بهدوء -عمر كلاب

في اللحظة التي يزداد فيها وهج المقاومة الفلسطينية, يعلو بالتوازي نجومية قيادتها السياسية التي تتفاعل مع هذا الوهج بنمطين احدهما داخلي يتولاه يحيى السنوار, بلغة خطاب داخلي تستدعي الاحترام, وثانية خارجية يحاول اسماعيل هنية تشبيك العلاقات فيها بين الحركة والقوى الاجتماعية العربية وهي تحمل لونين او مفردتين, مفردة خاطب فيها بعض الانظمة شاكرا موقفها, وهذه لغة سياسية مقبولة وواجبة حتى لو كان السقف الرسمي اقل من المأمول شعبيا, وثانية اختار فيها لغة مواربة من خلال الاتصال بوجهاء ونواب وقيادات حزبية.

الاردن كان من النمط الثاني حسب هنية, فهو اختار ايصال رسائله من خلال نواب الحركة الاخوانية وذراعها السياسي, واقل من ذلك بكثير مع الاحزاب الاردنية فلم يعلن سوى حزب اردن اقوى عن تلقيه اتصال من هنية حسب منشور الدكتورة رولى الحروب امين عام حزب اردن اقوى, ولا ادري ان كان هنية اجرى اتصالات مع احزاب اخرى او مع الوان واطياف سياسية ثانية تستوجب الاتصال فالجميع في الاردن كان على مسافة واحدة من دعم المقاومة.

هذا السلوك السياسي من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تغيب عنه السياسة والحصافة – ان صح ما نشره الاشخاص والنواب عن فحوى الاتصال- فالعناوين التي اختارها هنية مع شديد الاحترام له, عناوين فرعية, فمجلس النواب الذي نختلف مع كثير من خطواته, كان موحدا وجامعا في نصرة المقاومة, وعليه كان واجب الاتصال مع رئيس مجلس النواب وليس مع ذوات نيابية نحترم ونقدر, وكان عليه الاتصال بالامناء العامين للاحزاب الاردنية الذين مارسوا دورا مميزا في الحرب على المقاومة وفلسطين, وهكذا مع باقي العناوين النقابية المهنية التي وقفت منذ قديم الزمان مع فلسطين وقضيتها.

السنوار الذي تحرك اليوم في الفضاء الفلسطيني بخطوات ثابتة وواثقة, كان خطابه وحدويا ومتزنا, فمنظمة التحرير الفلسطينية يجب ان تعود المظلة, وسبق لكاتب المقال ان اشار الى ذلك منذ بواكير المعركة الاخيرة التي ستتلوها معارك,فالرجل خاطب الكل الفلسطيني, ودون مبالغة وبقليل من التفاؤل الحذر كان خطاب السنوار جديدا على حركة حماس, وتؤشر بان عقل الحركة بات اكثر رحابة واتساعا لفهم المتغير الفلسطيني والعربي والعالمي, على عكس خطاب هنية الذي قدم نموذجا ضيقا من الاخوانية على حساب الاتساع الفلسطيني وربما نلتمس عذرا للداعية الذي دخل عالم السياسة بادوات دعوية اكثر منها سياسية.

على عكس خالد مشعل الذي يعرف حجم الحساسية والمحاذير بين الحركة والاردن الرسمي, فتعامل مع الملف بذكاء ملفت, بين الشكر للاردن ومحاولة توفير ادوات ضغط ناعمة على الرسميين كي يُعيدوا قراءة العلاقة مع الحركة وفق المقتضى القومي والوطني الاردني, واختار الرجل لحظة وطنية اردنية وفلسطينية بامتياز, فالكل الاردني كان مع المقاومة وهذه لحظة لا يجوز ان تفوت دون تكريس وقائع جديدة على الارض, فالشارع الاردني ومنذ فترة ليست بالقصيرة يطالب بفتح كل القنوات مع الكل الفلسطيني دون اقتصاره على منظومة السلطة الفلسطينية التي باتت خارج الفعل الفلسطيني.

ولا يسندها الا مواقف عربية ودولية وبعض منتفعين وقليل من ممسكين على أمل استرداد السلطة بوجها الوطني الفلسطيني وليس السلطة الفلسطينية والفرق شاسع بين المفهومين, وكان هذا ذكاء من مشعل وقراءة واعية لشكل ادارة الملفات مع الاردن بشقه الرسمي والشعبي الذي توحد على نصرة القدس وغزة وفلسطين كلها.

المطلوب من حماس تعظيم الفهم الذي يقوده مشعل والسنوار, وتخفيض او تقليص نهج هنية الذي ما زال اثير اخوانية اعلى مما تحتاجه الحالة الفلسطينية, وممسوك بولاءات مصرية- قطرية مع نكهة تركية.

omarkallab@yahoo.com