في الوقت الذي تتواصل فيه الهجمات الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية في الداخل المحتل، فإن التخوف الإسرائيلي يكمن في أن تتسرب تبعات هذه الهجمات إلى قطاع غزة، وتتركز الجهود للحيلولة دون حدوث تصعيد على جبهتين.

 

وسعى الاحتلال لتعزيز قواته عند خط التماس، مما أدى لخفض دخول العمال بشكل كبير من خلال الثغرات المنتشرة في الجدار، ولذلك فإن المؤسسة العسكرية تدرك أن هذا الوضع من الاستنفار لن يقدر على الاستمرار لفترة طويلة. 

مع العلم أنه منذ عدة أيام، عاش الجيش حالة قصوى من التأهب، وأسفر في النهاية عن تنفيذ هجوم شارع ديزنكوف وسط تل أبيب، مما زاد من تفاعل الفلسطينيين البالغ عددهم 55 ألف مصل في المسجد الأقصى، وهتفوا لقائد حماس العسكري محمد ضيف، وفي الوقت ذاته، فإن المسؤولين الأمنيين يعتقدون أن تعزيز الجدار الفاصل، مهما كان فعالا، فلن يفلح بالفعل في سد ثغراته الكبيرة لوقف الهجوم الفلسطيني المقبل.

أليئور ليفي الكاتب بصحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر في مقاله الذي ترجمته “عربي21″، أن “مدينة جنين باتت تشكل صداعا للرأس داخل المؤسسة العسكرية، التي تبذل جهودا كبيرة للتصدي لمحاولات العمليات الخارجة منها، سواء من خلال الزج بكامل القوة، أو تركيز العمليات الموضعية، رغم أن الجيش يعتقد أن الشروع بعملية واسعة النطاق لاستئصال المجموعات المسلحة، قد ينتهي بقتلى في صفوف الجنود، واحتمال انتقال التصعيد إلى غزة، مما قد يرجح خيار مهاجمة جنين تدريجيا، ولكن يبدو أن إسرائيل ليس لديها ذلك الوقت”.

وأضاف أن “كل تصعيد أمني له ديناميكية متغيرة، وهناك خشية إسرائيلية من عودة تبعات حرب غزة 2014 إلى الضفة الغربية، من خلال بداية موجة الهجمات الفردية في 2015-2016 التي ركزت على القدس في البداية، ثم نقلت ثقلها إلى منطقة الخليل، فيما اندلعت الموجة الحالية من الهجمات في عمليتين مختلفتين نفذهما فلسطينيو48، وقد بدا لافتا أن باقي العمليات جاء منفذوها تقريبا من منطقة واحدة، هي جنين، لذلك يمكن وصف التصعيد الحالي الذي نشأ في جنين بأنه الأصعب منذ عقدين، لكنه لم يكن مفاجئا”. 

لا يخفي الإسرائيليون قلقهم المستمر من مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية، كونها المنطقة التي تجد فيها السلطة الفلسطينية صعوبة بالغة في حكمها، وفرض سيادتها عليها، وهي مركز دعم لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأرض خصبة لنشاطهما العسكري، بجانب وجود القوة الأساسية لكتائب شهداء الأقصى، وتدعي أجهزة أمن الاحتلال أن مخيم جنين فيه كمية أسلحة كبيرة جدا، ونادرا ما يوجد فيه تنافس واستقطاب بين الفصائل الفلسطينية، فكل من يعيش فيه هو أولا وقبل كل شيء “ابن المخيم”، قبل انتمائه لهذا الفصيل أو ذاك.

في الوقت ذاته، تدعي أجهزة أمن الاحتلال أن هذه الموجة من العمليات الفدائية، ظهرت بعد بضعة أشهر من شن السلطة الفلسطينية لعملية كبرى لإعادة السيطرة على جنين، لكن نجاحها جاء جزئيا للغاية، وما بدأ لدى الإسرائيليين بصراخ عال، انتهى برد ضعيف، وبعد أن اغتال جيش الاحتلال ثلاثة مقاومين اعتزموا تنفيذ هجوم فدائي، لكن جميع أنشطتهم كانت تختمر في أزقة المخيم، حتى إن بعضهم سجل وصيته في شريط فيديو قبل الهجوم على أهداف إسرائيلية.

 

لقد شكلت عملية ديزنغوف وسط تل أبيب إنجازا جديدا للمقاومة الفلسطينية، وتعتقد المحافل الأمنية الإسرائيلية أن منفذها القادم من مخيم جنين للاجئين أحرق صفحة لدى الجمهور الإسرائيلي الذي يرصد التسلسل الزمني لتاريخ العمليات المسلحة، مع العلم أن شارع ديزنغوف يحمل لدى الإسرائيليين تاريخا داميا منذ عقود، مما يدفع حماس والجهاد الإسلامي للمفاخرة بأن الهجوم وقع حيث تم في قلب إسرائيل، ورمزها مدينة تل أبيب، وأيقظ الكوابيس الكامنة بين الإسرائيليين.

الخلاصة الإسرائيلية، أنه يمكن للجيش الدخول في عملية واسعة النطاق في مخيم اللاجئين لاستئصال مواقع المسلحين، لكن مثل هذه العملية لها آثار إضافية مثل قتل الجنود، واحتمال أن المواجهة في جنين، والقضاء على أعداد كبيرة من المسلحين، سترجح انضمام قطاع غزة إلى المعركة، مما يجعله يفضل القيام بسلسلة من العمليات المستهدفة في جنين، سيتم نشرها على مدى فترات زمنية، من أجل إضعاف قدرات التنظيمات المسلحة تدريجيا، ومن ثم تقليل فرص التصعيد من ساحات أخرى.