مرايا – ما أن يحين أذان المغرب حتى تتجمع أفراد الأسرة الواحدة على مائدة الإفطار، في لحظات يسودها السعادة والمحبة، إلا أن الكثير من الأسر الفلسطينية افتقدت تلك اللحظات، بل أنها أصبحت مدعاة للحزن والألم، مع تذكر أحبة غيبت رصاصات الاحتلال أجسادهم قسراً عن موائد الطعام.

جاء رمضان هذا العام وغزة غارقة في الحزن والأسى على ذوي الشهداء، لفقدانهم أبنائهم الذين كانوا معهم في رمضان الماضي، فعائلة الفتى عز الدين السماك (14 عاماً ( احدى العائلات الفلسطينية التي تعيش مرارة الفقد بحرارة، فيقول شقيقه عامر:”لم يترك جمعة من مسيرات العودة إلا وتوجه إليها، مصطحباً معه مقلاعه الذي صنعه بنفسه, ليقارع به جيش الاحتلال, وكان أحياناً يغادر المنزل سراً خوفاً من منعه من الذهاب خاصة في فترة الاختبارات”.

استشهد يوم إجازته

وفي يوم النفير الذي كان أول أيام العطلة المدرسية توجه بصحبة أحد أصدقاءه إلى خيام العودة شرق البريج, مصطحباً معه المقلاع كعادته, وأثناء جمع الحجارة جلس على تلة ليستريح قليلاً, وما أن غادر المكان حتى باغتته رصاصة قناصة إسرائيلية فأوقعته أرضاً.

ويروي شقيه عامر أن بعد ذلك نقله المسعفين لسيارة الإسعاف ثم إلى المستشفى وفي داخلها فارق الحياة.

ويرجع هنا عامر بذاكرته للخلف مستذكراً ذكريات شقيقه قائلاً :” عز الدين كان أصغر الأشقاء والابن المدلل للعائلة, وكان مستواه الدراسي جيد جداً, وشخص عملي يحب العمل وقد حصل على بطولات في السباحة ودورات في الإنقاذ “.

ويقول لـ”أمد” :”كلما مررت بالقرب من نادي السباحة تذكرت شقيقي, والمنافسة بيننا رغم أنني أكبره 11 عاماً , وفي أول يوم من رمضان توجهت عصراً للمقبرة لزيارة قبره والترحم عليه”.

آلام الفراق

ويستذكر ذكرياته الرمضانية بدموع العين:” جاء رمضان وبدأت الذكريات تراودني، كخروجنا معاً لصلاة الفجر بعد تناول وجبة السحور فمنذ صغره وهو لا يترك صلاة الفجر في المسجد خاصة في شهر رمضان “ومع أول صلاة فجر برمضان اليوم تذكرته وبكيت على فراقه “.

ويواصل الحديث :”عز الدين أول من تفتقده العائلة عند تناول أي وجبة طعام, واليوم يغيب عنا لأول مرة وأشعر بمرارة ألم لا يمكن وصفها فهي قاسية للغاية”.

أما والدته فاكتفت بالقول أنظر إلى مكان جلوسه على مائدة الإفطار بحسرة وألم الفراق وأتذكره دائماً عندما تجتمع العائلة ولا أجده بيننا، وبتنهيدة ممزوجة بالحزن تقول: لا يغيب عز الدين عن خاطري لحظة واحدة خاصة ساعة الإفطار والسحور ممزوجة بضحكاته وأصواته، التي كانت تملأ البيت قبل استشهادهم، منوهةً إلى أنها ابتعدت عن اعداد الطعام المفضل له، فكم هذه اللحظات قاسية ومريرة.

شهادة كتبت بالدم

أما الطفل جمال عفانة (15 عاماً) الذي توجه إلى السياج الفاصل شرق محافظة رفح في جمعة النذير التي سبقت مليونية العودة, ونال الشهادة التي كتبت بالدم قبل أن يتقدم للاختبارات النهائية للصف التاسع.

ويقول والده كنت أنتظر إنجازه للمرحلة الإعدادية ودخوله الثانوية العامة العام القادم, لكنه اختار شهادة غير الشهادة الدراسية.

ويضيف بشعور ممتزج بالألم والرضى بقضاء الله أفتقد جمال على مائدة الإفطار فهذه أول مرة يغيب عنا, وتلتفت والدته إلى مجلسه على السفرة, متجرعة مرارة فراق ابنها, ومتذكرة رمضان الأعوام السابقة عندما كان بين إخوته.

ويتابع قائلاً: ” كان جمال ينتظر شهر رمضان على أحر من الجمر ليقوم بتعليق الزينة, ويساعد إخوانه في المنزل, ويقوم بإعداد السحور معهم وممازحتهم , فقد كان لطيفا بتعامله, قريباً من الجميع .

فخر ودموع

بدوره قال أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى درداح الشاعر :” بحجم فخر واعتزاز الأسر بأبنائهم الشهداء, إلا أن هناك الكثير من الألم والحزن والدموع لفراق الابن, وغيابه عن البيت خاصة في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان الذي تجتمع فيه العائلة على مائدة الإفطار يومياً”.

ويضيف لـ “أمد” ” عزاء أهل الشهيد ” الدرجة التي نالها وعظيم الأجر لأهله, والشهادة جزء من حياة الشعب الفلسطيني وهي طبيعة كل شعب يقع تحت الاحتلال, غير أنها جزء من العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها الفلسطينيين “.

ولفت إلى ضرورة أن تساعد الأسرة أم الشهيد في تخطي محنة فقد ابنها من خلال التجمع حولها دائماً وكسر حالة العزلة والوحدة التي ممكن أن تنتابها, وألا تتعرض لمواقف تذكرها بفقدان أحد أفراد الأسرة بالإضافة إلى محاولة شغلها بمناسبات اجتماعية من شأنها أن تخفف الألم النفسي.

وأوضح أن صور الشهيد تبعث على الفخر والاعتزاز لدى الأسرة لكن يجب أن لا يتعرض لها أفراد الأسرة دائماً وخاصة أمه وأخواته, مشيراً إلى ضرورة حجب صور الشهيد بعد الاستشهاد لما لها من تفتيح الجروح من جديد.

وبين أن على المجتمع دور يتمثل في زيارة أهالي الشهداء بشكل دائم في المناسبات الدينية وتقديم كل ما يحتاجون، خاصة إذا كان الشهيد هو معيل الأسرة, مع ضرورة تعزيز مبدأ التكافل.

وانطلقت في 30 آذار الماضي الموافق يوم الأرض مسيرات العودة الكبرى وبلغت ذروتها يوم النفير العام الرابع عشر من أيار, عندما استنفر الشباب الغزي إلى المناطق الشرقية من قطاع إحياء لذكرى يوم النكبة واحتجاج على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

ما أدى إلى استشهاد ما يقارب 120 شهيد، من بينهم, 62 سقطوا في يوم مليونية العودة، بحسب ما أفادت به وزارة الصحة. امد للاعلام