مرايا –

فيما أقرَّ مجلس الوزراء أخيرا تعليمات التحليل والتقييم الكمِّي والموضوعي للوظائف القياديَّة العليا في القطاع العام، لتحقيق العدالة والشفافية في تحديد رواتبها، أكد خبراء إداريون أن تسعير الوظائف (تحديد رواتبها) ضرورة مهمة لتحقيق العدالة بالأجور سواء داخل الجهاز الحكومي من حيث التمايز بين وظيفة وأخرى من وظائف القطاع العام القيادية، أو بين هذه الوظائف ومثيلاتها في القطاع الخاص.

وبين الخبراء أنه كان يقع سابقا ظلم ملموس ناتج عن تدني رواتب المجموعة الثانية من الفئة العليا، إذ لا يعقل أن يزيد راتب مدير إدارة في الدرجة الأولى في بعض المؤسسات على راتب أمين عام وزارة، وهو ما يتنافى مع عدالة الأجور بين وظائف القطاع العام. 

وقالوا إن الأهم من ذلك هو عند تجديد عقود شاغلي تلك الوظائف، أو منحهم زيادة سنوية، وضع أسس تلتزم بها الجهات الحكومية لأن تطوير القطاع العام يرتبط بشكل كبير بوجود القادرين على تنفيذ المهام عبر إيجاد آلية حقيقية لتقييم أدائهم سنوياً ليصار إلى تجديد العقود أو تعيين موظفين جدد بعيداً عن أي مجاملة.

فيما بين آخرون أن الواقع التطبيقي سيكون غاية في الصعوبة والتقدير والقياس، حيث سيتم طرح آراء المعنيين من وجهات نظر محددة بعضها إداري، والآخر فني متخصص، وثالث اجتماعي وبيئي، ورابع سياسي وأمني وهكذا، لذلك من الصعوبة بمكان الفرز والتبويب الدقيقين لهذه الوظائف وتحديد درجة المخاطر التي يتم على أساسها تحديد راتب ومكافأة مختلفة لكل منها، ولذلك لا بد من اختيار مجموعة أولية كدراسة تجريبية لقطاع معين متقارب المهام والأهداف، وإن نجحت التجربة يمكن تعميمها على باقي القطاعات للدوائر العامة الأخرى.

لجنة التقييم

في هذا السياق، قالت وزيرة الدولة لتطوير القطاع المؤسسي السابقة، ياسرة غوشة، إن لجنة تقييم وتحديد رواتب الوظائف القيادية العليا تم تشكيلها بناء على المادة 6 من نظام القيادات الحكومية لعام 2025 وهو نظام يحدد كيفية تعيين واستقطاب الأشخاص ذوي الخبرة للاستفادة من خبرتهم في أجهزة القطاع العام. 

وأضافت غوشة: “لو عدنا للمقصودين بإشغال هذه الوظائف، فهم شاغلو وظائف المجموعة الثانية من الفئة العليا الذين يتولون قيادة جهود الموظفين في الدائرة لتنفيذ السياسة العامة والإستراتيجيات والخطط والبرامج، وإدارة الجهاز التنفيذي بما يضمن تحقيق الأهداف الوطنية والقطاعية، بمعنى أن تشمل الخطط، الأمين العام للوزارة، ومدير الدائرة أو المؤسسة المستقلة ومن في درجتهم، إضافة الى شاغلي الإدارة المتوسطة مثل مساعد المدير، وهي وظائف ذات حساسية عالية تتطلب خبرات معينة.”

وتابعت بأن نجاح الوزارة أو المؤسسة مرتبط بقدرات هاتين الفئتين بشكل كبير، لهذا يجب أن يتم اختيارهم بطريقة عادلة وشفافة مبنية على الحاجة الفنية والضرورة لعمل الجهاز الحكومي. 

