مرايا – باشرت النيابة العامة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بتفعيل نظام تلقي الإنابات القضائية من المدعين العامين، الاستماع إلى شهادة المجني عليهم في الاعتداءات الجنسية من داخل إدارة حماية الأسرة، وباستخدام التقنية الحديثة.

ويأتي تفعيل هذا الإجراء استنادا إلى المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي تنص على أنه “يجوز للمدعي العام أن ينيب أحد قضاة الصلح بمنطقته أو مدعي عام آخر لإجراء معاملة من معاملات التحقيق في الأمكنة التابعة للقاضي المستناب، وله أن ينيب أحد موظفي الضابطة العدلية لأي معاملة تحقيقية عدا استجواب المشتكى عليه”.

كما تنص على أنه “يتولى مستناب من قضاة الصلح أو موظفي الضابطة العدلية وظائف المدعي العام في الأمور المعنية بالاستنابة”.

وتستهدف هذه التقنية تجنيب الطفل الحضور إلى دائرة المدعي العام للإدلاء بشهادته، وأن يُكتفى بشهادته المأخوذة من قبل مدعي عام منتدب من ضباط إدارة حماية الأسرة داخل الإدارة ذاتها، والتي يتم تصويرها بتقنية الفيديو ليتم استخدام التسجيل من قبل المدعي العام، الأمر الذي يوفر على الطفل الضحية “إعادة الإدلاء بشهادته”، وذلك في سبيل تحقيق المصلحة الفضلى للطفل وتجنيبه تكرار سرد وقائع الإعتداء.

في هذا السياق، قال نائب عام محكمة الجنايات الكبرى القاضي أشرف العبدالله، في كلمته خلال جلسة مؤتمر مبدأ المصلحة الفضلى للطفل/ حق الطفل بالحماية من العنف” الذي نظمته مديرية الأمن العام والمجلس الوطني لشؤون الأسرة الاسبوع الماضي، إنه “بإستعراض الجرائم التي تدخل باختصاص محكمة الجنايات الكبرى يتبين أن جُل الضحايا لجرائم الاعتداءات الجنسية هم من فئة الأطفال، وبالتالي بدت الحاجة مُلحة لتخصيص هيئة تُعنى بالنظر بقضايا الاعتداءات الجنسية التي يكون الضحايا فيها من فئة الأطفال تحقيقاً لمصلحة الطفل التي تتمثل بإيلاء تلك القضايا الأهمية وحصرها بهيئة واحدة لتحاشي حضور الطفل لدى هيئات متعددة”.

وتابع إنه في العام 2005 بدأت المحكمة باستخدام تقنية الربط التلفزيوني عند الاستماع لشهادة الأطفال بصفتهم مجني عليهم في قضايا الاعتداءات الجنسية، إلا أن استخدام المحكمة لهذه التقنية “لم يكن بشكل دائم، وذلك بسبب مشاكل تقنية ومشاكل أخرى تتعلق بتأهيل العناصر البشرية على استخدام هذه التقنية وايلائها الأهمية اللازمة”.

وأوضح انه في العام 2011 تم تخصيص هيئة للنظر بالقضايا المتعلقة بالأطفال وتم تجهيز غرفة مقابلة لقاعة تلك الهيئة ومرتبطة بها من خلال الربط التلفزيوني المباشر، بحيث اصبح يتم الاستماع لشهادة الأطفال المجني عليهم أو الشهود في تلك الغرفة وتتمكن الهيئة الحاكمة والنيابة العامة والمتهم والدفاع من مشاهدة ذلك الطفل أثناء إدلائه بشهادته، وتم تصميم تلك التقنية بحيث لا يشاهد الطفل اي شخص داخل القاعة، باستثناء رئيس الهيئة الحاكمة الذي له إذا تطلب الأمر تمكين الطفل من مشاهدة أي شخص آخر”.
وفيما يخص الإحصائيات المتعلقة بعدد القضايا والتي يكون الضحايا فيها هم من فئة الأطفال بجرائم جنسية وتم الاستماع إلى شهاداتهم من خلال التقنية الحديثة، بين القاضي العبدالله أنه وفي العام 2016 ورد لتلك الهيئة 332 قضية اعتداء جنسي واقعة على الأطفال (هتك عرض واغتصاب وخطف جنائي)، وفي العام 2017 كان عدد تلك القضايا 278 قضية، بينما كان العدد في هذا العام وحتى شهر تشرين الأول (اكتوبر) 319 قضية.
وخلص الى ان نحو 300 طفل سنوياً يراجعون محكمة الجنايات الكبرى كمعتدى عليهم بقضايا الاعتداءات الجنسية، وهذا بخلاف الشهود بتلك القضايا ممن هم من فئة الأطفال، وقال “ان هذه الأرقام تعني بأن هؤلاء الأطفال أيضاً مضطرون للمثول أمام دوائر الادعاء العام بكافة أنحاء المملكة إضافة لمثولهم أمام دائرة مدعي عام الجنايات الكبرى”.
ولفت العبدالله الى التعديل الاخير لقانون أصول المحاكمات للعام 2017، في المادة 158 منه، حيث “جاء تحقيقاً لمصلحة الطفل الفضلى وذلك بوجوب الاستماع للطفل المجني عليه بجرائم الاعتداء على العرض من خلال التقنية الحديثة ما لم يتعذر ذلك”.

