بهدوء -عمر كلاب- على شدة الايجابيات التي حملتها الجلسة المغلقة التي عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية لمناقشة ملف الاصلاح الذي نريد , الا ان ثلاث مؤشرات مقلقة برزت في تلك الجلسة , وتحتاج هذه المؤشرات الى قراءة عميقة وربما الى موائد حوار قبل الشروع في مناقشة ملف الاصلاح الذي انهكته كثرة اللجان واوراق العمل ومخرجات اللجان والحوارت ورسائل الضمانات والتطمينات من السلطة, دون تحقيق اية ضمانة طبعا.

المؤشر الاول: اننا نبدأ بحوار الاصلاح واجنداته ومألاته وسيرورته, كاننا متفقين اصلا على معنى الاصلاح وعلى مجموعة مصطلحات داخلة في صلب العملية الاصلاحية المنشودة, فما معنى المعارضة الوطنية مثلا والى اي نوع من الديمقراطية سيوصلنا الاصلاح, ديمقراطية اجرائية نجحت في بناء الكيفي على حساب البنيوي, ام ديمقراطية توافقية يجري فيها الاصغاء الى الهواجس جميعها وايجاد توافقات بين كل الهواجس المطروحة على بساط البحث سواء من السلطة واركانها ام من المعاضة واطيافها ومؤسسات المجتمع المدني, ام ديمقراطية ليبرالية تحمي حقوق الافراد والاقلية من الاكثرية؟

المؤشر الثاني: مقدار الانزياح في حاجز الثقة بالمؤسسات الرسمية, لدرجة ان بات المطروح وبصوت مرتفع ان يتقدم الشعب والقوى السياسية والشعبية والمدنية بكتاب ضمانات الى السلطة تتعهد فيها هذه القوى بسقوفها في الاصلاح, وبأن السقف المقبول اليوم هو الاوراق النقاشية الملكية, وبأن ما ورد في هذه الاوراق هو السقف النهائي, وبالتالي علينا ان نعود بالحوار الى الخلف, اي نضع النهاية ثم نبدا بكتابة حلقات مسلسل الاصلاح الذي انهكناه, قافزين عن معنى ومبنى الاوراق نفسها, فهي نقاشية, وربما تحمل ما هو مقبول وربما تحتاج الى تعميق واضافة.

المؤشر الثالث: وهو سؤال يحتاج الى مراجعة, من الذي يحتاج الى الاصلاح, النظام والدولة ام المواطن والقوى السياسية, وباقي تكوينات المجتمع المدني؟ سؤال طرحه امين عام حزب جبهة العمل الاسلامي مراد العضايلة, وأجاب عنه هو, بان النظام والدولة هما احوج الى الاصلاح من المجتمع بكل تلاوينه, وهذا يتطلب توقفا , فهل التيار السياسي الاعرض في البلاد يرى بأن الاصلاح حاجة للنظام والدولة وليس حاجة مجتمعية بل وطنية بالضرورة؟ أليس في ذلك استعلائية سياسية تشي بأننا امام بوادر مغالبة لا مشاركة, فما دام ان المجتمع وتكويناته السياسية والمجتمعية حسب وجهة نظر الامين العام لجبهة العمل الاسلامي لا يحتاجان الى الاصلاح, فلمن الاصلاح إذن؟

حوارات الاصلاح بمعظمها تنطلق دون ضبط المصطلح ودون التوافق على التعريفات, وكأن هذه بديهيات لا تحتاج الى تعريف او حظيت باجماع عام او معادلة رياضية محسومة لا يأتيها الباطل, وهنا نقع في الشَرك المنصوب بمهارة بين الديني والسياسي الذي يتراوح بين المحافظ والرجعي, فالبداهة هي اول اغواء للعقل كي يفكر بعقل خصمه فيستدرجه الى ملعبه ويسقط داخل معسول الافتراض وحلاوة البديهية.

اظننا قبل البدء في غمار التفاصيل نحتاج الى ورقية مرجعية, تحدد المعاني للمصطلحات وتحسم جدل الاولويات او الاصلاح المتزامن لكل الفضاءات كما هو الطرح الحالي, وايضا هذا فيه كثير اغواء وغواية, فالاصلاح المطلوب اولا هو الاصلاح السياسي, لأن طوابير الخبز وطوابير البطالة وطوابير الفقر, تُحل بطوابير الناخبين على صناديق الاقتراع وهذا مربط الاصلاح وبوابته, فقد ارهقنا العزوف عن الاقتراع وعن الترشح لاسباب في معظمها جوهرية.

omarkallab@yahoo.com