مرايا – ضج المجتمع الأردني، اخيراً، بسبب حدوث جرائم عديدة خلال مدة زمنية قصيرة، بعضها وقع ضمن نطاق الأسرة، ما دفع خبراء ومعنيين إلى مطالبة الحكومة لعقد اجتماع طارئ يبحث الأسباب التي أدت إلى تزايد الجرائم الأسرية تحديدا، والتفكير بمعالجتها.
الخبراء والمعنيون، أجمعوا على وجود عوامل محفزة للعنف، كالبطالة والفقر وتعاطي المخدرات والصحة النفسية، ويعدونها بيئة خصبة مساعدة لتطور وزيادة حالات العنف وحدته.
وبحث خبراء بأسباب حدوث هذا النوع من الجرائم، من الناحية الاجتماعية والنفسية والأسرية والاقتصادية، ومعرفة الثغرات المتعلقة بها، وكيفية علاج تحدياتها للحد من انتشارها.
«تغير في العلاقات»
بدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور صبري الربيحات: «الجريمة ظاهرة تعكس تغيير في العلاقات، ومستوى تكيف الأفراد مع التحولات والتشريعات والسياسات المتعلقة بحياتهم».
ويبين في حديث صحفي أن المجتمع ما يزال محكوماً بمعايير قانونية واجتماعية ودينية وأخلاقية في الأردن، ومع ذلك يلاحظ تنامي الضغوط التي أسهمت بخلخلة المعايير الضابطة للسلوك، وإضعاف الروابط التقليدية التي حمت الأسرة، وحافظت على بنائها وعلاقتها عبر القرون.
ويشير إلى أنه نتيجة للأزمات التي هزت الأسر، تظهر أنماطا جديدة من الجرائم اليوم، لأسباب تختلف عن التي عرفناها. ويذكر السبب الأبرز بأنه الانفلات من البنى والتنظيمات الاجتماعية التقليدية دون توفر برامج للتوجيه والتدريب والتنظيم والرعاية، الأمر الذي أدى إلى حدوث التفكك والفصام الثقافي والاجتماعي والفردي وتنامي اللامعيارية، واختلال القيم واختفاء الضوابط وغياب أشكال الاكتشاف والاستبصار، والوقاية التي يمكن أن تتنبأ بوجود نوازع وميول لارتكاب مثل هذه الجرائم والتدخل للحد منها.
ويتابع أنه لكل ذلك ارتباط بالتغير الثقافي والتحولات الاقتصادية وتنامي تأثير التكنولوجيا والعنف وضعف الروابط والرقابة والضبط الاجتماعي والتباين الكبير بين طموحات وآمال الأفراد وقدراتهم وإمكانيات الوصول اليها.
«المشكلات النفسية والجريمة»
بدورها، تقول الأستاذة المساعدة بعلم النفس الإكلينيكي في جامعة عمان الأهلية الدكتورة فداء أبو الخير «هناك مجموعة من الانحرافات والمشكلات النفسية التي تدفع للقيام بالإيذاء».
وتذكر الأكثر تأثيرا وانتشارا في حديثها لـ$ بأنه الإدمان وتعاطي المخدرات، إذ أن بعض المواد تهلوس المتعاطي، وهذه الهلوسات تكون إيذائية غالبا سواء أكان للنفس أو للآخر، وتصور الغير بشكل جاسوس أو متتبع أو عدو أو شخص خطير ويحاول قتله.
وبالرجوع إلى التقرير الإحصائي الجنائي لـ2021، الصادر عن مديرية الأمن العام، فإن عدد جرائم المخدرات المرتكبة في المملكة خلال الفترة 2016-2021 بازدياد، إذ بلغت عام 2016 نحو 13621 جريمة، ووصلت إلى 19122 عام 2021، وكانت الأعلى نسبة عام 2020 إذ بلغت 20055 جريمة.
وتبين الانحراف الثاني بأنه «السيكوباثية» والشخصية المضادة للمجتمع، والتي تتلذذ بإيذاء الآخر، والتعدي على ممتلكاته، وقد تصل إلى تعذيبه أو قتله. وتشير الدكتورة أبو الخير إلى أن هناك سمات شخصية توجد عند الأشخاص الذين يميلون للإجرام، إذ توجد بعض الحالات بداخلها غضب كامن، ولا يظهر إلا في حالات وظروف معينة، بالرغم من أنها قد تكون بسيطة للآخرين.
وتذكر أسباب الغضب الكامن كأن يتسبب نتيجة الشعور بالظلم وعدم العدالة والحاجة إلى تملك شيء معين. وتلفت إلى أنه ليس بالضرورة أن يرتبط بخلل نفسي بشكل اضطراب، ولكن بعض الأمور بشخصية الإنسان تميل للإجرام والإيذاء حتى وإن لم يظهر ذلك سابقا بأفعاله. وتشير إلى أن نشر الأخبار المتعلقة بالجرائم وتفاصيلها والتي تسأل عن أسباب القتل وكأن بها مبررات، فإنها تزيد من احتمالية الجريمة، بالإضافة إلى عدم وجود عقوبة رادعة حقيقية يتم تنفيذها على الملأ الذي يرى الجريمة بمقاطع الفيديو والصور التي تنتشر ولا يراها قصاصها بذات الطريقة.
وتذكر بأنه حتى وإن كان شخص في مكان حدث به مشكلة ما، يفترض ألا يتم تداول المقاطع التي صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما يكتفي بتسليمها للجهات الأمنية ليقوموا بدورهم. وتشدد على وجوب عدم المراهنة على وعي أفراد المجتمع، وأن تكون هناك قوانين وضوابط للتأثير على إدراك الناس وميولهم واتجاهاتهم وسماتهم الشخصية؛ نظرا لاختلاف وجهات النظر فهناك من يستنكر مشهد الجريمة ولا يبرره، ويقابله من يتحفز لتكرار الحدث وقد يبتكر طريقة جديدة لوجود ميل لذلك.