لكنه بين أنه ولغاية هذه اللحظة “فإن دوائر الادعاء العام بما فيها الجنايات الكبرى غير مجهزة بوسائل تقنية حديثة للاستماع لشهادة الطفل المجني عليه”. موضحا انه جراء تعذر ذلك قامت “الجنايات الكبرى” بالتعاون مع المجلس الوطني لشؤون الأسرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وإدارة حماية الأسرة بتفعيل الإنابة القضائية الواردة بالمادة 92 من “أصول المحاكمات”، وذلك بتدريب وتأهيل ضباط من إدارة حماية الأسرة على تلقي إنابات قضائية من المدعين العامين للإستماع لشهادة الطفل المجني عليه بإعتداء جنسي داخل إدارة حماية الأسرة وباستخدام التقنية الحديثة وقد تم البدء بتطبيق هذه التجربة على أرض الواقع ابتداءً من الشهر الماضي”.

واعتبر العبدالله ان تجربة محكمة الجنايات الكبرى باستخدام الربط التلفزيوني هذه “حققت أهدافاً ايجابية في سبيل تحقيق المصلحة الفضلى للطفل إلا أن هناك بعض العيوب التي يمكن التغلب عليها”.
وعد من تلك العيوب “ان الطفل ووفقاً لهذه التقنية يضطر للحضور لمبنى المحكمة والدخول إليها واحياناً كثيرة يدخل من ذات القاعة التي يتواجد بها الشخص الذي قام بالاعتداء عليه، للوصول للغرفة الخاصة والمجهزة بالربط التلفزيوني، وكل ذلك له تأثير بالغ على هذا الطفل بالنظر إلى أن المحكمة تختص بقضايا بالغة الخطورة كالقتل”.

كما ان من العيوب “تعطل الربط التلفزيوني وقيام المحكمة مضطرة إلى الاستماع إلى الطفل بالطرق التقليدية، اضافة الى عدم تجهيز دائرة مدعي عام الجنايات الكبرى بوسائل التقنية الحديثة، ما يعني حضور الطفل للدائرة”.

وقال أن هذه المشاكل جميعها من الممكن حلها وذلك بإستخدام تقنية الاستماع إلى شهادة الأطفال سواء لدى المدعي العام أم امام المحكمة عن بُعد.

من جانبه قال مدير ادارة حماية الاسرة العقيد فخري القطارنة إن الهدف الأساسي من استخدام المقابلة المصورة بالتحقيق مع الأطفال هو “تجنيب الطفل تكرار سرد وقائع الاعتداء الذي وقع عليه أمام أكثر من شخص أو أكثر من جهة، والتخفيف على الطفل وذويه من خلال تخفيف وطأة الإجراءات القانونية وتعقدها وتشعبها وبما يحقق مصلحة الطفل الفضلى”.

وبين أن المقابلة المصورة “توفر العديد من الميزات التي تفتقد إليها الافادات الخطية المكتوبة، فهي مباشرة من الطفل الضحية، وقريبة من وقت وقوع الحادثة أو وقت التبليغ عنها بحيث يستطيع الطفل إعطاء كافة المعلومات التفصيلية عنها اضافة الى أنها تتصف بالتسلسلية والمنطقية والموضوعية والشمولية لاحتوائها على كافة المعلومات اللازمة عن الطفل وأسرته وبيئته وعن الواقعة وملابساتها”.

كما تمتاز التقنية بانه يمكن من خلالها التعرف على مدى صدق الطفل من خلال ألفاظه وعباراته ومن خلال رصد الانفعالات والإشارات غير اللفظية التي تصدر عنه أثناء مقابلته، وتعطي صورة واضحة لمن يشاهدها عن طبيعة الظروف التي أحاطت بالطفل وقت إدلائه بأقواله ،وتنفي أو تثُبت تعرضه للضغط والإكراه، او للتوجيه.
وزاد ان تسجيل الفيديو وسيلة سهلة لاسترجاع المعلومات من خلال إمكانية مشاهدة المقابلة أكثر من مرة وفي أي وقت دون نسيان أي جزء من المعلومات المسجلة الأمر الذي لا توفره اية وسيلة أخرى. كما لفت الى إمكانية استخدام الشريط المصور من قبل جهات أخرى معنية لغايات علاجية أو إرشادية كالطبيب الشرعي أو النفسي أو الخدمات الاجتماعية.