مرايا – ايه قمق – تتجه الدول المتقدمة بشكل قوي للعمل المهني والحرفي والتي تجعله جزءاً من خططها واستراتيجياتها وموضوع بغاية الأهمية ضمن اقتصادها فهي تفتح المجال أمام الشباب في العمل على الحد من البطالة.

ونجد أنه لدينا في الأردن عدداً من المؤسسات التي تعنى بالتدريب المهني بهدف تشجيع الشباب على العمل المهني، وبالرغم من ذلك نجد هناك عزوفاً من الشباب على العمل المهني، من هذه الأسباب بسبب الموروث الثقافي أي ” ثقافة العيب ” أنه من العيب أن يعمل في مهنة بل يجب أن يكون إدارياً أو مسؤول، وبعض الشباب يرون أن المجتمع ينظر لهم إذا عملوا بالمهن الحرفية نظرة دونية، وبعض الفتيات لا يقبلن الزواج من صاحب الصنعة ويفضلن الارتباط بشاب موظف وذي مكانة مرموقة في المجتمع، علاوة على ضعف العائد المادي للمهن اليدوية وارتفاع مستوى الفرد وتطور المجتمع الذي أصبح لا يحتاج إلى بعض هذه المهن القديمة، فبعد أن كان العمل اليدوي هو وسيلة الإنتاج الوحيدة قبل أن تتحول معظم المجتمعات للاستهلاك كبديل للإنتاج، أصبحت المصانع تقوم بصنع كل شيء وزاد الاستيراد من الخارج.

اليوم نرى أعداد الشباب العاطلين عن العمل في تزايد هائل كل يوم، علينا أن نعمل على تشجيع في العمل بالحرف والمهن، والعمل على كسر ثقافة العيب.

على مدار التاريخ البشري عرف البشر مئات المهن والحرف، التي نشأ أغلبها لتلبي احتياجات الناس المعيشية وتيسر أمور حياتهم اليومية، فيما نشأ البعض الآخر من رحم ظروف اجتماعية وحقب تاريخية معينة، اقتضتها أحياناً ظروف سياسية أو اقتصادية ـ وأحيانا دينية ـ تمر بها المجتمعات.

ولأن الزمن يدور دورته كما يقولون، فلم يكن غريباً أن تلوح في الأفق عشرات المخترعات والابتكارات الجديدة التي تهدد عرش تلك المهن والحرف القديمة، وبخاصة في ظل الطفرات التكنولوجية المتلاحقة التي يشهدها العالم في العصر الحديث، ومن ثم بات بعضها في طي النسيان، ومازال بعضها الآخر يصارع من أجل البقاء.

قيل قديماً «صنعة في اليد أمان من الفقر» لذا كان جيل الأمس القريب أحرص الناس على إتقان حرفة تقيه من ذل السؤال في زمن كان السبيل الوحيد فيه إلى شق طريق الحياة بالإنخراط في العمل الحرفي وذلك قبل معرفة الناس للوظائف الحكومية والخاصة التي ضمنت لهم العمل براتب ثابت شهرياً وعرف الناس الإنخراط في الوظائف العامة التي أغنت الكثيرين منهم عن العمل اليدوي الحرفي، ففي الأمس القريب لم يكن الناس يعرفون سوى بني جلدتهم في تقديم الخدمات لهم فلم يكن هناك عمالة وافدة تقوم بهذه الأعمال، ومن هذه الحرف الرعي والزراعة والاحتطاب والبناء وغيرها، وقد كانت بداية الناس في هذا الشأن بسيطة والكل سعيد بما يقدمه من عمل وإن كان شاقاً لأنه في النهاية مصدر رزق، والناس كلهم منخرطون في هذه الأعمال ولا يرون في الكسب من عمل اليد انتقاصاً من الشخص فلم تكن ثقافة العيب التي عرفناها في أيامنا هذه موجودة لديهم، ويكفي صاحب الحرفة فخراً بأنه قد غنم من كسب يده في الدنيا والآخرة ففي الدنيا كسب معاشه وفي الآخرة كسب رضا ربه ومغفرته.

ولذلك عاش مجتمعنا فيما مضى عيشة كريمة وإن كانت حياته فيها قسوة بسبب شظف العيش ولكنه ثابر وحاول أن يجد له أي عمل يقتات هو وعائلته منه، والبعض منهم ممن لم يجد له مجالاً للعمل تغرب عن وطنه وأهله من أجل سد رمق جوعه أو جوع من يعول فضرب في مشارق الأرض ومغاربها حتى استطاع بكد يده وعرق جبينه أن يقهر الظروف ويعيش حياة كريمة، وعندما يقوم كبار السن بنقل القصص والأخبار إلى الأحفاد بما كان يقاسونه من جهد وتعب في سبيل تحصيل لقمة العيش من خلال الانخراط في العمل اليدوي والحرفي فان البعض لا يكاد يصدق بأن هذا كان في الأمس القريب، وتكفي زيارة واحد إلى أطلال القرى والمدن ليرى النشء الجديد مدى دقة عمل الأجداد في العمل الحرفي من خلال البناء الذي لم يشاركهم فيه أحد من العمال من خارج البلاد أو في حفر الآبار بدقة متناهية وغيرها من الصناعات اليدوية الدقيقة كصناعة الأثاث من خشب أو نحاس أو حديد والتي تغص بها جنبات المتاحف في مختلف المناطق، وفي عصرنا الحاضر تراجع العمل اليدوي والحرفي حتى كاد أن ينقرض لولا وجود بعض كبار السن ممن يحبون هذا العمل فاستمروا به، أو وجود عدد من اللجان والمراكز والجمعيات التي شجعت على استمرار العمل اليدوي كمصدر دخل خصوصاً للأسر المنتجة التي كانت فيما مضى أسراً محتاجة تتلقى الدعم من عدد من الجمعيات الخيرية والتي أضحت اليوم أسراً منتجة بل إن البعض قد جعل من هذا العمل مؤسسة إنتاج أو شركة ناجحة تستعين بعدد من أبناء وبنات الوطن للعمل بها، وفي ظل انتشار البطالة فإن في الاتجاه إلى مزاولة العمل اليدوي والحرفي سبيلا من سبل القضاء عليها وهو ما بدأنا نشاهده ولكنه بقلة شديدة رغم النجاحات التي حققها هؤلاء الشباب العصاميون من الجنسين.