مرايا – كتب حسن عصفور
يبدو أن “فعل التطبيع” الرسمي العربي، دون ثمن مرتبط بجوهر الصراع، لم يعد يمثل الظاهرة السياسية الأخطر في المشهد القائم، بل أن قاطرته تسير بسرعة “فرط صوتية” بحيث تتجه لخلق واقع لم يكن ضمن أي تصورات واقعية قبل أعوام قليلة.

يبدو أن تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في يوم 3 مارس 2022 لمجلة “أتلاتنك” الأمريكية ردا على سؤال بأن ” إسرائيل ليس عدو بل حليف منتظر..” لم تتأخر كثيرا في التنفيذ، وأصبح حضورها كطرف رئيسي في بعض المحاور، تحت مسببات مختلفة.

حضور دولة الفصل العنصري في المشهد السياسي عربيا، ليس هو الخطر الوحيد الذي بدأ، وليس غياب حضور ممثل فلسطين هو الخطر أيضا، لكن الأخطر كان غياب أي إشارة الى القضية الفلسطينية، أو الصراع الذي كان المسألة المركزية، حتى بأبسط أشكاله.

لم يعد الأمر المثير لخطر قادم يتجاوز كل “خطوط” كانت حمراء، بأن تقيم هذه الدولة أو تلك علاقاتها وفقا لمصلحتها الخاصة، وبعيدا عن انتهاء مرحلة الشعارات التي سادت طويلا، ومع وضوح الصورة بكل أبعادها كما هي، دون رتوش، بأن دولة الكيان لم تعد خصما، بل في طريقها لتكون جزءا من محور سياسي يتشكل.

ان تغيب فلسطين الممثل والقضية عن مجموع فعاليات سياسية في المنطقة العربية، بمشاركة دولة الكيان، فتلك مسألة لم يعد بالإمكان اعتبارها “حدث سقط سهوا”، بل هو إعلان بدء مرحلة جديدة في تغيير مسار مجرى الصراع وآليته، رسالة تشير أن الممثل الفلسطيني لم يعد بذي أثر أو تأثير، لا قيمة لموقفه أو رأيه.
والمصيبة التي لا تجد لها تفسيرا، ذلك الصمت المطلق تجاه تلك التطورات المتسارعة، والتي تهمش القضية المركزية، بعدما باتت قضية ثانوية للرسمية العربية.

مواقف “الوهن الرسمي الفلسطينية” هي نتاج موضوعي جدا للكارثة الانقسامية، وأن كل من طرفيها بات خاضعا لحسابات مرتبطة بهذه الأطراف أو أخرى، ترفض موقفا وتشيد بآخر، حسب علاقتها الخاصة ومصلحتها غير الوطنية، مواقف استخدمت غطاءا لكسر كل “الثوابت” التي سجلتها القمم العربية، وصل ذرة الاستخفاف بها، أن يخرج الرئيس السوداني ليفتخر بأنه كسر “لاءات الخرطوم الثلاثة”..وطبعا بذريعة خدمة مصلحة بلده، دون أن يحدد ما الدور الإسرائيلي لخدمة السودان.

بدون أي هروب من الحقيقة السياسية، فالانقسام وما يحدث راهنا، من تعزيزه رسميا بفصل قطاع غزة بكل مكونه الحكومي عن السلطة القائمة في الضفة، وآخرها “الرشاوي الاقتصادية” الإسرائيلية عبر قطر لحكم حماس، لم تأت لأن حكومة “الإرهاب السياسي” تقدم “خدمات إنسانية”، بل هي جزء من ثمن الحفاظ على الانقسام، وتطوير مضمونه الى حين أن يرى من صنعه نهاية تخدم مشروعه القادم، بانتهاء “الاستقلالية الفلسطينية”، وخلق ممثل مشوه الأركان.

توقيت “الرشاوي الإسرائيلية” مع القمم المتلاحقة بغياب فلسطين، القضية والممثل، رسالة لا تخلو من الوضوح عن الثمن المقدم للصمت والقبول بالمتحرك الجديد، لخلق حقائق سياسية جديدة، تفك ارتباطها بما كان، وتكمل مؤامرة حرب تدمير السلطة الفلسطينية واغتيال رئيسها.

أمام ذلك المشهد الجديد، لم يعد للرئيس محمود عباس خيارات واسعة كي يتنقل من هذا الخيار الى آخر، ولم يعد له أي ذريعة سياسية كي يبقى وافقا بالعا لسانه أمام “هول المفاجآت” المتتالية، فهو لا زال يحمل منصب الرئيس العام للشعب الفلسطيني، بعيدا عن كل حملات التشكيك والرفض الكلامي، ولذا بحكم المنصب، هو من يتحمل المسؤولية لما آل اليه الحال.

أمام الرئيس عباس، اليوم قبل الغد: إما اعلان مواجهة حقيقية من أجل فلسطين، عبر تطبيق كل ما كان قرارات سابقة، وفي المقدمة منها دولة فلسطين، لتكون نقطة انطلاق ترسيخ الحقيقة الوطنية، ردا على محاولات “تهويدها” بشكل أو بآخر…

أو أن يعلن بكل شجاعة، عدم قدرته على التصدي لكل ذلك، ولا يمكنه الذهاب الى خيار الصدام السياسي الجذري مع العدو، ولذا فهو يتقدم باستقالته الى الشعب صاحب الولاية الأول…عليه الاختيار بين المواجهة او المغادرة..ولا خيار بينهما!

التردد والصمت في قرار المواجهة هو جزء من مؤامرة “تهويد فلسطين” أي كانت “النوايا الطيبة”!

ملاحظة: فاطمة شبير مصورة صحفية فلسطينية..خلال عامين حصدت 3 جوائز، منها جائزة الشجاعة…لم ترهبها كل حملات “الخنق الاجتماعي” لمهنتها..سجلت اسم وطنها واسمها بنور خاص لتكسر كل جدر الظلام!

تنويه خاص: ان تشارك حماس ومواليها من فصائل ملونة في انتخابات الحكم المحلي في الضفة، ومنعها عن قطاع غزة جاء لخدمة الانفصال مقابل “رشاوي إنسانية”..”الخداع الوطني” حبله قصير!