مرايا – كتب: د. محمد حسين المومني
في لقاء له مع اللجان المختصة في الكنيست الإسرائيلي، يقول نتنياهو لأعضاء البرلمان ما معناه: إن هدفنا الاستراتيجي يجب أن يكون في المرحلة القادمة أن يتخلى الفلسطينيون هم ذاتهم عن طلب قيام الدولة الفلسطينية! أي أن يقبلوا بالأوضاع القائمة حاليا، في أن لديهم جسما سياسيا وصفه جميس بيكر وآخرون بعده أنه أقل من دولة وأكبر من حكم ذاتي، وأن يكون للفلسطينيين القدرة على إدارة شؤونهم لكن لا أن يتمتعوا بالسيادة التي تمنح للدول والتي يترتب عليها كثير من الحقوق والالتزامات القانونية الدولية التي قد تؤدي لحصار إسرائيل وتقييد حركتها بالاحتلال للضفة الغربية وشعبها الفلسطيني.
كلام نتنياهو خطير جدا وخبيث، وإن كان في جانبه الإيجابي يعني أن نتنياهو يدرك أن إسرائيل لن تصمد للأبد أمام المطالب الدولية والعربية والفلسطينية في إحقاق الدولة الفلسطينية، وأن قيام الدولة مسألة وقت ليس أكثر، لذلك هو يريد لمن يطالبون بالدولة أن يتخلوا عن مطلبهم بصفة طوعية. الكلام خطير لأنه محفز بأجندة يمينية دينية تؤمن أن أرض الضفة لليهود حباها الله لهم قبل آلاف السنين، وما الشعب الفلسطيني العربي إلا ضيف من سلسلة شعوب تعاقبت على أرض اليهود. اليمين الإسرائيلي يؤمن بذلك فعلا، ما يجعل الصراع صراعا دينيا مقيتا يقترب بنا لأطر الحرب الصليبية التي نعرف تفاصيلها وتاريخها. وأخيرا، فهكذا طرح يضرب بعرض الحائط الحق السياسي والقانوني والإنساني للشعب الفلسطيني بأن يقرر مصيره تماما كما خلق الله كافة في الأرض، هو يراهم بشرا لا يستحقون دولة ولا سيادة وفقط يسيرون شؤونهم بالحدود الدنيا وهي صيغة مهينة سوف تمد أمد الصراع وتدفع به للمواجهة المستمرة.

نتنياهو لا يفهم ولا يقبل منطق أن إسرائيل هي أشد المحتاجين للدولة الفلسطينية، لأنه من دونها، فإن هذا الشعب المقدر بالملايين سيبحث عن صيغة تقرير مصير داخل إسرائيل، ما يعني انتحارا لإسرائيل. إسرائيل لن تقوى على مقاومة مطالبة الفلسطينيين حقوقا سياسية فيها تماما، كما أنها لن تقوى على الاستمرار بمقاومة قيام الدولة. هذا منطق لا يفهمه اليمين المتشدد الإسرائيلي لأن مقاربتهم لهذا النزاع تقوم على أسس هرطقات دينية منذ آلاف السنين.
يضاف لكل ما تم ذكره أعلاه، أن نتنياهو لا يدرك خطورة إمعانه بعدم قيام الدولة الفلسطينية على المملكة الأردنية الهاشمية، وهي الدولة الأهم استراتيجيا له ولبلاده بلا أي منافس، ولو فكر للحظة بخطورة تداعيات ذلك لما فعله، لأن عدم قيام الدولة الفلسطينية يمس مباشرة مصالح الدولة الأردنية، ويعقد قضايا الحل النهائي التي للأردن مصالح فيها، ويشكل خطورة على الهوية الوطنية الأردنية لأن ملايين الأردنيين من أصول فلسطينية ممن يحملون صفة اللجوء يتوقون للعودة لدولتهم الفلسطينية القادمة ولن يرضوا عن ذلك بديلا.