرمج عددا وبالشخوص التقليدية, مما يؤكد بأن السلطة لا تقبل بالحياة الحزبية والتجربة السياسية الجماعية حتى للخارجين من رحمها, والشواهد كثيرة.
امام هذا العرض الذي احببت ان يكون على شكل صورة اشعة, على أمل ان يتم نقاش كل مفصل بعمق, ياتي السؤال ما الذي تغير وجدّ, حتى ندخل في حوار جديد للاصلاح, او نستحضر مشاريع اصلاحية سابقة ونُعيد لها الحياة, وهل تصلح الاوراق النقاشية الملكية لتكون حاضنة الاصلاح ومبتغاه ونهاياته؟ ام انها ارضية ننطلق منها؟ في ظل رأي سائد يقول بأنها هي الحاضنة وهي الاطار المرجعي والتنفيذي, اي حسمنا النهايات والنتائج وسنتحاور على ادوات التنفيذ ووسيلة الوصول فقط.
فالاوراق النقاشية امتدت على مدار سنوات خمس وانقضى على اخرها خمس اخريات, فهل ما زال المجتمع على حاله؟ ام تحرك بإزاحة عن السنوات العشر تلك؟ وهل تحركت السلطة بإزاحة ام بإقتراب نحو مضامين الاوراق النقاشية؟ فالحاضر الذي عشناه خلال اسبوعين سابقين – منذ اطلالة النائب المفصول بكلمة ” طز” الى فصله من البرلمان مرورا بتجميد عضويته, كشفا بأننا لا نعرف حجم الازاحة ولم نقدر مساحتها حتى لمن كان يعرفها, وهل قرأنا ومايزنا حجم التداخل بين الغاضب والعاتب على السلطة حتى افقدته اليقين بالدولة, وبين المنقلب على الثوابت الاردنية؟ والاهم هل قرأنا حجم الانتهازية السياسية في موقف ما نصفه بأنه اكبر تيار سياسي في الاردن, الذي قعد عن التصدي لكل الخروج عن المألوف الاردني والثوابت الدستورية؟
حجم الازاحة بين الصورة الوطنية واطارها الاردني, واسع, لدرجة انحياز نخبة اكاديمية وسياسية واجتماعية, الى خطاب التأزيم الراديكالي, دون احترام لادنى وابسط قواعد التحليل السياسي, بل كان انحيازا للتعبير عن الغضب, الناتج عن عدم المشاركة في كعكة السلطة وليس من منطلق الحرص الوطني, ولولا خطيئة او غرور التعرض لحياة الملك ومحاولات التجييش على اسس مناطقية وجهوية, لكانت النهايات غير التي رأيناها, فهل قرأنا كل ذلك لنعرف الى اي مدى تغير المجتمع الاردني, واي خطاب نحتاج الى تقديمه لجيل جديد ما باتت تغريه كل ادواتنا القديمة وخطاباتنا الوطنية.
صحيح ان الثوابت الاردنية ما زالت صامدة, العرش والجيش والوحدة الوطنية, ورأينا حجم الازاحة في كثير من مواقف المؤيدين لرواية النائب المفصول, بعد مساسه بالعرش وحياة الملك, وهذا يستوجب قراءة عميقة, هل صمود هذا المثلث الذهبي في اذهان ووجدان الاردنيين, نابع من صمود وطني ام صبر ناجم عن خوف ورهبة من مشاهدات رأيناها بأم العين في الجوار الاقليمي؟
ثمة قراءات واحاديث مسكوت عنها في المجتمع اعلى بكثير مما تطرح على المائدة الوطنية, ودون طرح كل الاسئلة والتساؤلات الحرجة, ووضع المسكوت عنه في الفضاء الحر والهواء النقي, فإن تحوله الى عفن هو الاقرب, وواجب السياسي طرح المسكوت عنه في اللحظات الوطنية الفاصلة واظننا في لحظة حقيقة وطنية نحتاجها وتحتاج منا اعادة ترتيب وتوضيب برامجنا الوطنية للاجابة على كل الاسئلة وليس فتح الباب لاسئلة جديدة او متجددة عن ارادة الاصلاح ومدى توفرها وعن عزمنا عن تغيير نهج السلطة وفقا لمنهج اردني ندخل فيه ومعه المئوية الثانية بنفس العزم واليقين .
omarkallab@yahoo.com