مرايا – ميراف عمير‏‏* -‏‏ (مجلة 972+) 26/1/2023
أصيب قادة المستوطنين بالذعر عندما كانت إسرائيل على وشك ضم الضفة الغربية. وتهدف الإصلاحات القانونية التي تنوي الحكومة الجديدة إحداثها الآن إلى تبديد مخاوفهم.‏
* * *
‏للحظة وجيزة في العام 2020، بدا الأمر كما لو أن اليمين الاستيطاني ‏‏على أعتاب‏‏ تحقيق هدفه النهائي: ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة. كان هذا خلال أيام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عندما ادعى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن البيت الأبيض أعطاه الضوء الأخضر للضم الرسمي. وبالنظر الآن إلى الوراء، يتبين أن تلك اللحظة كانت عابرة ووهمية على حد سواء: فقد أعلن الرئيس ترامب بسرعة ردًا على ذلك أنه لن يدعم الضم، بينما ‏‏يوضح رأيه في نتنياهو بالضبط.‏
لكن نتنياهو لم يخطئ في قراءة ترامب فحسب. لقد ارتكب خطأ جسيمًا وغير متوقع في الحسابات أيضاً: لقد عارض قادة المستوطنين الإسرائيليين، وهم جوهر قاعدته الانتخابية، بشدة، ‏‏خطة الضم المقترحة. وكانت الدراما التي اندلعت في أوساط اليمين قيد العرض بالكامل، وكان نتنياهو غير مستعد بشكل يرثى لها.‏
‏مع ذلك، في حين أن قادة المستوطنين لم يتراجعوا عند التحدث إلى وسائل الإعلام، فإن التفسيرات التي قدموها لمعارضتهم المفاجئة للضم كانت بعيدة كل البعد عن الإقناع.‏‏ لطالما ‏‏كان الضم هو الهدف المعلن لحركة المستوطنين؛ وكان أحد المبادئ التي حفزت تأسيس “غوش إيمونيم”، مجموعة المستوطنين الدينية التي تشكلت في منتصف السبعينيات. وأدى فك الارتباط في غزة في العام 2005، وإخلاء مستوطنات “غوش قطيف” في القطاع، إلى ضخ شعور جديد بالإنذار في الحركة، وتعليم المستوطنين أنه طالما لم يتم ضم الأراضي المحتلة رسميًا، فإنهم سيظلون يفتقرون إلى الأدوات القانونية لمعارضة أي قرارات تتخذها الحكومة بإخلاء المستوطنات.
وهكذا، منذ أوائل العقد الثاني من القرن الجديد كانت الحملات التي تروج للضم في طليعة جدول أعمال الحركة. وتتشارك ‏‏المنظمات‏‏ التي‏‏ تروج لهذه القضية مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، فتنشر مجموعة من المقالات حول هذا الموضوع، وتنظم المؤتمرات، وتدير حملات الدعاية عامة. ولديها العديد من الحلفاء في الكنيست، وبعضهم يتقدمون ‏‏بتشريعات‏‏ لتمرير أشكال من الضم بحكم الأمر الواقع أو بالقانون‏‏. وبينما يظل ضم الضفة الغربية بأكملها هو الطموح النهائي، فإن خطط الضم الجزئي -سواء للكتل الاستيطانية الكبرى أو المنطقة (ج) بأكملها- تعد خطوات وسيطة يكون من شأنها، على الأقل، إبعاد خطر إخلاء المستوطنات.‏