«نقص الخدمات الصحية النفسية والاجتماعية»
من جانبه، يقول أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي: «عند التعمق بتفاصيل القضايا التي شاهدناها مؤخرا، يلاحظ أن هناك نقصاً بالخدمات والمتابعات الاجتماعية للأسر.
ويكمل «بالإضافة إلى نقص اكتشاف عوامل الخطورة التي من الممكن أن تكون عوامل مساعدة في حدوث العنف وزيادة حدته، وأيضا مدى توفر خدمات الصحة النفسية للأفراد الذين قد يشكلون خطورة في المستقبل بالدرجة الأولى على أسرهم. ويذكر أنه إذا أردنا الدخول بتفاصيل بعض الحالات التي شاهدناها مؤخرا، تظهر للعيان مدى أهمية وحاجة التركيز على قضايا الصحة النفسية والمتابعات الاجتماعية.
ويبين الدكتور مقدادي أن مصفوفة الأولويات التي تم تطويرها من قبل الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف، وتم اعتمادها من مجلس الوزراء وتعميمها على كل المؤسسات، والتي تضمنت الأولويات الوطنية للتعامل مع قضايا العنف الأسري وقضايا حماية الطفل، تؤكد على نقص الخدمات الصحية النفسية والاجتماعية في الأردن.
ويتابع أن المصفوفة تؤكد على ضرورة رفد المؤسسات مقدمة الخدمة بالأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين الأكفاء أيضا، وهذا ما أكد عليه قانون الحماية من العنف الأسري الصادر عام 2017 بضرورة رفد إدارة حماية الأسرة وأقسامها بأخصائيين اجتماعيين ونفسيين.
ويشدد على أنه لا يكفي التعامل مع الحالات والتبليغات التي ترد إلى إدارة حماية الأسرة من ناحية قانونية وشرطية إن لم يكن هنالك خدمات صحية واجتماعية ومعالجة نفسية مساندة كفؤة وكافية.
«توتر مجتمعي ناجم عن وضع اقتصادي»
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش «الاقتصاد أحد العوامل المهمة المؤثرة بانتشار الجرائم المجتمعية والتي لم نشهد لها مثيلاً».
ويبين في حديث صحفي أن هذه الجرائم تعبر عن حالة يشعر الناس بتوتر مجتمعي ناجم عن وضع اقتصادي بها، يضغط على أعصاب الناس وردود فعلهم، إذ أن دخل الناس تراجع بعد مواجهة كورونا، وفاجأتهم معدلات التضخم المرتفعة، وارتفاع الأسعار، ما جعل القدرة على التكيف مع هذه الارتفاعات بمعدل دخل ما زال أقل حتى من مستوياته السابقة.
ويشير إلى أنه من الممكن أن يشكل مدخلا لمواجهة جرائم أخرى، إذا لم يكن هناك تدارك سريع لانعكاسات ارتفاع الأسعار والكلف وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع معدلات الفقر، والشعور بعدم اليقين الإيجابي بالنسبة للمستقبل.
وبالرجوع إلى دائرة الاحصاءات العامة فإن معدل البطالة خلال الربع الأول من عام 2022 قد بلغ نسبة 22.8%، وقد بلغ معدل البطالة للذكور (20.5%) مقابل (31.5%) للإناث. ويؤكد عايش أن الحالة الاقتصادية السيئة تدفع الكثيرين للتفكير السلبي، واحدة من تجلياته القيام بجرائم، في حدها الأقصى تصل إلى قتل الآخرين، وفي حدودها العامة تصل إلى زيادة السرقات واضطراب الأمن الاجتماعي بنتيجة المشكلات المجتمعية.
ويضيف أن خروج الناس متوترين باستمرار سواء إلى أعمالهم أو خلال عودتهم منها فإن أي حدث عابر سيتحول إلى مشكلة كبيرة.
ويشير إلى أن الاقتصاد لا معنى له إذا لم ينعكس إيجابا على الحياة الاجتماعية للناس، وللأسف فإن الحكومات ما يهمها هي المؤشرات الاقتصادية المعنية بصحة الأداء الحكومي عوضا عن المؤشرات الاجتماعية المعبرة عن صحة الأداء الاقتصادي بانعكاساته الاجتماعية للناس.
ويبين أن هذه النوعية من الجرائم تدق ناقوس الخطر، ويستدعي الأمر من الحكومة أن تدعو للاجتماع طارئ؛ للبحث في التفاصيل المتعلقة ليس فقط بهذه الجرائم على أهميتها، ولكن لكي تأخذ العبرة مما يمكن لتحسين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية.
ويتابع أن ما سبق يستدعي تخفيضا في الكلف التي يتحملها الناس، الكلف الضريبية سواء أن كان يتعلق الأمر بضرائب المبيعات والدخل والمحروقات حتى أسعار الطاقة الكهربائية، وربما يستدعي الأمر مراجعة الأسعار على الأقل لمدة 3-4 شهور قادمة ريثما تهدأ النفوس وريثما يكون لدينا برنامج أو خطة خروج من الأزمة الاقتصادية الحالية. ويشير الى أن هناك من يقلد الآخرين إذ أن النوعية من الجرائم تنتشر ويمكن أن يكون هناك من يقوم بها أسوة بغيره، وبالتالي آن الأوان للتعامل معها بشكل ليس أمنيا فقط، وإنما بشكل اقتصادي اجتماعي مختلف بما يؤدي إلى استقرار وسلام أكثر في المجتمع.

الراي