مرايا – كتب: عمر كلاب

الغاء وزارة الادارية المحلية واتحاد البلديات بديلها هيكلة المركزية وازالة الشوائب والعوار

 

قدّم الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني ورقة شاملة حول تطوير الإدارة المحلية، ربط فيها بين مشروع التحديث السياسي والاقتصادي وبين إصلاح بنية الحكم المحلي في البلاد, الورقة تحمل طموحاً فكرياً وسياسياً لافتاً، إذ تدعو إلى إلغاء وزارة الإدارة المحلية وإحلال اتحاد بلديات منتخب محلها، إلى جانب إعادة هيكلة اللامركزية عبر إنشاء أقاليم تنموية بدلاً من مجالس المحافظات, غير أنّ هذه الرؤية، رغم عمقها التحليلي، تثير تساؤلات حول مدى قابليتها للتطبيق وملاءمتها لواقع الدولة الأردنية وتعقيداتها المؤسسية.

 

قوة الرؤية وجرأة الطرح

 

من الإنصاف القول إن الورقة تُعد من أكثر الوثائق الحزبية وضوحاً وشجاعة في نقد المركزية الحكومية, فهي لا تكتفي بالتوصية بالإصلاح الإداري، بل تذهب إلى جذور الخلل البنيوي في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتربط ضعف التنمية المحلية بغياب صلاحيات حقيقية للبلديات, كما تطرح رؤية متقدمة في ربط الديمقراطية الاجتماعية بالإدارة المحلية، معتبرة أن «اللامركزية ليست هياكل جديدة بل نقل فعلي للسلطة والموارد»، وهي فكرة ناضجة سياسياً تتجاوز الخطاب التقليدي.

 

نقاط واجبة الطرح

 

الورقة – على قوتها النظرية – تعاني من نزعة مثالية في بعض مقترحاتها، أهمها:

1. إلغاء وزارة الإدارة المحلية وهي خطوة تبدو متسرعة، إذ لا يمكن تحقيقها قبل بناء منظومة رقابة وإدارة مالية محلية متكاملة.

2. الدعوة إلى إلغاء مجالس المحافظات تستند إلى نقد مشروع للبيروقراطية، لكنها لا تقدّم تصوراً دقيقاً لإدارة المشاريع المشتركة على المستوى الإقليمي.

3. مقترح الأقاليم التنموية طموح لكنه فضفاض، إذ لم تحدد الورقة كيف ستُدار هذه الأقاليم ومن سيتحمل مسؤولية التخطيط والتمويل.

4. الورقة تُحمّل المواطن مسؤولية وعيه الانتخابي، لكنها تتجاهل ضعف الثقافة السياسية الناتج عن غياب التدريب والمأسسة الحزبية المحلية.

 

غياب البعد التنفيذي

رغم احتوائها على عشرات التوصيات، إلا أنّ الورقة تخلو من خارطة طريق تنفيذية أو جدول زمني للإصلاح. فإصلاح الإدارة المحلية لا يتحقق بإلغاء هياكل أو تعديل قوانين فحسب، بل يحتاج إلى إصلاح إداري تدريجي يشمل تدريب الكوادر وتطوير الأنظمة وبناء الثقة بين المواطن والمؤسسة المحلية, وقد تطرقت الورقة الى ذلك ولكن دون مشروع متماسك .

 

غياب البعد اسياسي

من اللافت أن الحزب، رغم انتمائه إلى التيار الديمقراطي الاجتماعي، لم يربط بوضوح بين الإدارة المحلية والعمل الحزبي الميداني, فنجاح اللامركزية لا يقوم فقط على تمكين البلديات، بل على تفعيل الحياة الحزبية داخلها، بحيث تعكس المجالس المنتخبة تنوعاً سياسياً يعبّر عن برامج وطنية لا محلية فحسب.

 

التوازن بين الطموح والإمكان

لا يمكن إنكار أن الورقة قدّمت أفقاً إصلاحياً متقدماً، يتسق مع روح رؤية التحديث الاقتصادي والسياسي في الأردن، لكنها في المقابل تحتاج إلى جرعة من الواقعية التنفيذية, فإلغاء الهياكل دون بدائل جاهزة قد يربك منظومة الحكم المحلي بدل إصلاحها.

 

وفي النهاية, ورقة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني حول الإدارة المحلية تمثل مساهمة فكرية مهمة في النقاش الوطني حول اللامركزية، لكنها تظل بحاجة إلى تطوير في البعد التنفيذي والسياسي لتتحول من وثيقة نقدية إلى مشروع إصلاحي قابل للتطبيق, إن نجاح أي رؤية تحديثية لا يقاس بجرأة الطرح فقط، بل بقدرتها على توليد توافق وطني يوازن بين طموحات التغيير ومتطلبات الاستقرار المؤسسي.