مرايا- اية قمق

يُعد الكذب حيث يصادف اليوم « كذبة نيسان » من أبرز الامراض الاجتماعية التي يتفق الناس على مضارها وتأثيرها السلبي على الافراد والمجتمعات، خاصة اذا ما توارث الابناء هذه الصفة من آبائهم.
ربما اختلف الوضع الآن،عمّان كانت قبل عشر سنوات او اكثر،عندما كان بعض الناس ينتظرون «أول نيسان» لمباغتة أصدقائهم بـ»خبر» سيء، كي يختبروا «قدرتهم على التحمّل»،ويكون ذلك عبارة عن « مَقْلَب».. بايخ!
بعض الناس ما يزالون «حذرون» من اليوم الاول من شهر نيسان.. رغم كثرة « الكذب» هذه الأيام،وهنا تحدث بعضهم عما عانوه وهو قد يتكرر مع سواهم بطريقة او بأُخرى.
«لقد وقعنا في عدة مطبات بسبب كذبة نيسان، منها ما كان طريفا، ومنها ما كان مزعجا»،..
هكذا عبّر بعض الناس ممن طرحنا عليهم سؤالنا : ماذا حدث معكم جراء كذبة نيسان ؟، واضافوا: للأسف، ينساق الآخرون وراء أوهام وتصبح جزءا من ثقافتهم وسلوكهم العام. وغالبا ما كانت هذه المطبات الاجتماعية بين ازواج ممن يعتقدون ان الكذب «ملح الحياة»، أو أنهم «يمونون» على بعضهم. وهناك من اطلق عليه «الكذب الأبيض» . ليضاف المصطلح الى مجموعة المصطلحات الخاصة بالشباب مثل «اللغة البيضا» واللهجة البيضا والنميمة البيضا . معتبرين ذلك كله غير ضار وان كان من وجهة نظرهم مجرد دبابيس توقظ ولا تؤذي، تداعب ولا تجرح وهكذا.
مؤكد أن شهر نيسان لدى الكثيرين، يُعرف بكذبة نيسان وهي أكذوبة كانوا يتعابثون بها في أول نيسان للمزاح والمداعبة ويسمونها في مصر «سمكة أبريل» وأبريل عندهم هو نيسان جرياً على تسمية الفرنسيين لها وقد اختلف الناس في أصلها على ثلاثة آراء:‏ فبعضهم يردونها إلى «عيد هندي» تُباح فيه «الدعابة الكاذبة» لخلق جو المرح، وبعضهم يردونها إلى عهد احتفال الرومانيين بأحد آلهتهم ونيسان موقوف عليه، وقيل إن أول نيسان جنون آخر أو يوم المجانين.
عن كذبة نيسان
كذبة نيسان تقليد عالمي لا يُعرف تحديداً كيف بدأ أو أين، ولكنه موجود منذ مدة طويلة ولا يبدو أنه سيندثر قريباً، من المفترض أن تنطوي الكذبة على خدعة بسيطة لا تسبب ضرراً لأحد وأن تكون غير مرعبة، ويجب في نهاية الخدعة أن يعترف صاحبها بأنها لم تكن سوى “مقلب نيسان “.
التقليد السنوي يرجع إلى القرن السادس عشر، على الأرجح، حين تم اعتماد التقويم الغريغوري في فرنسا، واُحتفل برأس السنة في الأول من يناير/كانون الثاني بدلًا من الأول من أبريل/نيسان، ولكن البعض ظلوا متمسكين بالاحتفال في الأول من أبريل، مما جعل الآخرين وقتها يلقبونهم بـ”حمقى أبريل” (April fools) وكانوا يمارسون عليهم خدعا مختلفة.

