عامر الشوبكي

(باحث اقتصادي متخصص في شؤون النفط والطاقة )

قناة السويس عمرها 152 عام، وهي اطول ممر مائي ملاحي صنعه الانسان بطول 193كيلو متراً، وتربط بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط، وتعرضت للإغلاق مؤخراً بعد ان عَلِقَتْ في ممرها السفينة اليابانية العملاقة ايفير جيفين في حادث وصفت بالمعقدة، و تتكاثف الجهود المصرية و الدولية في محاولة لتعويم السفينة التي غرزت مقدمتها بعمق 5 متر في جدار القناة الجانبي، ويُنتظر ان يساعد المد الموسمي يوم الثلاثاء القادم في رفع مستوى الماء ٤٥ سنتمتر والمساعدة في تحريرها من الغرز الطيني، وفيما يلي اساسيات حول تاريخ القناة و اهميتها العظيمة جيوسياسياً واقتصادياً للعالم .

 

-تاريخها المهم و كم مرة اغلقت؟

 

اهمية وجود ممر مائي لحركة السفن بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط قديمة جداً، وكان اول ممر يسمى سيزوستريس في العام 1850 قبل الميلاد في عهد الفرعون سنوسرت الثالث وكان يمر من السويس عبر النيل الى البحر الابيض المتوسط، ردمت هذه القناة اكثر الاوقات بعدها وتم احيائها في العام 640 م بعد أن أعاد حفرها عمر بن العاص رضي الله عنه، ثم ردمت بعد ذلك، الى بدأ نابليون حملته على مصر في العهد العثماني، وادرك الاهمية الجيوسياسية لوجود ممر يوفر لفرنسا امكانيات ويقطع على بريطانيا مصالحها مع مستعمراتها في الهند، إلا أن محمد علي الذي حكم مصر بعدها رفض انشاء القناة، حتى جاء الخديوي سعيد الذي تم البدء بحفر القناة في عهده سنة 1859 وذلك في مسارها الحديث ازدواجي المرور ويبدأ من مدينة بور سعيد التي سميت على اسم الخديوي سعيد، مرورا الى البحيرات المالحة ثم الى خليج السويس في البحر الاحمر، وتقع على القناة مدينة الاسماعيلية التي سميت على اسم الخديوي اسماعيل الذي افتتح القناة عام 1869 ضمن احتفال عالمي مهيب، وقد كلف بناء القناة وقتها 100 مليون دولار وتم استعمال 1.5 مليون عامل مصري عملوا على إنشائها، ذلك بعد إنشاء شركة قناة السويس البحرية بإشراف الفرنسي دليسبس بملكية 56% لفرنسا و 44% لمصر وبيعت حصة مصر لبريطانيا في عام 1875 بعدها استمرت القناة حتى اغلقت لفترة اسبوع في العام 1882 إثر الاحتلال البريطاني لمصر وليوم واحد في العام 1915 في الحرب العالمية الاولى، واغلقت لمدة 76 يوم في الحرب العالمية الثانية، حتى اممها الراحل جمال عبدالناصر واصبحت مملوكة بالكامل لمصر في العام 1953، مما سبب العدوان الثلاثي على مصر وكان سيؤدي لحرب نووية عالمية، الامر الذي ادى الى اغلاق القناة لمدة 5 اشهر ، كما اغلقت بعد احتلال سيناء اطول فترة زمنية بعد حرب 1967 و لمدة 8سنوات، حتى اعلن الرئيس المصري الراحل انور السادات في العام 1975 إستئناف حركة الملاحة في القناة وذلك بعد حرب تحرير سيناء ورجوعها لمصر، منذ ذلك الوقت تعرضت ايضاً لعدة إغلاقات قصيرة قبل إغلاقها من الناقلة اليابانية في الاسبوع الماضي، كان ابرزها حادثة ناقلة النفط الروسية في عام 2004 الذي استمر 3 أيام.

