مرايا – ثمانية أيام حاسمة، كان الأردن فيها، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، خلية نحل، تعمل بلا كلل أو تعب أو ملل، واضعًا ملفات رئيسة وصعبة نُصب عينيه، لا يخفى على أحد أنها تُسبب قلقًا أردنيًا، والتي تتمثل بـ”القضية الفلسطينية، والملف العراقي، والأزمة السورية، بالإضافة إلى حل البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)”.

فقد شهدت الفترة الواقعة ما بين 21 و28 حزيران (يونيو) الماضي، حراكًا أردنيًا، على أعلى المُستويات، اشتمل على 4 لقاءات ومُقابلة، أكانت في عمان أو دولتي الإمارات العربية المُتحدة وقطر، في صورة وكأن الأردن ينتظر حدثًا ما أو مجموعة أحداث، أكد أكثر من مُراقب بأن المنطقة ستشهدها أو ستتأثر بها، ملوحين بأن الفترة المُقبلة ستكون حُبلى بالمفاجآت أو التطورات.. أيًا كانت المُسميات، فإن الأردن في محورها.

البداية كانت في الـ21 من الشهر الماضي، عندما التقى جلالة الملك، في عمان، ولي العهد السعودي، سمو الأمير محمد بن سلمان، حيث ركزت مُحادثاتهما على مُستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، وتنسيق الجهود بشأنها، فضلًا عن سُبل تعزيز التعاون الاقتصادي.

وبينما قلد جلالته، ولي العهد السعودي قلادة الحسين بن علي، الذي يُعتبر أرفع وسام أردني، كتعبير على مكانة ضيف الأردن وتقديره، أكد جلالة الملك وقوف عمان الدائم إلى جانب الرياض، في مواجهة أي اعتداءات تتعرض لها، مشددًا على “أن أمن السعودية من أمن الأردن والمنطقة”.

لا يشك أحد في أهمية وتوقيت زيارة ولي العهد السعودي لعمان، خصوصًا أنها تأتي في ظل تطورات إقليمية وعالمية، تتطلب تنسيقًا دوليًا، والتي تسبق اجتماعا مُرتقبا، يجمع الرئيس الأميركي جو بايدن ودول الخليج العربي، بالإضافة إلى الأردن ومصر والعراق، تستضيفها جدة، خلال الفترة الواقعة ما بين 15 و20 تموز (يوليو) الحالي.

وما يدل على أن المنطقة مُقبلة على ما هو جديد، ما يؤكده صحفي بارز، كان من ضمن الوفد الإعلامي المُرافق للأمير محمد بن سلمان، متوقعًا “بأن القادم أسوأ”.

ويُبرر توقعاته “السوداوية” تلك، بالقول إن القادم “غير واضح المعالم، وهو ما يترك جميع الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها”.

وبعد وداع ولي العهد بيوم واحد، وبالتحديد في الثالث والعشرين من حزيران الماضي، طار جلالة الملك إلى أبو ظبي، مُلتقيًا رئيس دولة الإمارات العربية المُتحدة، سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث كانت قضايا المنطقة وتعزيز أمنها واستقرارها، وفي مُقدمتها القضية الفلسطينية، ومُستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، حاضرة على طاولة الزعيمين.

كما ركز اللقاء على أهمية تعزيز آفاق التعاون بين الجانبين، وفُرص تنميته في مُختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاستثمارية، لا سيما أن دولة الإمارات من أكبر المُستثمرين في المملكة.

بعدها بثلاثة أيام، وبالتحديد في الـ26 من الشهر نفسه، كان جلالة الملك يؤكد، خلال لقائه وفي عمان، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، موقف الأردن الثابت تجاه القضية الفلسطينية، والداعم للأشقاء الفلسطينيين في نيل حقوقهم العادلة والمشروعة، حيث قال جلالته: “لا شيء أهم من القضية الفلسطينية بالنسبة للمملكة”.

ولم يُخف لقاء الزعيمين، القلق جراء التطورات الأخيرة في إسرائيل بعد حل البرلمان (الكينست) هُناك، وانعكاسات ذلك على فُرص تحقيق السلام، إضافة إلى المُستجدات في المنطقة.

وكانت قناة “سي إن بي سي” الأميركية تبث في الـ24 من الشهر الماضي، مُقتطفات من مُقابلة جلالة الملك، تحدث فيها عن جهود التعاون الإقليمي للتصدي للتحديات الناجمة عن الأزمة الروسية الأوكرانية، ودور الولايات المتحدة في الإقليم، وضرورة تكثيف مساعي تحقيق السلام كمتطلب أساسي لتعزيز التعاون الإقليمي.

وقال جلالته إنه يدعم تشكيل تحالف في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي “ناتو”، مضيفًا “سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء هذا الحلف”، حيث “إن الرؤية وبيان المُهمة الخاصة بمثل هذا التحالف، يجب أن تكون واضحة جدًا، ويجب أن يكون دوره مُحددًا بشكل جيد، وإلا فإنه يُربك الجميع”.

الأمر الذي أثار تساؤلات من قبيل أهداف هذا الحلف، والأطراف المشاركة فيه؟. (شريطة ماذا؟؟؟)

ولم تخفت حركة الدبلوماسية الأردنية، إذ طار في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وزير الخارجية وشؤون المُغتربين، أيمن الصفدي، إلى الدوحة، حاملًا رسالة من جلالة الملك إلى أمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أكدت الحرص على تعزيز العلاقات التاريخية الأخوية الراسخة، بما ينعكس إيجابًا على مصالح الشعبين وقضايا المنطقة.

