مرايا – كتب: شحادة ابو بقر

قال تبارك وتعالى ” فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ” , ولا قول في هذا الوجود يربو فوق قوله سبحانه , وهو جل وعلا يشير هنا إلى نعمتين عظميين هما , الإطعام والأمن.

وفي ثنايا حقيقة أن كل شيء من الله هو نعمة , فإن الجوع نعمة , إذ الشعور بها يدفع بصاحبها لتناول الطعام , فلولا الإحساس بالجوع , لمات الإنسان جوعا دون أن يدري , تماما كما هو الشعور بالخوف نعمة أيضا , تدفع بصاحبها لإتخاذ إجراء أو إحتياط ما , يدفع عنه خطر الخوف , وفي السياق كذلك , فإن الشعور بالألم نعمة تدفع بصاحبها لطلب العلاج وإلا فتك به المرض دون أن يدري , والخلاصة أن كل أمر من الله سبحانه , هو نعمة بلا أدنى شك .

وبعد : فلو جنحنا بالحديث صوب الأمن القومي الأردني على سبيل المثال , لوجدنا أننا نقف مباشرة أمام قوله تعالى أعلاه “الإطعام من جوع والأمن من خوف “, مع كل ما يندرج تحتهما من تفاصيل متعددة.

متى عالجت الدولة الرسمية أمر الجوع ووفرت الأمن الغذائي المناسب لمواطنيها وأبعدت عنهم شبح الفقر الذي ينتج حاجة لطعام أو كساء أو دواء ومتطلبات عيش , ومتى أبعدت عنهم كأفراد وكجماعات وكوطن , شبح الخوف على الحاضر والمستقبل , تكون قد أدت مهمتها على أكمل وجه , وحظيت بثقة شعبها وبتفاعله معها ومع قراراتها وإجرءاتها ونالت رضاه وقبله رضى الله جلت قدرته .

ونذهب إلى ما هو أبعد بمفاهيم السياسة لنقرأ وبمنتهى البساطة , معنى الأمن القومي الشامل , لنرى بشفافية تامة, أن كل ما يناقض حاجة الناس , كل الناس , إلى الطعام والشراب والكساء والدواء الجيد والمناسب بأدنى الكلف , هو مؤشر خطر ينتج مخاطر وسلوكيات شاذة لا بل وحتى جرائم ومعاندة للقانون وخروج عن صف المجموع , خاصة عندما تكون هنالك أقلية متخمة , وأكثرية فقيرة بالكاد تتدبر أمورها , ومنها من يلجأ إلى إرتكاب الخطأ سبيلا للحصول على المال بأية وسيلة كانت .

وفي السياق ذاته , فإن كل ما يناقض الشعور بالأمن والإطمئنان على الحاضر وعلى المستقبل كأفراد وكجماعات وكشعب , هو أيضا مؤشر خطر ينتج مخاطر كثيرة لعل أهمها إهتزاز ثقة الناس بالدولة وبمؤسساتها وبقراراتها وإجراءاتها , وبالتالي تتكون فجوة قابلة للإتساع بين الناس ودولتهم , في عالم فضاؤه الإعلامي مفتوح على مصاريعه بكل ما تحمله من معلومات مغرضة وإشاعات هدامة لها شخوصها وربما دولها وجماعاتها .

واجبنا الوطني وحتى الإنساني نحن من ” ندعي ” حب الوطن وتمني رؤيته دوما بخير , أن ننبه وأن نشير إن كان كلامنا قابلا للقراءة والنقاش , إلى أن إقليمنا ومشروعاته السياسية وطموحاته وحتى مطامعه عندما يتعلق الأمر بالمحتل ودهائه , يبعث على القلق لا بل والشعور بالخوف ,وهذا يتطلب ولمصلحتنا جميعا سلطات وشعبا ,أن نتصارح بكل شفافية لنجمع صف شعبنا على قلب رجل واحد.

أدرك أن في عالم السياسة ليس كل ما يعرف يقال , وأن الدول كالبيوت لها أيضا أسرارها , لكنني أتحدث عن الحد المقبول من المكاشفة والمصارحة , كي يشعر المواطن بأنه شريك في إدارة شؤونه الوطنية السياسية بالذات , ليكون بالتالي جاهزا للمشاركة وبوطنية في الدفاع عن وطنه بكل من وما فيه , وهذا هو شأن الأردنيين وجميعا على إمتداد مائة عام خلت.

وللإنصاف .. الحكومة الحالية تعمل وبإخلاص دون البحث عن أضواء وشهرة زائفة , ورئيسها الذي أعرف شخصيا صدق وعمق منطلقاته , يسعى جادا وجاهدا لأن ينجز , وليس سرا أن صمود وقوة موقف حكومته في مواجهة ” حرب كورونا ” على الأقل , تشهد له لا عليه , لكنها ” حكومته ” , بحاجة إلى تعاون سائر السلطات , وكذلك بعض ” النخب ” , المشغولة صالوناتها بحديث التغيير والتعديل لعل الكرة تتدحرج إلى أحضانها , وكأن الأمن القومي الأردني على أهميته القصوى جدا , مرتبط بهم وبهذا الأمر , هذا إن كان لهذا الأمن وجود في اهتماماتهم .

قبل أن أغادر .. رجال الأمن والجيش في بلدنا ينهضون بدور كبير مرهق غير عادي , والسبب هو الظرف الإقليمي الخطير وإفرازاته المريبة , ويبقى الدور الأكبر على الساسة الذين هو شأنهم في تطمين شعبنا إلى أين نحن ماضون , وما هو مستقبلنا , وتلك مهمة ليست بالصعبة أبدا , عندما تجد رجالا وطنيين نابهين قلوبهم على البلد وأمنه , لا على مصالحهم ومكتسباتهم وحسب . الله من أمام قصدي .