ومع استمرار تطور صناعة السفن وبناء سفن أكبر فى الحجم والحمولة ، كان يتم تطوير قناة السويس كل عدة سنوات لتحسين العمق والعرض، وشق تفريعات جديدة كان اخرها سنة 2015، بتكلفة 8 مليار دولار، مما سمح بعدها بمرور السفن العملاقة وتقليص مدة المرور الى 11 ساعة.

 

-ما هو تأثيرها على التجارة الدولية وعلى مصر؟

 

عدا الاهمية السياسية ازدادت اهمية قناة السويس الاقتصادية مع النمو الاقتصادي المتسارع في الصين وزيادة الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية، ونمو الحركة التجارية الدولية التي تعتمد بنسبة 80% على الشحن البحري لانخفاض كلفه في النقل، و في العام 2020 مر عبر قناة السويس 12% من حجم التجارة الدولية، و 30% من ناقلات شحن الحاويات في العالم تمر عبر قناة السويس، ويومياً يمر عبر القناة سلع بقيمة 9.6 مليار دولار ، ويتراوح عدد الناقلات المارة عبر القناة يومياً 50 ناقلة، كما تشكل القناة اهم واكبر رافد للحكومية المصرية في الايرادات وفي العملة الصعبة بواقع 5.6 مليار دولارا في العام الماضي دون ان تتاثر هذ الايرادات بسبب جائحة كورونا سوا بنسبة 3.5% عن العام 2019.

 

– كيف ستتأثر اسعار النفط؟

 

تأخر عن المرور ما يقرب من 3-5 مليون برميل يومياً من منتجات النفط عبر قناة السويس، التي تمرر ما بين 5% و 10% من نفط العالم المنقول بحراً، وما يقارب من 8% من الغاز الطبيعي المنقول بحراً.

ابرز مُصدّر للنفط والمشتقات النفطية عبر القناة هي روسيا 546 الف برميل يومياً تليها السعودية 410 الاف برميل يوميا ثم العراق 400 الف برميل يومياً .

ومن ناحية أخرى، تستورد الهند والصين وكوريا الجنوبية على التوالي 490 و 420 و 380 الف برميل من النفط يوميا عبر القناة.

وبعد الحادث، ارتفع سعر خام برنت بنسبة 6%، ليصل إلى 64.09 دولار يوم الأربعاء.

غير ان اسعار البترول انخفضت يوم الخميس حيث عوامل الكبح من القيود المفروضة في اوروبا ودول اخرى للحد من انتشار كورونا، مما جدد المخاوف بشأن الطلب على المنتجات البترولية.

 

-ما الخطر الذي يواجه العالم اليوم ؟

 

هزة حقيقية اصابت سلاسل التوريد العالمية بتأخير وصول قطع و معدات ومواد رئيسية في مختلف الصناعات، سيؤدي الى تباطؤ الانتاج او توقفه في بعض المصانع حسب الاستعدادات، كما ان العالم ما زال يعاني من تداعيات كوفيد 19 وارتفاع في اسعار السلع الاساسية والمواد التموينية والحبوب و القمح والأرز والسكر وارتفاع في نسب التضخم العالمية، واغلاق قناة السويس سيعمق هذا الارتفاع بعد ارتفاع كلف النقل التي تضاعفت بعد اغلاق قناة السويس لإرتفاع كلف التشغيل التي تتطلب ابحار السفن مدة اضافية تزيد ب 15 يوم عبر رأس الرجاء الصالح، مما يتطلب 30% اكثر من الوقود عدا تضاعف قيمة التأمين وكلف التشغيل الاخرى، عدا التأثير السلبي على اسعار الملابس والسيارات وقطع السيارات والاجهزة الكهربائية وقطعها وسلع اخرى، كما ان استدامة عمل الموانئ يتطلب كمية من الحاويات الفارغة تزيد بنسبة 20% عن الموجود حالياً بسبب تأخر الإسال والتوصيل.