وأضافت إن اللجنة المشكلة سيكون عملها منصبا على التكييف القانوني والفني لاعتبار هذه الوظيفة تحتاج إلى خبرة معينة تحددها الجهة الحكومية، فدور اللجنة سينصب على كيفية توزيع النقاط للوظيفة لتحديد متطلبات إشغالها وراتبها، وهو أمر إيجابي ينطوي على عدالة ويقدم الأفضل لمصلحة العمل، شريطة أن يتم كل ذلك بشفافية تامة، ويعلن عنه مسبقا، وهذا ما ستقوم به اللجنة. 

وقالت غوشة إن الأهم هو وضع أسس عند تجديد عقود شاغلي الوظيفة أو منحهم الزيادة السنوية، وهذه الأسس ينبغي أن تعتمدها اللجنة وتلتزم بها الجهات الحكومية لتجديد العقود السنوية، ذلك أن تطوير الجهاز الحكومي يرتبط بشكل كبير بوجود القادرين على تنفيذ المهام، عبر إيجاد آلية حقيقية لتقييم أدائهم سنوياً، ليصار إلى تجديد العقود أو تعيين موظفين جدد بعيداً عن أي مجاملة.

وزادت: “بهذه الطريقة، من أراد أن يحتفظ بعمله ويحصل على زيادة سنوية فيجب أن يقوم بتنفيذ متطلبات وظيفته التي تحقق أهداف الجهاز الحكومي الذي يعمل فيه، إضافة إلى أنه سيكون من مهام اللجنة تحديد رواتب الوظائف القيادية العليا، وهذا سيحقق العدالة إذا استندت إلى معايير علمية تطبق فعلياً على أرض الواقع.”

وقالت غوشة: “لهذا لا بد من وجود آلية لمراجعة التنفيذ والتأكد من أن هذه الأسس طبقت بشكل حاسم على كل الجهات، وليس بشكل متفاوت بين الجهات الحكومية، منها من يلتزم بها كلياً ومنهم من يلتزم جزئياً.”

وأضافت: “والأهم هو أن تحديد رواتب هذه الوظائف يتطلب النظر إليها استناداً إلى مدى الحاجة للتخصص في العمل في الوزارة أو المؤسسة، ولحجمها وعدد موظفيها وخدماتها وعدد المستفيدين منها.”

وقالت: “لا أرى أن الأمين العام في أي وزارة يقل أهمية عن زميله في وزارة أخرى، كما هو الوزير في مجلس الوزراء وفي وزارته لا يقل دوره عن أي وزير آخر، فكل له دوره بخدمة الجهاز الذي يعمل فيه، ويقدم الأفضل لتنفيذ أهدافه، والتي هي في النتيجة لخدمة الدولة والمواطن بغض النظر عن مجال التنفيذ.”

وزادت: “اعتماد هذه الأسس من مجلس الوزراء أمر طبيعي، لأن اللجنة شكلت من المجلس، لهذا يجب أن ترفع توصياتها للمجلس لينسجم مع نص المادة السادسة من نظام القيادات الحكومية.”

 ضرورة الشفافية

بدوره، بين أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا د. عبدالله القضاة، أن من الأهمية بمكان أن يتضمن وصف ومواصفات الوظائف القيادية الراتب المخصص لهذه الوظيفة، وأن يكشف عن هذا الراتب في الإعلان عن الوظيفة الشاغرة.

وأضاف إن تسعير الوظائف ضرورة مهمة لتحقيق العدالة بالأجور، سواء داخل الجهاز الحكومي من حيث التمايز بين وظيفة وأخرى من وظائف القطاع العام القيادية، أو بين هذه الوظائف ومثيلاتها في القطاع الخاص.

وقال القضاة إن هناك تفاوتا بين صعوبة وظيفة قيادية وأخرى، سواء من حيث المخاطر أو حجم المسؤولية أو النتائج المترتبة على القرارات التي تصدر عن هذه الوظيفة، إضافة إلى حجم المؤسسة وتعقيدها وامتداد عملها الجغرافي، مبينا أن هناك ظلما ملموسا ناتجا عن تدني رواتب المجموعة الثانية من الفئة العليا، فلا يعقل أن يزيد راتب مدير إدارة في الدرجة الأولى في بعض المؤسسات عن راتب أمين عام وزارة، لأن ذلك يتنافى مع عدالة الأجور بين وظائف القطاع العام. 

