قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في افتتاح أعمال الدورة السادسة من “أسبوع القاهرة للمياه”، أن التاريخ سيسجل مرة أخرى أن إسرائيل تطبق بلا رحمة “سياسة الأرض المحروقة” عبر استهدافها المقصود لمحطات المياه والصرف الصحي والمستشفيات في غزة.
وأضاف: إننا نجتمع اليوم هنا في القاهرة وقلوبنا مع غزة الجريحة، غزة التي ترتكب فيها إسرائيل، مرة أخرى، وعلى مرأى العالم جريمة جديدة، تضاف إلى سجل جرائمها المليء بما ارتكبته من انتهاكات ممنهجة منذ النكبة، رغبة منها في استكمال مخططها بدفع سكان غزة المكوّنين أصلا من لاجئين إلى الهجرة مرة أخرى، وذلك بقصفهم عشوائيا، ولكن أيضا من خلال حرمانهم من أدنى الحقوق الإنسانية، وأعني هنا “الحق في المياه” و”الحق في الغذاء” و”الحق في العلاج”.
وأن التاريخ سيسجل مرة أخرى أن إسرائيل تطبق بلا رحمة “سياسة الأرض المحروقة” عبر استهدافها المقصود لمحطات المياه والصرف الصحي والمستشفيات في غزة، من شمالها إلى جنوبها ، بأسلحة شديدة التدمير لتهجير الفلسطينيين بشكل قسري.. سعيا منها لتصفية قضيتهم على حساب حقوقهم وعلى حساب دول الجوار، إن شدة التدمير التي لحقت بالمرافق الأساسية تدل على رغبة مقيتة لصناعة الخراب وجعل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية غير صالح للحياة، ظنّا منها أن نشر اليأس في قلوب الفلسطينيين عبر سياسات العقاب الهمجي سيدفعهم إلى الاستسلام.
وأوضح: إسرائيل تستهدف البنى التحتية الفلسطينية كما فعلت من قبل في جنوب لبنان وفي سوريا بدون أية قيود ودون مراعاة لقواعد القانون الدولي الإنساني، التي أذكّر أنها جرّمت في المادة 54 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف مهاجمة أو تعطيل نقل المواد التي لا غنى عنها، ومنها مرافق المياه وشبكات الري، كما اعتبر ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تدمير البنية التحتية وشبكات المياه جرائم حرب، وغيرها من المواثيق الدولية التي تحظر استخدام المياه كسلاح ضد المدنيين.
وأكد: لقد فضح الاعتداء الأخير مواقف أولئك الذين يكيلون بمكيالين ويبررون جرائم استهداف شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء التي تقترفها إسرائيل بأنها دفاع عن النفس، ويستنكرون نفس الأفعال في مواقف أخرى، وأذكّر في هذا السياق أننا قد رأينا تلك الازدواجية أيضا في باقي قضايا المياه العربية فعندما تطالب مصر بحقها في الحياة ، يتحدثون عن حق أثيوبيا في التنمية، وعندما تطلق الدول العربية مشروعات استراتيجية في قطاع المياه، تراهم يشككون فيها وينتقدون آثارها المحتملة على البيئة.
وأضاف: إنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل باستخدام المياه كسلاح، فهي لم تكتف بسرقة المياه العربية فحسب، بل استهدفت بشكل ممنهج كل منشآت المياه لإدراكها بأهمية ذلك المورد الأساسي في الحياة والاستقرار والتنمية، ورغبة منها في التضييق على الفلسطينيين وإبقائهم تحت رحمة العطش والجوع والأمراض.
وأكد: تدرك جامعة الدول العربية جيدا خطورة تلك الممارسات التي تهدد الأمن المائي العربي، وتبذل من خلال المجلس الوزاري العربي للمياه جهودا كبيرة للتصدي لها، كان آخرها الدراسات التي أعدتها “شبكة خبراء المياه العربية” العاملة تحت مظلة المجلس لتقييم أضرار قطاع المياه في غزة، حيث قامت الأمانة العامة للجامعة بحشد الأموال اللازمة لإعدادها.
وأضاف: عرضنا نتائج تلك الدراسات في شهر يوليو 2022 بمقر الأمانة العامة للجامعة، حيث دقّت ناقوس الخطر حول الأوضاع الكارثية التي آلت إليها شبكات المياه والصرف الصحي جراء الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة، هكذا كان الوضع في غزة منذ سنتين، “كارثيا” فكيف هي الأوضاع اليوم في ظل ما نراه من مشاهد مروعة؟
لا يزال الأمن المائي العربي يتعرض لتحديات متعاظمة، تهدد باستمرار تراجع كميات المياه على نحو مقلق، في منطقة تعاني أصلا من شح المياه، وهي تحديات معقدة ومتشابكة، يتطلب التعامل معها مضاعفة الاستثمارات العربية في قطاع المياه وتعزيز العمل العربي المشترك لاسيما في مجالات تبادل الخبرات وتوحيد الصفوف تجاه قضايا المياه العالمية وإطلاق المبادرات التي من شأنها الحفاظ على المياه، وقد بذلت الدول العربية جهودا مقدرة في هذا الشأن سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وأشير هنا على نحو خاص إلى جهود مصر خلال قمة المناخ COP28 بشرم الشيخ حيث نجحت في بناء توافق دولي حول ثلاث ركائز تهم الدول النامية وهي “صندوق الخسائر والأضرار” وإدراج المياه كوسيلة لمجابهة التغيرات المناخية عبر إطلاق مبادرة “المياه من أجل التكيف المناخي AWARe”، واعتماد مبادرة “الانذار المبكر للجميع” التي تقدمت بها الأمم المتحدة.
واتصالا بموضوع الإنذار المبكر للتحذير من مخاطر الكوارث الطبيعية، تتذكرون جميعا كيف تسبب إعصار دانيال في انهيار سد درنة بليبيا مسببا كارثة إنسانية، وأرى أنه من المهم العمل على تعزيز قدرات الإنذار العربية استعدادا لأسوأ الاحتمالات، إذ أن تكلفة الاستعداد لكوارث المياه أقل بكثير من خسائرها، لكن ثمة مشكلة حقيقية تتعلق بجغرافية المنطقة العربية، حيث تقع العديد من السدود خارج حدودها ولا تملك الدول العربية معلومات كافية حول وضعها وظروف صيانتها.
وأختتم: لاتفوتني الإشارة إلى أن أعمال هذا المؤتمر تتضمن اجتماعا عربيا تحضيريا للمنتدى العالمي للمياه، الذي ستستضيفه أندونيسيا في شهر مايو 2024، وأيضا اجتماعا للجنة الفنية المشتركة رفيعة المستوى للمياه والزراعة المنبثقة عن الاجتماع المشترك لوزراء المياه والزراعة العرب،وأتمنى لكم كل التوفيق والنجاح.