خضرة المدادحة وصرخة ضد خدمة الاحتلال عام 1828
عليا الضمور “النار ولا العار” عام 1834
موزة العبيدات أميرة الحج بالدولة العثمانية عام 1857
ثورة الكرك “الهية” : مشخص وبندر وشفق المجالي
نساء بني عطية والحويطات
نساء النعيمات يشترين مدفعاً خلال الثورة العربية الكبرى
نساء الحجايا يشاركن في المعارك ضد الإحتلال العثماني عام 1917
نساء الطفيلة في معركة “حد الدقيق” عام 1918

تضامن: أدوار النساء الأردنيات في الحياة العامة والسياسية قبل تأسيس إمارة شرق الأردن في كتاب جديد بمناسبة مئوية الدولة الأردنية

مرايا – بمناسبة احتفالات المملكة الأردنية الهاشمية بمئوية الدولة (1921-2021)، أطلق يوم 8 آذار 2021 كتاب حول مشاركة النساء الأردنيات في الحياة العامة والسياسية خلال 100 عام، وذلك كجزء من أنشطة مشروع “عين على النساء” الذي تنفذه جمعية معهد تضامن النساء الأردني ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لدعم المؤسسات الديمقراطية الأردنية والتنمية وبالشراكة مع وكالة التعاون الاسبانية، بهدف المساهمة في تحسين البيئة السياسية التي تدعم المشاركة الفعالة للنساء في الحياة العامة والسياسية.

وتشير “تضامن” الى أن الأدوار التي كانت تقوم بها النساء الأردنيات في عهد الدولة العثمانية لم توثق بشكل كامل ومناسب، وكان هنالك صعوبة كبيرة في الوصول الى بعض هذه الأدوار التي إمتدت لأكثر من 90 عاماً قبل تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921م. ومن بينها ما يلي:

خضرة المدادحة وصرخة ضد خدمة الاحتلال عام 1828

لم ترض خضرة المدادحة خدمة حريم السلطان التركي هي أو أي من الأردنيات الآخريات، ففي عام 1828 وبينما كانت النساء يجمعن الماء من عين سارة في الكرك، إعترضت خضرة طريق الفارس إسماعيل الشوفي ومن معه قائلة:” ما تشوف ألمي تسيل من على ظهورنا يا إسماعيل”، وهي تقصد بأنها وباقي النساء يقمن بجمع الماء ونقلة الى حاشية الأتراك في قلعة الكرك. فاجابها إسماعيل بصوت عال :”أبشري وانا أخوكي يا خضرة”.

فقام وحشد من عشائر الكرك بمهاجمة حامية الخليل التابعة للمحتل التركي وتم القضاء عليها. وعلى إثر ذلك عقد الصلح مع الحاكم المحلي وكان من اهم بنوده عدم إجبار نساء الكرك على نقل المياه الى الحاشية التركية أو خدمتها. وأيضاً ولذات السبب في عام 1905 قام رجال الشوبك بمهاجمة حامية الشوبك ومهاجمة الجنود وطردهم منها لمحاولتهم تسخير نساء الشوبك لنقل الماء اليهم من الينابيع.

عليا الضمور “النار ولا العار” عام 1834

الأردنية عليا يونس العقول الضمور هي زوجة الشيخ إبراهيم الضمور الذي كان شيخ الكرك وأحد كبار مشايخ الأردن، وفي عام 1834 لجأ اليه الشيخ قاسم أحمد دخيلاُ من فلسطين هرباً من جيش إبراهيم باشا، ولحق به الجيش وطلب من الشيخ إبراهيم الضمور تسليمه لهم وإلا قاموا بحرق ولدية (علي وسيد) الذين تم أسرهما خارج أسوار الكرك.

وصاحت عليا الضمور أمام هذا التهديد: (النار ولا العار يا إبراهيم، الأولاد يعوِّضنا الله عنهم، ولكن العار لا يزول)، فأرسل الشيخ إبراهيم مع الحاضرين معه رزمة من الحطب الى إبراهيم باشا طالباً منهم أن يخبروه بأن (الذي لا يعرف أن الوفاء بالعهد من شيم الرجال واقذفوا بها بين يديه وقولوا له: ليس إبراهيم الضمور من يُسلـِّـم الدخيل). فقام إبراهيم باشا حاقداً بحرق الولدين أمام والديه.

