مرايا – أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الجمعة، عزمه على الاستقالة بعيد دعوة المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني مجلس النواب العراقي إلى سحب الثقة من الحكومة، لكن ذلك لم يوقف القمع الدامي الذي خلف 21 قتيلا.
وأعلن عبد المهدي وهو مستقل لا يملك قاعدة حزبية، الجمعة قراره بعد شهرين من حركة احتجاج ضد النظام وعرابه الإيراني شهدت سقوط 420 قتيلا في العاصمة بغداد ومناطق الجنوب ذات الغالبية الشيعية.
وبدا واضحاً للمرة الأولى، دعم المرجع السيستاني (89 عاما) للاحتجاجات الغاضبة التي تدعو منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر، إلى “إقالة الحكومة” وتغيير الطبقة السياسية التي تسيطر على العراق منذ 16 عاماً، مع اتهامها بالفساد وهدر ثروات هذا البلد.
وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله السيد أحمد الصافي في كربلاء، إن “مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه إلى دوامة العنف والفوضى والخراب”.
وبعد ساعات، أعلن عبد المهدي (77 عاما) المستقل والذي تولى منصبه منذ أكثر من عام، عزمه على الاستقالة، وقال في بيان “سأرفع إلى مجلس النواب الموقر الكتاب الرسمي بطلب الاستقالة من رئاسة الحكومة الحالية ليتسنى للمجلس إعادة النظر في خياراته”.
وعلى الفور، هتف متظاهرون في ساحة التحرير بوسط بغداد، معبرين عن فرحهم بهذه الخطوة التي تندرج في إطار مطالبهم بـ “إسقاط الحكومة” وتغيير القادة السياسيين.
لكن ذلك لم يوقف دوامة العنف الذي استمر في مناطق الجنوب الزراعية والقبلية، حيث تهدد الفوضى المنطقة منذ أن ظهر مسلحون قبليون لحماية متظاهري الناصرية من جهة ومسلحون مدنيون أطلقوا النار على محتجين في النجف.
وقتل الجمعة، 15 متظاهرا في الناصرية التي تشهد صدامات دموية منذ الخميس، كما قتل آخر في بغداد، وخمسة في النجف، حيث اطلق مسلحون بلباس مدني النار على متظاهرين أمام مقر حزبي، وفق شهود وأطباء.
ومنذ بدء الاحتجاجات قبل شهرين، قتل أكثر من 420 شخصا في بغداد وجنوبي العراق.
وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية الجمعة “نشارك المتظاهرين أسباب قلقهم المشروعة” مضيفة: “نواصل حض الحكومة العراقية على المضي قدمًا بالإصلاحات التي يطالب بها الشعب وبينها تلك المرتبطة بالبطالة والفساد وإصلاح النظام الانتخابي”، بدون أن تتطرق مباشرة إلى قرار رئيس الوزراء.
ونددت باريس بـ “الاستخدام المفرط” للقوة ضد المتظاهرين، وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان، إن “فرنسا تدين بشدة الاستخدام المفرط وغير المتكافىء للقوة بحق المتظاهرين في بغداد ومدن الجنوب، وخصوصا الناصرية، ما أدى إلى قتلى والعديد من الجرحى”.
وأضافت الوزارة “تكرر فرنسا تمسكها بحق التظاهر السلمي وتدعو جميع الاطراف الى الامتناع عن اي عمل عنيف يعرض المشروع الديموقراطي الذي يطمح اليه الشعب العراقي للخطر”.
“أمر لا يطاق”
وكان جنوب العراق اشتعل الخميس، بعد عملية قمع قام بها قادة عسكريون أرسلتهم سلطات بغداد، بعيد حرق القنصلية الايرانية في النجف وسط هتاف المحتجين “إيران برا”.
وتمت إقالة كبير الضباط الذين أوفدتهم بغداد الخميس، إلى الناصرية، وذلك بعد مقتل 28 متظاهرا في بضع ساعات برصاص قوات الأمن.
ونددت الأمم المتحدة بذلك قائلة إن “العدد المتنامي للقتلى والجرحى أمر لا يطاق”.
وأشاع إعلان عبد المهدي عزمه الاستقالة أجواء بهجة في ساحة التحرير مركز حركة الاحتجاج. وتخلى الشبان عن الحجارة التي يدافعون بها عن أنفسهم لينخرطوا في الرقص فرحا بالخبر.
وقال أحد المتظاهرين: “هذا أول نصر لنا، وستكون هناك انتصارات أخرى على الآخرين” من السياسيين الذين يعتببرونهم فاسدين وغير أكفاء ويعملون لحساب القوى النافذة في العراق وأولها إيران.
وأضاف وسط هتافات وأبواق عربات “التوك توك” الثلاثية العجلات التي باتت رمز الاحتجاجات في بغداد “إنه إنتصار كذلك للشهداء الذين سقطوا” خلال الاحتجاجات.
وقال المتظاهر علي حسين من ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية، جنوب بغداد، إن “هذه خطوة مهمة رغم كونها متأخرة، وبعد أيام دموية خصوصا هنا في الناصرية”.
“لترحل جميع الأحزاب”
في مدينة الديوانية، جنوبي البلاد، حيث أقيم تشييع رمزي تكريماً لـ 46 متظاهراً قتلوا الخميس، بالرصاص في مدن متفرقة من البلاد، أعرب متظاهر عن سعادته، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن: “مشكلتنا ليست رئيس الوزراء (فقط)، نريد أن ترحل جميع الأحزاب”، في أشارة لفشل السياسيين في إدارة البلاد وما ترتب على ذلك من سوء الخدمات وفساد وارتفاع معدلات البطالة في العراق الذي يعد بين أغنى دول العالم بالنفط.
وفي العراق الذي يعتبر أحد أغنى دول العالم نفطا، فإن خمس السكان تحت خط الفقر، وتعاني البنى التحتية من الترهل ولم يتم أبدا تجديدها في وقت تبخر في 16 سنة ضعفا الناتج الإجمالي في جيوب سياسيين ومستثمرين مشبوهين.
ورحبت جهات بينها كتل سياسية بالدعوة التي كان اطلقها المرجع الشيعي، وقال تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي “ندعو مجلس النواب العراقي لعقد جلسة خاصة غدا (السبت) لسحب الثقة عن الحكومة وتشكيل حكومة جديدة مستقلة”.
وكان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أكد مرارا أن عدم استقالة الحكومة سيكون “بداية النهاية بالنسبة للعراق”.
كما أعرب تحالف “الفتح” الذي يمثل فصائل الحشد الشعبي المدعومة أغلبها من إيران، ويعتبر ثاني أكبر الكتل البرلمانية، عن موقفه المؤيد لتوجيهات المرجعية الشيعية. وقال قيس الخزعلي، احد ابرز قادة فصائل الحشد الشعبي في تغريدة “أمري لأمركُم مُتبع “، في اشارة للمرجعية الشيعية.
ومن المقرر أن يجتمع البرلمان الأحد، في وقت لم يشهد العراق منذ الإطاحة بالرئيس صدام حسين في 2003، رحيل رئيس حكومة قبل نهاية ولايته.
وأدى العصيان المدني والاحتجاجات إلى اغلاق مؤسسات حكومية ومدارس ومقار مختلفة في عدد كبير من المدن وخصوصا في جنوب العراق، ويحاول المتظاهرون، بلا جدوى حتى الآن، الوصول إلى حقول النفط التي تمثل مصدر الدخل الرئيسي وتشكل 90% من موازنة العراق المثقل بالديون.