مرايا – في المشهد العام الذي عاشته المملكة خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية في مناخ الاحتجاجات التي هيمنت على مناطق عديدة من العاصمة عمان وغالبية مدن محافظات المملكة بعد خروج الاف المواطنين الى الشارع رفضا لقرارات حكومتهم، بدا واضحا اننا أمام شعب مسؤول وأجهزة أمنية” أمن ودرك ” ايضا مسؤولة، وقبلا اننا امام عامل مشترك أوحد حرص الجميع عليه وهو ان الاردن هو كل اردني كل رجل امن كل جهاز امني.
في مشهد الأمس، لم تكن الصورة مجرد شعبٍ محتجٍ رافض وماكنة سلطة، بالمطلق لم يكن الشعب وأجهزته الأمنية على طرفي نقيض، فالمصلحة الوطنية واحدة، ورجل الأمن بالمحصلة مواطن امتهن وظيفته الأمنية بأجمل ما يكون، وانصهر بفكرة الهدف مع أخيه المواطن، فكانت الصورة اقرب لشعبٍ راقٍ وجهازٍ أمني حضاري توجّه رجل الدرك الاردني بأكثر مما يحتمله مشهد الحضارة من نهج امني عصري، واعمق مما قدمته الانسانية بالتعامل الأخويالصادق ، يرفض كلاهما فخ التصيّد والتربص من أطراف لا تؤمن بالديمقراطية والرأي الآخر.
حرفية رجل الامن العام والدرك والتزامه برسالة العمل الشرطي الوطني ابقت ربيع الاردن يانعا راقيا ، فالأردن والذي نجح بعبور نفق ما يُسمى بـ “الربيع العربي” نجح باقتدار في توظيف ادوات ذلك الربيع الى حقل انجازات سيكون لها اثرها الخادم على صعيد الاصلاحات الشاملة، سياسيا واقتصاديا كما هو مأمول.
الجميع وحتى ان كان تحت مظلة المزاج السلبي الذي ألبسته إياه سياسات حكوماته المتعاقبة، إلا ان محاذير ومحظورات مفهوم “الولاية” لديه كان حاضرا وبشدة، الجماهير هتفت لإسقاط الحكومة وذلك مطلب شرعي ديمقراطي لحكومة اخفقت بالإصلاح والاداء بل وتمادت باستفزازه بقرارات مجحفة متتالية، أخرجته عن طوره ولم تطوعه باتجاه اختراق مفهوم الولاية ، فـ النظام، الدولة، الملك، الدستور، القانون، الخط المقدس الذي حرص مواطننا الاردني وجهازنا الامني على الالتفاف حوله وصونه على مدار كل ثانية من ساعات الاحتجاجات التي راقبها العالم اجمع تحت مجهر القلق والترقب المشوب بالحذر، لكن المناخ الامني والشعبي الراهن موضوع الطرح والذي عاشته عمان وشقيقاتها من محافظات اردننا الكبير، أثبت للعالم اجمع أن الأردن عصي على أي اختراق، ولا تتماشى تركيبة وإرث مواطنيه مع اي محاولات لشرعنه المظاهرات المتشحة بالعنف.
الأجمل في مشهدية الشارع والسلطة الأمنية للأيام القليلة الماضية، وليلة أمس تحديدا، ان ثمة جهاز أمني كان يقظا فاعلا حاميا ذكيا متأهبا حازما وقبلا وطنياً يقف وقفة رجل واحد تجاه بقعة الوطن وأمنه، مستخدما كل امكانياته الاستخباراتية وأدواته الاحترافية وخططه الاستباقية حفاظا على الدولة وابنائها، ونجح هذا الجهاز دوما ومؤخرا خلال اعمال الاحتجاجات، في افشال أي مخططات او نوايا – ودون الاشارة منا لأي أشخاص أو جهات مفترضة – من العبث بأمن الأردن او اذكاء نار الفتنة، او النيل من رموزنا الوطنية، وحتى ممتلكات ومقدرات الوطن – باستثناءات فردية غير مسؤولة تُشبه الطيور المنبوذة التي تغرد خارج سرب الوطنية – !
فعلى الرغم من محاولة بعض المشاركين في تظاهرات الاحتجاجات التي علت وتيرتها خلال الايام الماضية، والذين حاولوا تجاوز “الخطوط الحمراء” واستفزاز رجال الأمن العام والدرك بردود افعال غير مسؤولة تجاههم، الا ان عين الاخيرين لم تغفل عن حمايته حتى من نفسه، بل وحرص عناصر امننا بكافة مرتباته على سياسة القبضة الناعمة المتزنة تفاديا لأي مسربٍ قد يودي الى “الانفلات الأمني” الذي يُسجل للأردن إزائه بأنه لم يرد في تاريخ المناخ الأمني الشعبي.
هذا الأسلوب الحضاري الراقي في التعامل الأمني من قبل جهاز الدرك تحديدا مع المظاهرات والاحتجاجات والمسيرات، مدعاة للتثمين والفخر، يزيد في ذلك انه تعامل كان تحت محط عدسات التلفزة العالمية التي نقلت الحدث الساخن لاحتجاج الشارع، فاذا بها تنقل حضارة شعب ورقي اجهزة امنية، كانت لديها تعليمات مشددة بعدم انتهاج العنف، وعدم حمل أو استخدام أي نوع من أنواع السلاح، فالأردنيين شعبا وعناصر أمن كانوا سوية ومعا في ميدان القلب والروح على ثراك يا اردن
في حجم الفرح ان ثمة فوز حصده الاردنيون في خروجهم للشارع خلال مطالبتهم برد معدل الضريبة ورفض سياسات الحكومة، حيث توحد الاردنيون كما لم يقفوا من قبل على ذات العتبة وذات الصف، كان الهتاف واهد هتاف نظيف بعيد عن لغو التفرقة الاقليمية ، فقد كان الوطن حاضرا وكان الوعي حريصا وكان موسم عرس حقيقي وان تكلل بوجعات قرارات الحكومة.