موزة العبيدات أميرة الحج بالدولة العثمانية عام 1857

وموزة هذه من عشيرة العبيدات وهي نخوتهم أيضًا، فيقال لهم “إخوة موزة”. وهي فتاة قوية وفائقة الجمال، كان لها تسعة إخوة جاءوا إلى إحدى قرى إربد نتيجة جلوة عشائرية -كما يقال- واستطاعوا أن يفرضوا وجودهم في المنطقة. وقد اشتهر جمال موزة في المنطقة حتى سمع به والي دمشق؛ فخطبها وتزوجا، ثم رافقته إلى الحج بصفته أمير الحج الشامي. لكنه مات في طريق العودة؛ فأخفت موزة الخبر عن القافلة كي لا تعم الفوضى بين الحجيج وكي لا تكون القافلة مطمعًا للقبائل البدوية، وأصبحت تقود القافلة وتصدر الأوامر باسم زوجها حتى وصلت القافلة قلب حوران. فأرسلت موزة إلى إخوتها تطلب منهم اللحاق بها ومرافقتها إلى دمشق. وبذلك تكون هذا المرأة أول أميرة عربية للحج تقود قافلة الحج الشامي.

وهناك رواية تقول إن الوالي تزوّجها بالإكراه من خلال الضغط على أهلها بالترغيب والترهيب؛ وأن موزة وافقت كي لا تعرّض أهلها للهلاك، كما يقال إنها دسّت له السم في الأكل انتقامًا منه.

ثم بعد ذلك اصطدم والدها مع العثمانيين الذين سلّطوا عليهم العشائر المجاورة لهم التي كانت تطمع بأملاكهم وإخضاعهم، وكان الهجوم عليهم بقيادة عشيرة “الحجّات”. فما كان من العبيدات إلا أن طلبوا التحالف والنصرة من ابن ربّاع مؤسس عشيرة الشريدة وزعيم منطقة الكورة واسمه “شريدة”، فطلب منهم تزويجه “موزة”، وكان هذا الزواج بداية لتحالف استمر سنوات طويلة غيّر مسيرة العشيرتين وزاد من قوتهما.

وكان عند شريدة خادم يحمله اسمه، وحينما حارب الشريدة والعبيدات عشيرةَ الحجّات وحاصروا مقر زعيمهم، طلب الأخير الأمان من شريدة فأعطاه إياه، وحينما نزل من عُليته قام بقتله؛ فعاتبه قومه على غدره به، فقال لهم بأنه لم يحدد أي شريدة يقصد: أنا أم الخادم؟ ولقد دارت حرب طاحنة بين الطرفين ذهبت مثلاً في بلاد الشام يُضرب للتعبير عن المعارك والمشاجرات المشابهة، فيقال: (الطخ لأبو موزة).

الثورات الصغرى وثورة الكرك “الهية”

وزعت منطقة الأردن في العهد العثماني بين ثلاثة ألوية، حيث كان قضاء إربد وعجلون ضمن لواء حوران، والسلط والكرك ضمن لواء البلقاء ومركزه نابلس، والعقبة ومعان ضمن لواء الحجاز. وعام 1873 سيطرت الدولة العثمانية على الكرك إلا أنها إستمرت في اللجوء الى شيوخ القبائل لكبح جماح القبائل ذاتها، وفي عام 1892-1893 تشكل لواء معان من قضائين هما قضاء الكرك وقضاء الطفيلة، أما قضاء السلط فقد كان يتبع لواء حوران الى جانب قضاء عجلون الذي كانت تتبعه ناحيتا كفرنجة وجرش الى أن فصل عن لواء حوران بالسنة التالية وأصبح يتبع لواء معان. كما نقل عام 1894 لواء معان الى الكرك وسمي لواء الكرك. وشكلت منطقة الأردن نقطة إضطراب وصراع بين القبائل خاصة بعد سيطرة الإنجليز على مصر واشتداد الحركة الوهابية.

