مرايا –
تُعد مشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني في أعمال قمة دول جنوب أوروبا «ميد 9» بسلوفينيا تجسيداً عملياً للدور المحوري للأردن إقليمياً ودولياً، كما أنها تأتي في سياق علاقة ثنائية متنامية مع سلوفينيا، التي برزت كأحد أبرز المدافعين الأوروبيين عن الحقوق الفلسطينية.
جاءت مشاركة جلالته في القمة للمرة الثانية على التوالي، بعد مشاركته الأولى في قمة العام الماضي بقبرص، ما يمثل دليلاً على المكانة الدبلوماسية المتميزة للأردن بقيادة جلالة الملك.
دعوة استثنائية
جلالة الملك عبدالله الثاني هو الزعيم الوحيد من خارج منظومة الدول التسع الأعضاء في القمة الذي تتم دعوته لحضور هذا التجمع. وهذه الدعوة تُبرز اعتراف المجتمع الدولي بدور الأردن كشريك أساسي في صنع الاستقرار الإقليمي وكمحور جوهري في قضايا السلام.
وتعتبر قمة «ميد 9» منصة استشارية للحوار غير الرسمي تهدف إلى تعزيز التكامل الأوروبي ومناقشة قضايا دول جوار البحر المتوسط. وإن مشاركة الأردن في هذا المحفل تفتح له قنوات مباشرة للتنسيق مع قادة دول أوروبية مؤثرة مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا عن أهم ملفين إقليميين: القضية الفلسطينية والأزمة الإنسانية في غزة.
شريك داعم للحقوق الفلسطينية
تحولت سلوفينيا تحت قيادة رئيس الوزراء روبرت غولوب إلى أحد أبرز المدافعين عن الحقوق الفلسطينية داخل الاتحاد الأوروبي، واتخذت سلسلة من الإجراءات العملية والرمزية البارزة منها:
** اعتراف تاريخي: في حزيران 2024، صادق البرلمان السلوفيني على الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967، انضماماً إلى مسعى إسبانيا والنرويج وأيرلندا. وعللت رئيسة البرلمان هذا القرار بالقول: «جربنا من قبل أن يكون بلدنا تحت حكم دولة أخرى، ونشعر بما يشعر به الفلسطينيون».
** إجراءات عقابية ملموسة: فرضت سلوفينيا حظراً شاملاً على تصدير واستيراد وعبور الأسلحة إلى إسرائيل، لتصبح أول دولة أوروبية تتخذ هذا القرار. كما أعلنت أن الوزيرين الإسرائيليين، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، شخصان «غير مرغوب فيهما» بسبب تصريحاتهما الداعية إلى الإبادة والتحريض على العنف.
** خطوات اقتصادية وقانونية متقدمة: في آب 2025، فرضت سلوفينيا حظراً كاملاً على استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية. كما تدرس الانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لاتهامها بارتكاب إبادة جماعية.
العلاقات الثنائية
لا تقتصر العلاقات بين الأردن وسلوفينيا على المشاركة في القمم، بل تشمل تعاوناً ثنائياً مباشراً وتطابقاً في الرؤى حول القضايا المصيرية. ويتمثل ذلك في:
** لقاءات قيادية رفيعة المستوى:
خلال زيارته لسلوفينيا للمشاركة في القمة، أجرى جلالة الملك عبدالله الثاني مباحثات مع رئيسة سلوفينيا ناتاشا بيرك موسار.
ومندوبا عن جلالة الملك، التقى سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، رئيس الوزراء السلوفيني الدكتور روبرت غولوب.
كما أجرى وزير الخارجية أيمن الصفدي محادثات موسعة مع نظيرته السلوفينية تانيا فايون في أيلول 2025، حيث ثمن المواقف السلوفينية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
** شراكة قائمة على مبادئ العدالة:
عبر الأردن بشكل متكرر عن تقديره لمواقف سلوفينيا «الشجاعة والصادقة». ووصف الصفدي هذه الخطوات بأنها «تعبير حقيقي عن التزام سلوفينيا بالقانون الدولي الإنساني».
يؤكد هذا التقارب أن استمرارية الدور الأردني في الدفاع عن القضية الفلسطينية وسعيه للسلام، رغم كل التحديات، يحظى بتقدير وشراكات دولية متزايدة، حتى مع دول لم تكن تقليدياً في الصف الأول من هذا النضال.
وتجسد زيارة جلالة الملك إلى سلوفينيا نجاح الدبلوماسية الأردنية في تعزيز وجودها في المحافل المؤثرة، وبناء تحالفات مع لاعبين جدد يتشاركون معها الالتزام بمبادئ القانون الدولي والعدالة كسبيل وحيد لتحقيق السلام الدائم في المنطقة.