‏ولذلك كانت اعتراضات قادة المستوطنين على خطط نتنياهو للضم في العام 2020 مذهلة إلى حد ما. ‏‏في ذلك الحين، أوضح‏‏ هؤلاء القادة أن معارضتهم متجذرة في تفاصيل الاقتراح؛ زعموا أن ‏‏خطة ترامب-نتنياهو‏‏ مهدت الطريق لقيام دولة فلسطينية، وأنها تنطوي على التنازل الكامل عن المنطقتين (أ) و(ب) من الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية، مع “التخلي عن” المستوطنات المعزولة. كما ‏‏ادعى‏‏ البعض منهم أيضًا‏‏ أن الضم الجزئي في حد ذاته كان خطأ، لأنه قد يقوض إمكانية ضم الضفة الغربية بأكملها في يوم من الأيام.‏
‏وبالنظر إلى أن هذه التفسيرات ظهرت في وسائل الإعلام الرئيسية، وكذلك في وسائل الإعلام والمنتديات اليمينية التي تروج للضم، فلا ينبغي أن نفترض أن هذه التصريحات كانت محاولات لإخفاء الدوافع الحقيقية للمتحدثين. وفي الوقت نفسه، ليس من الصعب التكهن بأن هذه الادعاءات كانت تخفي شيئا ما.‏
كان واضحًا منذ البداية أن خطة ترامب-نتنياهو ‏‏لن تؤدي‏‏ إلى إقامة دولة فلسطينية ولا تشكل في الواقع “تنازلاً” عن الأراضي من طرف إسرائيل. وإضافة إلى ذلك، وكما تعلم حركة المستوطنين من التجربة السابقة، فإن أي “تنازلات” من هذا القبيل توفر في الواقع نقطة انطلاق لإسرائيل للسيطرة على المزيد من الأراضي. وبالنسبة لحركة تفتخر بأنها أتقنت‏‏ “‏‏طريقة السلامي‏‏”** -وهي استراتيجية تدريجية تخفي التأثير التراكمي للحركة- فإن الضم الجزئي لن يستطيع، وحده، إحباط الضم الكامل.‏
‏وإذن، ما الذي دفع قادة المستوطنين إلى التحدث ضده؟ تتطلب الإجابات الانتباه بعناية إلى ما يعنيه المستوطنون عندما يتحدثون عن “السيادة” في سياق الضم. بالمفهوم الأكثر شيوعًا، تعني “السيادة” تطبيق القانون الإسرائيلي في الأراضي المحتلة بشكل كامل ورسمي، لجعلها جزءًا من دولة إسرائيل. ولكن، كما أظهر الباحث إيان لوستيك‏‏، فإن هذا ليس ما يعنيه المستوطنون عندما يتحدثون عن “تطبيق السيادة”.‏
على سبيل المثال، في مقابلة مع المجلة السياسية “سوفيرنيتي”، يشرح شلومو نئمان، الذي انتخب في أيلول (سبتمبر) الماضي رئيسًا لمجلس “يشع”‏‏ ‏‏-المنظمة المظلة لحركة الاستيطان في الضفة الغربية- الفرق بين ما يسميه “السيادة من الأعلى” و”السيادة من على الأرض” من خلال المقارنة بين المناطق المختلفة الخاضعة للحكم الإسرائيلي. وقال: “في مرتفعات الجولان، على سبيل المثال، هناك سيادة، ولكن أين اليهود؟ وفي القدس (الشرقية) هناك سيادة، لكنك في شعفاط وفي الأحياء في شرق المدينة لا تشعر بالسيادة”. وبالمقارنة، يدّعي نئمان أنه “عندما تتجول في معاليه أدوميم، في أريئيل، في جزء كبير من غوش عتصيون، في بيتار عيليت -هناك ترى السيادة”.‏