وزاد إنه “ومن هنا، تكمن أهمية تشكيل هذه اللجنة لتؤسس لمنهجية علمية تبنى على أساس موضوعي لتقييم جميع الوظائف القيادية، بحيث تضمن أن تكون هناك مسافة مقبولة بين راتب مساعد الأمين العام والأمين العام بحيث لا يتجاوز راتب المساعد مهما بلغت خدمته راتب الحد الأدنى للأمين العام، كما لا بد من تقليل التمايز بين رواتب شاغلي المجموعة الثانية من الفئة العليا، بحيث تبقى الفجوة مقبولة بين أعلى راتب أمين عام وراتب وزير لأنها واسعة جدا حاليا”.

وقال القضاة إن اهتمام الحكومة بهذا الأمر خطوة في الاتجاه الصحيح، نظرا لتعرض العديد من القيادات لظلم ربما غير مقصود في أجورهم، ونتطلع إلى نتائج أعمال اللجنة ونتمنى أن يكون التقييم موضوعيا وعادلا مع توفير درجة عالية من المرونة في المنهجية التي سيتم اعتمادها لهذه الغاية.

الوظائف وإعادة التقييم

من جهته، بين مدير عام معهد الإدارة العامة السابق د. راضي العتوم أن الوظائف العليا تحتاج أكثر من غيرها إلى تحديد تسعيرها، فهي تتولى إلى جانب مسؤولياتها القيادية، مسؤولية فنية غاية في الحيوية، خاصة وظائف الأمناء والمديرين العامين، حيث تعدّ أساس التوجيه والإشراف على تنفيذ الأعمال والأنشطة التي تقوم عليها وفقا لغاية وأهداف الدائرة المحددة بتشريعاتها.

وأضاف العتوم: “لا شك أن النظر في تعديل رواتب الوظائف القيادية وفقا لسلم فردي القياس، سيحتاج إلى إعادة تقييم أهمية الوظيفة ودرجة مخاطرها، وحجم المهام الواجب تحقيقها، واتساع نطاق العمل وتداخله مع أعمال الغير، ونطاق الإشراف الوظيفي، والمسؤولية القانونية للوظائف والوحدات الإدارية تحت نظام الإشراف، والمسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للوظيفة القيادية، والإنجازات المطلوبة منها ومن الوظائف تحت إطارها الإشرافي، لكل وظيفة قيادية.”

وزاد: “اعتمادا على ذلك، يجب أن يكون المقياس مفصلا لمجموعة الوظائف القيادية للمجموعة الأولى، بحيث تفصل إلى: مجموعة الوزراء؛ المجموعة الأولى، ولمجموعة الرؤساء؛ ورئيس ديوان الرأي والتشريع، والمحاسبة، وهيئة الخدمة العامة، وأمين عام الرئاسة، ورؤساء مجالس الإدارة، والسفراء، ومن يشبههم.”

وقال العتوم إن الواقع التطبيقي سيكون غاية في الصعوبة والتقدير والقياس، حيث سيتم طرح آراء المعنيين من وجهات نظر محددة بعضها إداري، والآخر فني متخصص، وثالث اجتماعي وبيئي، ورابع سياسي وأمني وهكذا، لذلك من الصعوبة بمكان الفرز والتبويب الدقيقان لهذه الوظائف وتحديد درجة المخاطر ليتم على أساسها تحديد راتب ومكافأة مختلفة لكل منها.

وأضاف إن ما يمكن فعله لتسهيل تنفيذ هذه الخطوة يكمن بتصنيف الوظائف القيادية في مجموعات متقاربة لدرجات التمايز، وبالتالي المخاطر، وليتم تقييم وتحديد بدلات مالية عادلة لكل منها.

كما اقترح العتوم تطبيق مجموعة أولية كدراسة تجريبية لقطاع معين متقارب المهام والأهداف، ثم إن نجحت التجربة يتم تعميمها على باقي القطاعات في الدوائر العامة الأخرى.

الغد