تلك تحركات 8 أيام مُتواصلة، يُمكن أن نصفها بـ”مفصلية”، تدل على أن الأردن لاعب رئيس في قضايا المنطقة، وله دور محوري فيها، ليس ثانويًا، خصوصًا أن الأحداث تتسارع، ولا يستطيع أحد التنبؤ بماهيتها، تتفاعل فيها ثلاثة مشاريع كُبرى بقيادة كل من: تركيا، إيران، دولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في ظل غياب المشروع العربي.

الأردن، لا يعلم ما ستؤول إليها الأوضاع في دولة الاحتلال بعد حل (الكينست)، وإنعكاسات ذلك على القضية الفلسطينية، وعملية السلام برمتها، فيما ينظر بعين مُترقبة إلى العراق، الذي يُعتبر شريكا أساسيا في تعاون أردني مصري عراقي، خصوصًا أن رئيس الوزراء العراقي مُصطفى الكاظمي يعمل جاهدًا لإرجاع العراق إلى الحضن العربي.

وبشأن الملف السوري، فإن الأردن مُتخوف من أن يُصبح في غياهب النسيان، والذي يعني إطلاق اليد لتنظيمات إرهابية وعصابات المُخدرات، وتأثير ذلك سلبًا على المملكة.

تلك الأمور أو القضايا مُجتمعة، تجعل من بناء تحالف عربي – عربي، ضرورة، تتوجب من الجميع السعي إليها، وتطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع، وإن كان بحذر وروية.

وفي هذا الشأن، يقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية، الكاتب والمُحلل السياسي الزميل عريب الرنتاوي، إن التحرك في الإطار العربي لـ”لملمة” الوضع، هو إطار حميد، لما يتضمنه من مصلحة عامة لكل الدولة العربية، وأخرى خاصة لكل قطر عربي.

ويؤكد أن أي تحرك عربي – عربي، مطلوب، فهو يُسهم في تعظيم المصلحة العربية المُشتركة، والتي تؤدي إلى تفعيل المنظومة العربية، ويُعزز الأمن القومي العربي.

ويوضح الرنتاوي أن “المنطقة تشهد حراكًا منذ أكثر من شهرين، محوره عمان – الرياض – أبو ظبي – القاهرة، بهدف النظر فيما يمكن فعله من أجل ملئ الفراغ في هذه المنطقة، التي تتفاعل فيها ثلاثة مشاريع كُبرى بقيادة كل من تركيا وإيران وإسرائيل، وذلك بسبب غياب المشروع العربي”.

ويُبين أن إنشاء محور عربي، يجب أن لا يكون لمواجهة أو ضد دولة بعينها، مُشيرًا في الوقت نفسه إلى “أن إيران، وإن كانت خصمًا، لكنها ليست عدوًا، على عكس إسرائيل التي تُعتبر العدو الأول في هذه المنطقة”.

ويُضيف الرنتاوي “أن حراكًا تتواجد فيه إسرائيل، يعني أن هُناك نتائج كارثية على المنطقة العربية ككل”.

وبخصوص “اجتماع جدة” المُرتقب، والذي يجمع الولايات المُتحدة مع دول عربية، فإن المراقبين حائرون في شأنه، فالخوف من أن يكون بجعبة الرئيس بايدن مجموعة اقتراحات أو إجراءات تعود بالويل على المنطقة العربية ككل، وإن كانت تُعتبر الزيارة الأولى لبايدن منذ اعتلائه رئاسة الولايات المُتحدة الأميركية، حيث ستشمل جولته السعودية وفلسطين ودولة الاحتلال.

مُراقبون يؤكدون أن الرئيس بايدن يأتي إلى جدة مُحملًا بهموم دولته، وهم بذلك لا يعولون عليه، فالبيت الأبيض صرح مُسبقًا بأن زيارة بايدن الشرق أوسطية ستُركز على موضوعي الطاقة والنفط فقط، خصوصًا أن بلاده تُعاني من شبح حدوث ركود اقتصادي، نتيجة التضخم الذي بلغت نسبته 8.4 %.

بالمُقابل، يقول الصحفي البارز نفسه، والذي طلب عدم نشر اسمه، إن “اجتماع جدة” يؤشر إلى استدارة أميركية تجاه المنطقة، قد يكون سببها الحرب الدائرة حاليًا ما بين روسيا وأوكرانيا، أو التهديد الإيراني، خاصة بعد فشل الاتفاق النووي، أو التحالف ما بين موسكو وبكين وطهران، والخوف من السيطرة على المنطقة.

مرة ثانية، المنطقة مُقبلة على تغيرات، نستطيع القول بأنها باتت تُسبب إرباكًا للأردن، الذي من حقه أن يتوجس مما يُحاك ضد هذه المنطقة، ومن حقه أيضًا أن يواصل الليل بالنهار، لتعزيز تحالفات بناها على مدار عقود مضت، خصوصًا وأنه يُعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، تتمثل بارتفاع المديونية التي وصلت لنحو 30 مليار دينار، وزيادة عجز الموازنة، وارتفاع بالأسعار لم يعد المواطن قادرا على تحملها، ناهيك عن ارتفاع مُعدلات البطالة والفقر إلى مُستويات غير آمنة.

إلى جانب أن رئته الشمالية باتت ميدانًا تسرح فيها تنظيمات إرهابية، وعصابات تجار المُخدرات، ورئته الشرقية تعيش انقسامات وضياعا لبوصلتها، أما رئته الغربية، فحدث ولا حرج، فها هو الاحتلال الإسرائيلي يسرف في قتل وأسر الفلسطينيين، ومُستمر في مُحاولاته تغيير الوضع المكاني والزماني للمسجد الأقصى المُبارك، وتغيير ملامح المدينة القديمة.