‏‏ما هذه “السيادة” التي لا يشعر بها نئمان في الجولان أو القدس الشرقية؟ إنه لا يتحدث عن غياب إنفاذ القانون، أو عن فراغ الحكم. إن ما يزعجه هو الغياب النسبي لليهود في المنطقة الأولى، ووجود الفلسطينيين في المنطقة الثانية. ليست السيادة القانونية أو المدنية هي التي يريد نئمان تطبيقها على الضفة الغربية: السيادة بالنسبة له مفهوم قومي. ‏‏وهي ليست سيادة دولة إسرائيل، وإنما سيادة شعب إسرائيل.‏
‏بعبارات أخرى، فإن مفهوم نئمان للسيادة هو مفهوم يتعلق بالتفوق اليهودي. وعلى هذا النحو، يرى “السيادة من على الأرض” في المستوطنات بأنها مبنية على التفرد اليهودي؛ الحصرية اليهودية -حتى لو لم تكن المنطقة المعنية رسميًا جزءا من الأراضي السيادية لإسرائيل.‏
مع ذلك، لا يفسر هذا السبب في أن خطة الضم التي وضعها نتنياهو أزعجت قادة الحركة الاستيطانية كثيرًا. يمكننا أن نفترض، كما توحي كلمات نئمان، أن السيادة الرسمية ستكون مجرد نقطة انطلاق على الطريق إلى “السيادة من على الأرض” النهائية التي يرغب فيها. وكما قال هو نفسه: “يجب أن نفهم أن تطبيق السيادة ليس سوى بداية عملنا”.‏
‏ومع ذلك، فإن هذين المعنيين للسيادة ليسا مختلفين فحسب؛ إنهما، في الحقيقة، ضدّان أيضًا. وعلى الرغم من أنهما لا يتناقضان مع بعضهما بعضا من الناحية النظرية، فمن الواضح من ممارستهما أن هاتين النسختين لا يمكن أن تتعايشا. والسبب بسيط: معظم الطرق التي يتم بها تطبيق التفوق اليهودي في الضفة الغربية لن تصمد أمام اختبار القانون الإسرائيلي.‏
تمنح ‏‏دولة إسرائيل ‏‏امتيازات‏‏ لمواطنيها اليهود في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك حقوق السكن والأرض، وحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وحق المواطنة. ومع ذلك، يظل القانون الإسرائيلي يحافظ على بعض العناصر -أو، قد يقول البعض، بقايا- من الديمقراطية الليبرالية لجميع مواطنيها. وهكذا، على الرغم من معاملة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كمواطنين من الدرجة الثانية، وعلى الرغم من الدوس المنهجي على حقوقهم الجماعية ‏‏وهويتهم الوطنية‏‏، فإن أجزاء من القانون الإسرائيلي تظل تحمي المواطنين الفلسطينيين من أنواع معينة من التمييز.‏
‏عندما يتم ضم مناطق من الضفة الغربية رسميًا، سوف تخضع هذه المناطق للقانون الإسرائيلي، مما يعرض التفوق اليهودي الذي يسود هناك حاليًا للنزاع القانوني. على سبيل المثال، ستكافح المستوطنات المضمومة للحفاظ على طابعها كمساحات يهودية بحتة -كما هو الحال عندما ‏‏ينتقل‏‏ السكان الفلسطينيون ‏ إلى الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، مثل التلة الفرنسية وبسغات زئيف.
