مرايا – كتب: سميح المعايطة

إحدى كلمات السر في علاقة الإخوان مع الدولة منذ أن كان الإخوان المسلمون في الأردن في منتصف أربعينيات القرن الماضي أن من كانوا أصحاب قرار في الجماعة كانوا يديرون أمورها على أنهم جزء من الدولة الأردنية، وكان في صفوف قياداتها المهمين من كانوا يؤمنون بالدولة ونظامها السياسي ويتعاملون معها على أنها دولتهم وليست ساحة عمل، وحتى التنظيم الدولي للجماعة كان يرى في الأردن حالة مختلفة، في وقت كان الاخوان في مصر بلد المنشأ في السجون او النفي، وأيضا كان الاخوان في دول عديدة في أوضاع صعبة، وبعدها كانت الجماعة في الأردن تحتضن الاخوان السوريين في الأردن بعلم الدولة، وكان يقال إن الجماعة في الأردن كانت رئة مهمة يتنفس منها التنظيم.

وحتى من كانوا يصنفون صقورا او متشددين داخل إخوان الأردن فقد كان تصنيفا داخل الجماعة، لكنهم كانوا يحافظون على معادلة التنظيم مع محاولات للتشدد في الخطابات لمكاسب داخل التنظيم، وكانوا في المحطات الصعبة حمائم فوق العادة، ورغم ان فئة من هؤلاء لم يكونوا يؤمنون بالدولة ولا الدستور ولا النظام السياسي إلا انهم في لحظات المكاسب دخلوا مؤسسات الدولة بما فيها مجلس النواب رغم ان بعضهم كان يحرم قبل ذلك المشاركة في مجلس النواب.

 

 

كلمة السر هذه لدى المؤثرين في قرار الجماعة لم تكن تعني لدى الدولة اطمئنانا كاملا للجماعة، لان التنظيم كان يحمل سلوكا معتدلا وخطابا او فكرا متشددا، وحتى في داخل الجماعة كان الحديث عن الأردن شيئا محل شك بصاحبه، وعندما يريد أحدهم ذكر اسم الملك في اجتماعات داخلية يذكره وكأنه زعيم دولة أخرى ومعادية مثل رأس النظام، وعندما يكون الحديث علنا وخاصة عندما اصبح للجماعة نواب ووزراء فإن الحيرة كانت تصيب بعضهم، فكان استخدام مصطلح “سيد البلاد”، الى مصطلحات أخرى هروبا من قول “جلالة الملك” علنا فهذا كان صعبا، ولم تكن القصة في الكلمات لكنها تعبير عن فكر.

 

 

ومع ذلك استمرت المعادلة وبقيت الجماعة تتعامل على انها تحت حكم الدولة وليست ندا لها، لكن تحولات جذرية حدثت داخل التنظيم مثل وجود قيادة حماس في عمان من عام 1991 الى 1999 وقد أصبحت لدى فئات اخوانية اهم من قيادة التنظيم الاخواني، وكانت حماس تمتلك قضية ومالا ونفوذا وذكاء في عملها مع الاخوان واصبح لحماس تيار قوي داخل الجماعة وقيادتها، وترافق هذا مع تغيير المراقب العام ومغادرة الأستاذ عبد الرحمن خليفة موقعه بعد ان قاد الجماعة اكثر من أربعين عاما، وجاء الأستاذ عبدالمجيد الذنيبات رحمهما الله لتتغير أوزان التمثيل والتأثير داخل الجماعة. 

 

 

وكانت اول محطة سياسية تتعامل فيها الجماعة مع الدولة بندية وتحد انتخابات البرلمان عام 1997، حين قاطعت الجماعة لأسباب معلنة لا علاقة لها بالسبب الحقيقي وهو سبب داخلي وصراع نفوذ يعرفه من اتخذ القرار، وحاول الحسين رحمه الله ان يتعامل وفق المعادلة التاريخية بين الدولة والإخوان وتحدث بلغة ود وسياسة معهم في خطاب في الزرقاء، لكن الجماعة كانت قد ذهبت الى مسار جديد، ولم يعد قرار الجماعة كما كان، بل أصبحت هناك مراكز قوى تحكم القرار.

 

 

ولم تتوقف التغيرات داخل الجماعة واصبح معلوما ان اجتماعات مجلس الشورى لأي قرار مهم كانت تخضع لمعادلات لتيارات وجهات مختلفة، واصبح نفوذ حماس داخل الجماعة اقوى من المراقب العام او المكتب التنفيذي، والأسباب يعلمها الجميع، حتى كان عهد الملك عبدالله الذي شهد تحولا جذريا مناسبا للتحول داخل التنظيم، فالجماعة تخلت عن معادلة تاريخية فتخلت الدولة، وأصبحت الجماعة ملفا أمنيا فيه مساحة سياسية محدودة.

 

 

وعندما جاءت مرحلة الحراك وما يسمى الربيع العربي سنحت للاخوان فرصة العودة الى المعادلة القديمة الى جانب تحقيق إصلاحات حقيقية بادر اليها الملك من تعديل الدستور وامور مهمة اخرى، لكن الجماعة حينها كانت تحت تأثير حالة اقليمية تقول ان الجماعة ستحكم دولا عديدة ومنها الأردن، وكان ما جرى في مصر محفزا للجماعة على ان تستقوي على الدولة الأردنية، وكانت تعتقد أن المسافة الى الحكم قريبة، ولهذا كان شرطها الاهم تغيير الدستور وإزالة صلاحيات الملك، وبعدها الفوز بأغلبية البرلمان ثم الحكومة التي ستأخذ صلاحيات الملك اي السيطرة على الحكم.

 

 

ولأن الخبرة السياسية كانت محدودة فإن تفاهم إخوان مصر مع الإدارة الأميركية لم يكمل مشواره، ولم تسقط الدولة السورية وتبعثرت اليمن وليبيا، وفي الأردن كانت الدولة متماسكة جدا فكانت انتخابات 2013 التي اعتقد الاخوان ان مقاطعتها ستفشلها، لكن ضاعت بوصلتهم مرة أخرى فخسروا الرهان وخسروا مابقي من ثقة الدولة ومؤسسة الحكم بهم، ودخلوا في معركة داخلية قانونية انتهت بأن اصبحت الجماعة غير قانونية.

 

 

حكاية طويلة لم تنته، فالجماعة في فترة العدوان على غزة تعيد ذات التجربة الخاسرة، والخلاف ليس على التضامن مع غزة، فالدولة قدمت اكثر من كل فروع الاخوان في العالم، والأردنيون كلهم متضامنون مع غزة كل بطريقته والدولة كانت حريصة على وجود رفض واسع للعدوان، لكن ضياع البوصلة كان في الاعتقاد ان الشارع والتحرك على إيقاع العدوان فرصة سياسية داخلية، فعادت فكرة الاستقواء على الدولة، والاعتقاد ان الدولة في حالة دفاع وضعف ويمكن الذهاب بها الى مربع مصالح لأطراف في الداخل والخارج واختطاف الشارع ومزاج الناس وإثبات ان الجماعة قوية وتستطيع احراج الدولة، إضافة الى الاستعداد المبكر لانتخابات مجلس النواب المقبل.

 

 

ولأن الجماعة لم تتوقف يوما لدراسة تجاربها فإنها تذهب الى الجحر الذي لدغت منه في كل مرة، وفي كل مرة كانت الفاتورة كبيرة.