مرايا – كتب :عمر كلاب – حين ذرفت شقيقتي الكبرى دمعة وانا اتناول كمشة حبوب ( السكري والكوليسترول والمميع والنقرص ) قائلة : لسه صغير عمر يا قلبي ، باغتتها شقيقتي الصغرى بالقول : ” اخوك مش صغير يا حبيبتي صار عمره خمسين ” ، كان ذلك قبل سنوات سبع بالتمام والكمال ، لم التفت الى الرقم وضحكت ، قلت عندي صار عيال وأصغرهم انا ، لكن دمعة فتحية ظلت ساخنة على قلبي ، وأنا اراقب وجهها الذي بدى مثل كعكة بللها الشاي فتموجت قيافتها واستقامتها وتجعدت قليلا .
تمر الايام مخلوطة بالتلاهي ، نسيت الحكاية وداهمتنا التفاصيل اليومية التي انستني الحكاية رغم استمرار التهام الحبوب التي تزيد تباعا ، الى ان اضطررت الى تقديم شكوى لدى وحدة الجرائم الإلكترونية ، أوقفت مركبتي امام مكتب المحامي الألمعي ايمن ابو شرخ ، قابلا اقتراحه بالسير الى الوحدة في ذلك الصباح ، قبل ان تخطفني لافتتة معهد اللغات والعودة الى الوراء ، عودة ارهقت رقبتي وذاكرتي لكثرتها ، قبل اربعة عقود دلفنا عامر بامية وأنا الى هذا المعهد لتلقي دروسا في اللغة الانجليزية التي لم استسغها وراكم من ذلك وجود المعهد خلف مبنى شرطة العاصمة في ذلك الوقت .
تأخرت في الخطوة قليلا عن أيمن ، وانتبه الى شرودي في المبنى ومحاولة ملامسة حجارته ، التي باتت بلون شعري ، وبروزاتها اقرب الى ندوب في القلب والروح بحكم التجارب ومرارتها وحلاوتها ، وسألني بوداعة : بتعرفه ، تنهدت وأجبت بغمغمة درست فيه قليلا ، وأكمل هو عن مالكه وأظنه قال انه من بيت العسلي وأن ابنته المطربة المعروفة ، وصار يسرد محاسن الرجل دون التفات الى شرودي الكامل واستعراض اول مغامرة في اللويبدة ، الجبل والناس ، والبيوت التي تستفز يافع عاش على حواف مخيم النصر وجبله وكان يقضي صيفه بالسفر الى مخيم رفح او الى جورة العقاد في خان يونس ، اما اذا قررت العائلة البقاء في عمان حتى يتجمع افرادها من دول الخليج ، فكنت اقتنصها فرصة لقضاء اسبوع في مخيم البقعة عند خالتي سارة ، او ابتعد اكثر الى علان لقضاء فسحة مع سلطية جبل النصر اللذين يرحلون صيفا الى بساتينهم ولا يعودون الا مع زيتهم وزيتونهم .
اليوم وأنا اسير مثل غصن معوّج الى صلاة الجمعة ، مرّت بخاطري كل سنين العمر ، لكن وجه أمي ظلّ ملحاحا ، فهي التي كانت تردد دوما انني لن أكبر ، وتحاول جاهدة اقناع أختي بوصفهما الأكثر موانة علي بأن اعقل والامس حواف الرشاد بعد ان اصبحت أبا لثلاثة ابناء ، مؤكدة انني أتصرف كأعزب دون ادنى مسؤولية ، حتى انها أجابت صغيري فرات ذات سؤال عن تربيتي بأنها لم تربيني بل ربيت نفسي ولذلك أنا غير شقيقي وشقيقتي .
اليوم يا أمي وانا التهم كمية الادوية اليومية ، مضافا اليها ادوية التهاب المفاصل التي قادتني الى الاعوجاج في المسير ، تذكرتك وذرفت دمعة ومؤاب يسندني للجلوس على كرسي لإداء الصلاة ، بعد ان قال عدي الذي تولى القيادة ( حدا ينزل مع ابوي يساعده ) ، فتولى مؤاب المهمة ، نعم يا أمي صليت اليوم على كرسي اسوة بباقي كبار السن في المسجد ، وتلقيت التهاني بالسلامة من عملية في الحنجرة .
لم استعجل الشيب وغبار على الشعر بفعل المسيرة في الحياة الخشنة ، لكنه زارني بكثافة ، وكنت تسألين متى أشيب ، استأذنك وانا ادعو لك بالرحمة والمغفرة ، بأن أخبرك لقد كبرت يا أمي وأسير مثل غصصن معوج ، لكنني فرح وفخور بثمرات ثلاث سندوني في الحياة وفي المسير .