كما أن الضم سيُخضع أجزاء من الضفة الغربية لخطط تقسيم المناطق وأنظمة البناء. ومن شأن هذه اللوائح أن تحد بشدة من النظام الحالي للاستيلاء على الأراضي الطبيعية، بما في ذلك بناء البؤر الاستيطانية غير المنظمة وغير المصرح بها، فضلاً عن الامتدادات الاستيطانية الرئيسية. وقبل كل شيء، فإن التطبيق الرسمي لسيادة القانون سيهدد أوضح تعبير عن التفوق اليهودي في الضفة الغربية: ‏‏ميليشيات المستوطنين‏‏ المسلحة‏‏ التي تُرهب المزارعين الفلسطينيين وسكان المناطق الريفية.‏
‏وهكذا، يمكننا أن نرى أن معارضة المستوطنين لخطة نتنياهو ليست متجذرة في خلافات حول التفاصيل. في اللحظة التي أصبح فيها الضم الرسمي احتمالاً حقيقياً يمكن تنفيذه في أي لحظة، أصيب قادة المستوطنين بالذعر وفعلوا كل ما في وسعهم لإحباطه. وعندما حان وقت الحسم، أصبح من الواضح أنهم، على الأقل في الوقت الحاضر، يقفون ضد أجندتهم الرئيسية المفترضة.‏
‏لا يعني أي شيء من هذا أن قيادة المستوطنين لا تسعى في نهاية المطاف إلى الضم الرسمي، الذي سيكون من شأنه أن يحمي المستوطنات من عمليات إخلاء مستقبلية. ولكن ما يزال أمامهم الكثير ليفعلوه لضمان أن الضم لن يضر بنوع التفوق اليهودي القائم في المنطقة (ج).‏
‏هذا ما أخذت الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية في إسرائيل على عاتقها تنفيذه.‏‏ ‏‏تهدف التغييرات التشريعية والإصلاحات القضائية التي يسعى الائتلاف الجديد إلى إحداثها بشغف منذ تنصيبه الشهر الماضي إلى حل المأزق الذي يفرضه الضم عليهم مرة وإلى الأبد. بعبارات أخرى، فإن طموح شركاء نتنياهو في الائتلاف هو إعادة تشكيل القانون الإسرائيلي ونظامه القضائي ‏‏بشكل أساسي‏‏ ليعكس منطق المستوطنين -خدمة التفوق اليهودي غير المقيد. ‏‏إن طموحهم الحقيقي في “تطبيق السيادة” ليس ضم المستوطنات إلى دولة إسرائيل، بل هو ضم بقية إسرائيل إلى المستوطنات.‏
‏ ‏
‏*د. ميراف أمير Merav Amir:‏ محاضرة أولى في كلية البيئة الطبيعية والمبنية، تحاضر في الجغرافيا البشرية في جامعة كوينز بلفاست. وهي متخصصة في الجغرافيا الثقافية والسياسية، مع اهتمام خاص بوجهات النظر النقدية حول الأمن، وعمليات صنع الحدود، وجغرافيا التجسيد، والتحليل الثقافي النقدي، والنظرية النسوية. ركزت بحوثها على استخدام تقنيات صنع الحدود في السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة. كما تبحث أيضًا في النشاط السياسي وأمن الأماكن العامة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why settlers don’t want annexation – yet
هامش:
**‏تكتيكات‏‏ تقطيع السلامي Salami slicing tactics، أو تكتيكات السلامي، أو ‏‏استراتيجية شريحة‏‏ السلامي، أو ‏‏هجمات السلامي‏‏، ‏هي ممارسة استخدام سلسلة من العديد من الإجراءات الصغيرة لإنتاج إجراء أو نتيجة أكبر بكثير سيكون من الصعب أو غير القانوني تنفيذها دفعة واحدة.‏‏ ‏من الناحية السياسية، يستخدم المصطلح لوصف عملية “‏‏فرق تسد”‏‏ من التهديدات ‏‏والتحالفات‏‏ المستخدمة للتغلب على ‏‏المعارضة‏‏. مع ذلك، يمكن للمعتدي التأثير والسيطرة في نهاية المطاف على مشهد، ‏‏عادة ما يكون سياسيا‏‏، بطريقة مجزأة. يتم القضاء على المعارضة “شريحة تلو الأخرى” حتى يدرك أعضاؤها، بعد فوات الأوان عادة، أنه تم تحييدها بالكامل تقريبا. وفي بعض الحالات، تشمل التكتيكات إنشاء فصائل‏‏ عدة ‏‏داخل ‏‏حزب سياسي‏‏ معارض، ثم تفكيكه من الداخل، من دون إعطاء الأطراف المتضررة الفرصة للاحتجاج أو الرد. من المرجح أن تنجح تكتيكات السلامي عندما يبقي مرتكبوها دوافعهم الحقيقية طويلة الأجل مخفية ويحافظون على موقف من التعاون والمساعدة أثناء الانخراط في التخريب التدريجي.