مرايا – غادر الرئيس الصهيوني الأربعاء متوجها إلى تركيا، حيث يلتقي نظيره رجب طيب أردوغان في زيارة من شأنها إعادة إحياء العلاقات بين البلدين.

وقال الرئيس إسحق هرتسوغ في تصريح مقتضب قبيل إقلاع الطائرة من مطار بن غوريون قرب تل أبيب “العلاقات بين الكيان وتركيا مهمة للكيان الصهيوني ومهمة لتركيا، وللمنطقة بأسرها”.

وأضاف “شهدت علاقة الكيان وتركيا فترات صعود وهبوط ولحظات صعبة في السنوات الأخيرة… سنحاول إعادة بناء العلاقات بطريقة مدروسة”.

وزيارة هرتسوغ هي الأولى لرئيس صهيوني إلى تركيا منذ 2007، وقد تقرّرت قبل أسابيع من الهجوم الروسي على أوكرانيا. وفي الأيام الأخيرة دخلت تركيا والاحتلال بقوة على خط الوساطة بين كييف وموسكو في محاولة لوقف الحرب المستمرة منذ نحو أسبوعين.

ومن المتوقع أن يطغى النزاع الروسي-الأوكراني على محادثات الرجلين اللذين سيناقشان أيضاً قضايا ثنائية.

وسيتناول البحث بين هرتسوغ وأردوغان ملف واردات أوروبا من الغاز، الذي اكتسب أهمية كبيرة بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وتأتي زيارة هرتسوغ لأنقرة وإسطنبول، بعد أكثر من عقد على تصدّع العلاقات الدبلوماسية بين الكيان وتركيا ذات الأغلبية المسلمة والتي تطرح نفسها على الساحة الدولية مؤيّداً قوياً للقضية الفلسطينية.

وتصدّعت العلاقات بين تركيا ووالكيان في 2010؛ إثر مقتل عشرة مدنيين أتراك في غارة صهيونية على أسطول سفن مساعدات كان يحاول الوصول إلى غزة وكسر الحصار الذي فرضه الكيان يومها على القطاع.

وأبرم البلدان اتفاق مصالحة في العام 2016 شهد عودة سفيريهما، لكنّ هذه المصالحة ما لبثت أن انهارت بعد عامين عندما استدعت تركيا سفيرها احتجاجاً على استخدام القوات الصهيونية العنف لقمع احتجاجات فلسطينية أطلق عليها اسم “مسيرات العودة”.

واستمرّت تلك الاحتجاجات سنة ونصف السنة، وكانت تجري كلّ يوم جمعة على طول السياج الفاصل بين قطاع غزة وإلكيان للمطالبة برفع الحصار الصهيوني وتثبيت “حقّ العودة” للفلسطينيين الذين هجّروا من بلداتهم وقراهم عام 1948.

وأدّت مواجهات تخلّلت تلك الاحتجاجات إلى استشهاد 310 فلسطينيين ومقتل 8 صهاينة .

لكنّ الأشهر الأخيرة شهدت تقارباً واضحاً بين تركيا والكيان ، إذ تحدث رئيسا الدولتين مرات عدة منذ تنصيب هرتسوغ في تمّوز/يوليو الماضي.

ورغم أن منصب الرئيس الصهيوني يعتبر فخرياً، إلا أن هرتسوغ الذي كان رئيساً لحزب العمل اليساري، لعب دوراً دبلوماسياً رفيع المستوى.

ورأت المحللة السياسية غاليا ليندنشتراوس من معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أنّ تدخّل أردوغان للإفراج عن الزوجين الصهيونين الذين تم القبض عليهما في إسطنبول في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بتهمة التجسّس، مثّل “نقطة تحول” في العلاقات.

وأضافت أنّ هذه القضية “فتحت حواراً بين الجانبين الصهيوني والتركي وفرصة لتحسين العلاقات”.

“ليست الطرف المحتاج”

وبعد أزمة 2010، أسّست الكيان لتحالف استراتيجي جديد مع كلّ من اليونان وقبرص اللتين لديهما علاقات يشوبها التوتر مع تركيا عموماً وأردوغان خصوصاً.

وعقدت هذه الأطراف في السنوات الأخيرة وبشكل منتظم لقاءات ثلاثية كما أجرت تدريبات عسكرية مشتركة.

ويعتبر الحلفاء الثلاثة جزءاً من “منتدى غاز الشرق الأوسط” الذي تأسّس في 2019 ويضم أطرافاً أخرى لكنه لا يضمّ تركيا.

وفي 2020، وقعت الكيان واليونان وقبرص اتفاقاً لبناء خط أنابيب “إيست ميد” لنقل الغاز من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، في مشروع أثار حفيظة أنقرة.

وعزت ليندنشتراوس التقارب الصهيوني -التركي الراهن إلى الإحباط الذي شعرت به أنقرة بسبب استبعادها من محادثات مشروع الغاز، إلى جانب أزمتها الاقتصادية الداخلية وحالة الصدام بينها وبين الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن.

وقالت المحلّلة السياسية والخبيرة في الشأن التركي، إنّ اتفاقيات تطبيع العلاقات بين الكيان وكلّ من الإمارات والبحرين والمغرب أظهرت أنّ الكيان “ليست الطرف المحتاج في المعادلة” مع تركيا.

علاقات إقليمية

ويتوقّع مسؤولون صهاينة أن يناقش هرتسوغ وأردوغان آفاق تصدير الغاز الصهيوني إلى أوروبا عبر تركيا، في ظلّ تزايد المخاوف في القارّة من ضعف الإمدادات في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وكان الرئيس التركي سلّط الضوء على هذه الفكرة في كانون الثاني/يناير.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، حاول رئيس الوزراء الصهيوني نفتالي بينيت التوسط بين روسيا وأوكرانيا، إذ سافر إلى موسكو حيث اجتمع بالرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين لثلاث ساعات، كما هاتف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ثلاث مرات خلال 24 ساعة.

بدوره، أجرى أردوغان اتصالات مع بوتين وزيلينسكي. ومن المقرّر أن يستضيف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو نظيريه الروسي والأوكراني جنوبي تركيا الخميس.

ولا تنفي هذه التحركات حقيقة حساسية العلاقات الإقليمية.

وقبل توجّهه إلى تركيا، زار هرتسوغ حليفتي بلاده اليونان وقبرص لطمأنتهما.

وبنظر ليندنشتراوس فإنّ تواصل أردوغان مع الكيان  يمثّل “بشرى لليونان وقبرص” إذ من شأنه أن “يعكس مزيداً من الاعتدال في السياسة الخارجية لأنقرة”.