وكان لإصدار الدولة العثمانية أوامر لتعداد السكان منذ عام 1905 تأثير مباشر على إثارة القلق والشكوك بين المواطنين معتقدين بأن هدف التعداد هو التجنيد الالزامي ورفع الضرائب. ونتيجة لذلك فقد إندلعت عام 1910 الثورة في جبل حوران، وما أن أخمدت هذه الحركة حتى اندلعت حركة جديدة بدأت من قبيلة الحمايدة التي رفضت تسجيل النفوس حيث أطلقت النار على لجنة النفوس والعساكر المرافقين لها وقتل بعضهم.

ثورة الكرك “الهية”

وامتدت الحركة بذات العام الى الكرك فأطلق الناس النار على أركان الدولة وعلى لجان النفوس الموزعين في قرى الكرك فقتل بعضهم واستجار البعض الآخر، وقام الأهالي بإحراق جميع وثائق الدولة. وفي الوقت الذي أطلقت فيه الدولة العثمانية على هذه الحركة اسم الجتجي (جته جي) أي الغزو أو الغارة، أطلق أهل الكرك عليها اسم الهية.

الى جانب الأسباب العامة لثورة الكرك، فقد كان هنالك أسباب داخلية أخرى، منها ضعف الإدارة وفسادها، وإلغاء نتائج الانتخابات التي فاز بها الشيخ قدر المجالي لعضوية مجلس إدارة الولاية.

ووقف معظم أهالي الأردن الى جانب أهالي الكرك، مطالبين بإطلاق سراح السجناء والعدول عن تطبيق أحكام الإعدام بحقهم. وما أن انتهت هذه الحركة حتى بدأت الحرب العالمية الأولى، واقسم أهل بلاد الشام تجاه الثورة على الدولة العثمانية الى قسمين، الأول يرى الوقوف الى جانبها كونها دولة مسلمة، والثاني نادى بالتحرر كونها لم تجلب لهم سوى الفقر والجهل ونجح هذا الفريق بعد إعلان الشريف الحسين بن علي الثورة على العثمانيين.

دور النساء الأردنيات في ثورة “الهية”

الى جانب أدوارهن الاجتماعية فقد كانت النساء الأردنيات حاضرات في المشهد السياسي والعسكري، وبرز هذا الدور بشكل كبير في العديد من الثورات الصغرى، الى جانب مشاركتهن الهامة خلال ثورة الكرك “الهية، فقد أقدمن على وضع رماد النار على علائق خيول الفرسان لإشعال صدورها بالحرارة والهيجان فتندفع بشكل سريع خلال المعارك ولا تتردد أمام الحواجز والطلقات النارية ويصعب إيقافها أو الوقوف بوجهها أثناء الاشتباكات.

ولاحق عساكر الاحتلال العثماني نساء الكرك لمعرفتهم بالدور الكبير الذي يقمن به في دعم ومساندة ورفع الروح المعنوية لرجال الثورة، فبدأ فرسان الهية إخلاء النساء والأطفال من كافة المناطق التي يمكن للعساكر من الوصول اليها، وفي هذه الفترة ظهرت مجموعة من النساء الأردنيات في مواقف بطولية نذكرهن كما يلي:

مشخص وبندر وشفق المجالي

توجهت مشخص وبندر المجالي ونساء أخريات الى الجنوب هرباً من عساكر الاحتلال العثماني برفقة بعض الفرسان من بينهم الفارس صخر المجالي الذي استشهد خلال اشتباك معهم لإشغالهم عن ملاحقة النساء اللاتي إبتعدن عن متناول أيدهم.

وفي منطقة الشوبك، تم إلقاء القبض على مشخص وبندر المجالي وحبستا في سجن معان لمنعهما من جمع الصيغ والذهب من نساء الكرك لبيعه وشراء الأسلحة بثمنه للثوار خاصة مع إمتداد الثورة الى مناطق مختلفة من الأردن كالعقبة والبلقاء من جهة، ولكسر عزة وكرامة الأردنيين من جهة أخرى.

وكانت بندر المجالي حاملاً، ووضعت مولودها في السجن وأسمته حابس تعبيراً عن ولادته داخل السجن، وهو إبن الشيخ رفيفان المجالي الذي أصبح فيما بعد رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني. أما شفق شقيقة مشخص المجالي فقد تظاهرت بالجنون عندما قبض عليها العساكر وذلك بنثر التراب على رأسها، فما كان منهم إلا أن تركوها، وكان هدفها من ذلك هو تبليغ الثوار بمكان وجود مشخص وبندر المجالي .

