مرايا –

لا تعرف على وجه التحديد لماذا ذهب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي الى دمشق والتقى بالرئيس الأسد، إذ إن الصياغات الرسمية لا تقول السبب المخفي للزيارة.
إذا كنا سنقوم بالتخمين في ظل شح المعلومات، فقد تكون هناك دعوة لزيارة الأسد الى عمان، مثلا، وقد يكون هناك رسالة من طرف ثالث، وقد يكون هناك طلب من أكثر من طرف للسوريين للإعلان عن خطوات تشجع تحسين العلاقات مع دمشق، وربما ملفات على صلة بالوجود الإيراني والروسي، والاحتمالات هنا كثيرة، والأيام وحدها سوف تكشف سبب الزيارة.

لكن دعونا على الأقل نتحدث عن الأسباب المعلنة، فالكلام عن اجتماع مقبل للجنة الوزارية العربية بحضور السوريين في شهر آب المقبل يتجدد، وإذا كانت لكل دولة عربية تصورها الخاص لعودة السوريين بفاعلية، إلا أن المؤكد أن أهم الملفات لم يحدث عليها تطور جذري، إذ عدا الحديث عن ملف المخدرات وتشكيل لجنة أردنية سورية، وعودة ألف لاجئ سوري بشكل طوعي، فما تزال الملفات الثلاثة الأهم عالقة؛ أي ملف الوجود الأجنبي في سورية، وملف اللاجئين بشكل واسع، وملف المصالحة السياسية، وهذه الملفات كما هي دون أي تغيير.
مما قيل عبر بعض الصياغات، ومما تسرب عبر مصادر سياسية رفيعة المستوى، فإن السوريين يتبنون سياسة تقوم على “المقايضة” على أساس شرطين اثنين للتعاون بشأن ملفات كثيرة؛ الأول وقف عقوبات قيصر الأميركية التي تنهك الاقتصاد السوري، ومن دون أن يجاهر السوريون علنا برأيهم، فإن تجارة المخدرات تمول احتياجات كثيرة داخل سورية، وباتت مصدرا قوميا للدخل، ومن دون رفع للعقوبات، فإن تجارة المخدرات لن تتوقف وسوف تستمر، فهي ممول للنظام ولكثير من النفقات المهمة، وهي البديل المتاح حاليا، حتى لو أنكر الرسميون ذلك.
والشرط الثاني الإعلان عن مبادرة لتمويل إعادة إعمار سورية، والذي يقدره خبراء بحدود 400 مليار دولار، والسوريون يقولون إنه من دون تحقيق الشرط هذا أيضا، فلا يمكن أن تكون البيئة جاهزة لعودة السوريين في ظل الدمار الاقتصادي، وخراب البنى التحتية، وانعدام المشاريع.
هذا يعني بكل وضوح أننا أمام مقايضة علنية، ومن دون دفع المال، عبر الشرطين ستبقى الملفات عالقة، وتحديدا المخدرات وعودة اللاجئين، وهي مقايضة تستحق الوقوف عند مغزاها مطولا، لأنها ترهن السوريين لمطالب النظام المالية، بذريعة الحرص على فرص حياتهم عند العودة، ودمشق هنا تستثمر في ضغط الملف السوري على دول الجوار، من أجل دفعهم قسراً للتحشيد للحصول على دعم مالي لسورية، يساعد الدول المستضيفة على الخلاص من أحمال اللاجئين.
دمشق تنتظر خطوات ومبادرات عربية وإقليمية ودولية لدعم الاقتصاد، فيما المحاور المعادية لدمشق، حذرة ومترددة ولديها حساباتها، وتريد من السوريين فك تحالفاتهم أولا، وإخراج الروس والإيرانيين، وهكذا يتوه الشعب السوري البريء في المنتصف بين كل هذه المعادلات وأصحابها.
يحتاج السوريون الرسميون الى درس في الإعلام وطريقة الصياغات بدلا من طريقتهم التي تذكرنا بكوريا الشمالية في زمن مختلف تماما، خصوصا حين نقرأ تصريحات متذاكية لوزير الخارجية السوري بعد زيارة الوزير الأردني يقول فيها إن كل لاجئ سوري يعود سيتم التعامل معه في إطار القانون والسيادة، والنظام السوري لم يدفع أحداً للخروج من سورية، ولا يحتاج اللاجئ الى بطاقة عودة إلى وطنه، لكنه يحتاج إلى مستلزمات أساسية تسهل العودة.
وكلام الوزير هنا عن “السيادة والقانون” يحمل تهديدا ضمنيا ولا ينم عن النية بالعفو أو ترك الناس في حالهم، خصوصا أن كثيرا من الذين غادروا إما تهربوا من خدمة العلم، أو تورطوا في تعليقات سياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد النظام، أو حتى دعم لتنظيمات مختلفة، والوزير السوري هنا، يتعمد إثارة قلق السوريين ومنعهم من العودة.
يذكرني المشهد في دمشق الرسمية، بالرجل الذي يقف فوق أنقاض بيته المهدم، لكنه يعتقد أن لديه القدرة على الصراخ على من حوله وحواليه، وفرض شروطه، والتهديد بالويل والثبور، وكأنه في أحسن حالاته، ولا كأن شيئا قد حدث، ولا كلفة عليه أيضا في هذا الخراب.
لا يمكن لدمشق أن تجمع كل المتناقضات في حزمة واحدة، روسيا وإيران من جهة، ودعم مالي عربي وأوروبي وأميركي، ولا بد أن يأتي فيه توقيت تختار فيه حزمة متجانسة.