لا يقتصر الاشتراك في هذا التقليد على الأفراد العاديين فقط، بل إن الكثير من الخدع المؤثرة والكبيرة كانت بفعل مؤسسات وشخصيات عامة وقنوات إعلامية كذلك، نعرض عليكم بعضا من هذه الخدع التي حازت على شهرة كبيرة وظلت ذكراها ممتدة لسنوات.
ثورة بركان زائفة
استيقظ سكان مدينة ستيكا بولاية ألاسكا الأميركية في الأول من أبريل/نيسان 1974 على دخان أسود يتصاعد من البركان القريب منهم والخامل لما يزيد عن 400 عام، فاجتاحهم الذعر وتركوا منازلهم وظلوا في الشوارع محدقين في الدخان، وانهمرت الاتصالات على مراكز الخدمة بالمدينة مليئة بالتساؤلات إن كان من المتوقع أن يثور البركان قريبًا، وهو ما دفع خفر السواحل إلى استقصاء الأمر ليجد 70 إطار سيارة محترقة كانت خلف البركان، مع كلمة “كذبة أبريل” مكتوبة بسائل مرشوش على الجليد.

المسؤول عن تلك الكذبة كان أحد سكان المدينة ويدعى أوليفر بيكار، الذي أتته فكرة هذه الخدعة عام 1971 وظل يجمع إطارات السيارات منتظرًا ثلاث سنوات حتى يصبح المناخ الجوي مناسبًا لتنفيذ خدعته، ونفذها بمساعدة بعض أصدقائه، بحسب موقع هوكسز (Hoaxes).

قبل تنفيذ خدعته، أبلغ بيكار السلطات المحلية والشرطة بالأمر، ولكنه أسقط سهوًا إبلاغ خفر السواحل، مما جعلهم يقومون بالفعل باستكشاف الأمر وكشف الخدعة، لم يتوقع بيكار رد الفعل الذي قابله بعد معرفة الجميع بأمر الخدعة، فبجانب أن سكان المدينة وخفر السواحل لم يغضبوا منه، فقد انتقل خبر خدعته إلى الوكالات العالمية التي نشرتها فظلت تتناقل حكايتها حتى يومنا هذا.‏
ويمارس بعض الأصدقاء، كما يقول الدكتور حسين الخزاعي، المزاح أو الكذب في هذا اليوم مع أصدقائهم، الذين يعرفون جيدا ماذا ينتظر كل واحد منهم أو ما طموحاته، لذا يبادرون إلى إبلاغهم عن أشياء ينتظرها كل واحد منهم، لهذا ينجح «المزيحة» بتمرير مزحاتهم إلى أصدقائهم الذين يستقبلون الكذبة بفرح وسرور وبهجة وينسون أن الموضوع كله «خدعة نيسان» أو مزحة من صديقهم، لتبدأ بعدها سلسلة المعاتبات جراء هذه الخدعة.
وهناك أفراد في المجتمع، بحسب الخزاعي، منغمسون في أعمالهم والبحث عن لقمة العيش، وينسون تلك المناسبة، فيقعون في صدمة الواقع، مؤكدا على أهمية أن تبنى العلاقات المجتمعية على الصدق والمحبة والتعاون والشفافية والوضوح.
وهذا ما يذهب إليه مطارنة، إذ يلفت إلى أن المجتمع الذي نعيش فيه لا يحتاج إلى مثل هذه الكذبات، وإنما بحاجة إلى ما يريح أعصابه ويفرح قلبه، لاسيما في زمن الحروب والجرائم والكوارث الإنسانية التي تحيط به.
ويؤكد الخزاعي ضرورة تجنب المزاح في هذا اليوم مع «كبار السن، أو المرضى أو الأصدقاء المعروفين بالعصبية والنرفزة السريعة أو سليطي اللسان الذين يطلقون الكلام الجارح»، خشية ردة فعل هذه الفئة من الناس.
وتظل «كذبة نيسان»، من وجهة نظر الخزاعي، سلوكا اجتماعيا خاطئا وممقوتا ومرفوضا دينا وعقلا وشرعا حتى لو كان من باب المزاح، محذرا من التفنن في اختراع الكذب وتداوله وبخاصة أنه قد يلحق الأذى والضرر والصدمة لبعض أفراد المجتمع. ويطالب الخزاعي بضرورة محو «كذبة نيسان» من الوجدان، حتى لا يتوارثها الأبناء والأحفاد كما توارثناها منذ القدم، خصوصا وأن البعض للأسف يتباهى في ممارستها.