بهدوء

مرايا – عمر كلاب

لم يتبق كيان احتكاري واحد في العاصمة عمان, الا شركة الكهرباء الاردنية, المسؤولة عن توزيع الكهرباء لاكثر من ثلثي الاردنيين, وبدل ان تمارس الشركة كل موجبات الانفراد والفرادة, فإنها تمارس شكلا من اشكال الاستكانة والسكون المريب, فلا بنيتها التحتية باتت قادرة على تلبية الاحتياجات اللازمة, ولا سلوكها الاداري بات مقبولا, من اقدم شركة مساهمة عامة في الاردن على ما اعتقد, فالاعمدة قديمة في معظم مناطق العاصمة, وصيانتها وصونها لا يتحقق الا اذا وقع عامود او صدمته مركبة, وطبعا بكلفة مرتفعة على المواطن, فكلفة العامود الواحد لمن جرّب طلبه, 110 دنانير, ناهيك عن فاتورة اضافية اسمها المساهمة في ثمن المولد, وما زلنا نحتفظ بالفواتير, بمعنى اننا نحن من دفع ثمنها المبالغ فيه ومع ذلك لا توجد صيانة للشبكة واسلاكها ولا للاعمدة وثباتها, وهذه ليست المرة الاولى التي تخذل الشركة فيها الاردنيين, والجهاز الخدمي الرسمي.

وحتى ننصف تاريخ الشركة, التي بقيت قصة نجاح لعقود طويلة, بحكم ايصال الكهرباء الى 99% من مناطق الاردن, فإن هذا النجاح قد بدأ بعبقرية الدولة بفرض ضريبة فلس الريف, الذي اسهم في ايصال الكهرباء الى المناطق النائية والأقل حظا, قبل ان يتحول هذا الفلس لخدمة المتنفذين والحيتان ومزارعهم, فالخلل الاداري والاستكانة الى ضعف المحاسبة والمساءلة, افرز هذا النمط من الاستهانة بمفهوم الخدمة للمجتمع, الذي يدفع ثمن كل خدمة, ولكنه يتلقاها باضيق الحدود, بل وتخذله الخدمة في لحظات الحاجة, وأجزم ان اللحظة باتت تحتاج الى مراجعة نظام الاحتكار, بكليته, تحديدا في قطاع الطاقة «الكهرباء والمصفاة» او في باقي القطاعات التي نشهد فيها سلوكا احتكاريا او ما يشبه الاحتكار.

جميعنا يذكر, قصة الفرادة في قطاع الاتصالات, التي تحولت لاحقا الى قصة نجاح, بحكم المنافسة بين الشركات التي تقدم خدمة الاتصال بكل انواعه, واظنها قصة ملهمة لباقي القطاعات, لكن قطاع خدمات الطاقة ما زال اسير شركتين فقط, ويمكن سحب تجربة الاتصالات على كثير من القطاعات التي استجبنا كدولة لنظرية السوق المفتوح, فباتت الخدمات الخاصة اكثر مرونة واكثر تنافسية بحكم تعدد المزودين للخدمة وارتفاع المنافسة, وبما اننا ندخل كما العالم ظاهرة التغير المناخي فإن المراجعة واجبة, لكافة القطاعات, وعلى رأسها قطاع خدمات الطاقة, الذي يعيش مسترخيا بحكم الاحتكارللسوق, فكل ما لدينا مصفاة واحدة, وشركة توزيع واحدة في اقليم الوسط الذي يشكل 70% من الطاقة البشرية والاقتصادية.

ليس جديدا على الدولة الاردنية, ضعف الموارد, ولا بالجديد عليها ضيق اليد واشتعالات الاقليم, لكن الجديد على الدولة, ضعف الادارة وانعدام المحاسبة, وعدم اعلاء قيمة مفهوم استدامة الموارد وصونها, فالعقل الاداري الذي يقود الجهاز الخدمي, طاله الخلل, وانعدام المحاسبة وتولية الاقرب وليس الاكفأ, فتحولت قصص نجاحنا الى قصص ارباك وتراجع وخذلان, وبدل مراجعة الاختلال, قمنا بانتاج وتوليد عشرات المؤسسات المستقلة التي دخلت ميدان الخدمة العامة, على قاعدة التنظير والتشويه لادوات المحاسبة والمساءلة, فلا نعلم هل نحاسب وزارة الطاقة او نحاسب الهيئة المعنية بالطاقة والمعادن او شركة الكهرباء, وقس ذلك على باقي اجهزة الخدمات العامة, التي اتخمناها بالوزارات والمؤسسات المستقلة, حتى احتار العقل الاردني في فهم نظامه الاداري.

البقاء في دائرة الاحتكار او مفهوم مزود الخدمة الواحد, لن يجعلنا نتقدم, ولن تكون ايامنا القادمة بخير, فنحن نحتاج فعلا الى ثورة ادارية ومحاسبة حقيقية, لكل مقصر, فهيبة الدولة وايمان المواطن بهذه الهيبة, هو مفتاح الحلول والطريق لاسترداد الثقة التي تعيش حالة انقطاع لتيارها في اسلاك وشرايين الوطن.

omarkallab@yahoo.com