نساء بني عطية والحويطات

عندما وصل الى مسامع شيخ قبيلة بني عطية (الشيخ كريم بن زعل بن عبيد العطيات) ونخوته بين فرسان بني عطية “أخو بخيته” بسجن مشخص وبندر المجالي، شاور والدته رياء بنت قاسم أبو تايه إبنة عم الشيخ عودة أبو تايه، فقالت له (يا وليدي بناتنا وبناتهن واحد وعرضهن عرضنا والثورة في الكرك ثورتنا، لوماي حيلي مهدود كان جاورتهن في سجن البوق في معان وما بوخر).

وإثر ذلك قام الشيخ كريم بالذهاب الى سجن معان وقدم للمسؤولين في السجن المال ليسجنوا زوجته وأخواته معهن، وهذا ما تم بالفعل حيث قامت نساء بني عطية والحويطات بالإشراف على ولادة الشيخة بندر والتخفيف عليها من آلام الولادة وأنجبت مولودها حابس.

نساء النعيمات يشترين مدفعاً خلال الثورة العربية الكبرى

عند إنطلاق الثورة العربية الكبرى كان عبدالحميد النعيمي من أوائل المجاهدين الذين لبوا نداء الشريف الحسين بن علي (طيب الله ثراه)، ونظراً لقلة العتاد والأسلحة، قامت نساء النعيمات ببيع ذهبهن لشراء الأسلحة، فإشترى عبدالحميد النعيمي مدفعاً من الأموال التي تم جمعها من نساء النعيمات. هذا ووضع المدفع بعد ذلك أمام باب قصر رغدان العامر، حيث قال الملك المؤسس عبداللة لعبدالحميد :”هذا المدفع يا عبدالحميد يساوي عندي ذهب الدنيا، ونساء عشيرتك سيفخر التاريخ بهن، لقد خسرن مصاغهن وربحن الذكرى الطيبة”.

نساء الحجايا يشاركن في المعارك ضد الإحتلال العثماني عام 1917

نهاية عام 1917 شاركت نساء الحجايا رجالها في عملية ناجحة ضد الإحتلال العثماني في محطة الفريفرة بمنطقة الحسا لقطع الإمدادات عنهم والخزنة في معسكر بعد منطقة القطرانة. وإنتقاماً من نجاح العملية قدم العساكر الأتراك من منطقة معان فوقفت نساء الحجايا مع رجالها في وجههم واستشهدت عدد منهن وأسرت بعضهن.

وقد عرف منهن الشهيدات مغيصة أم مفلح المراغية وإبنتها، وزوجة علي الصواوية الحجايا، وكفاية الصواوية، ومن الأسيرات مغيصة الرديسات التي تم تحريرها من قبل العشائر بعد أيام من حبسها.

نساء الطفيلة في معركة “حد الدقيق” عام 1918

لعبت نساء الطفيلة دوراً بارزاً خلال الثورة العربية الكبرى، وساهمن في تحرير الطفيلة من الاحتلال العثماني المدعوم من الألمان والنمساويين. ولم يكن دورهن مقتصراً على تقديم الدعم المعنوي لفرسان الطفيلة، وإنما شاركن في معركة “حد الدقيق” عام 1918 وسقط من بينهن عدد من الشهيدات وعدد آخر من الجريحات.

ومن أهم الأدوار التي قامت بها نساء الطفيلة تزويد الفرسان بالمال والحلي لشراء السلاح، وتزويدهم بالمؤن خلال المعارك ورفع معنوياتهم، ومشاركتهن في العمليات القتالية في معركة “حد الدقيق”، وتقديم الإسعافات والعلاجات للجرحى، وكن حلقة الوصل ما بين الفرسان وشيوخ الطفيلة، وقمن بعمليات تمويه للإحتلال العثماني وحلفائه. وسقط في معركة “حد الدقيق” عدد من الجريحات وقد استشهدت بعضهن لاحقاً، يذكر منهن: ثريا خميس الدلابيح، حسنة عبدالغني الشباطات، شيخة القليلات الزيدانيين، صبحية حجاج البحارات، صبحية العمايرة، فاطمة ضيف الله العمايرة وفضية عبدالرحمن الجرابعة.