بهدوء
مرايا – كتب: عمر كلاب
نخشى الولوج بعمق في قراءة ازمة الاعلام الاردني, بتلاوينه المختلفة, وانحيازاته السياسية, خشية من غامض ما, يمكن ان يطال من يتقدم للقراءة والتحليل, ويلامس بعض الخارجين من رحم الاعلام الازمة, بسرعة وتسارع, تارة لانهم يقيمون خارج البلاد, وتارة لانهم تحللوا من عقدة الغامض, وسبب الملامسة السريعة والمتسرعة, انهم جزء من الازمة, فمعظمهم, شاركوا في الزفة والمولد, لكنهم تحرروا لاحقا, بفعل السببين السابقين.
بقي الاعلام الداخلي يصارع وحده, فتعدد المرجعيات الاعلامية منذ رحيل وزارة الاعلام بحجة الانفتاح الكوني, لم يحقق الغاية المُعلنة, في دولة مبنية على فقه الرسالة وليس على فقه غيره, ولم يسأل احد منا, ما هو جوهر الالغاء لوزارة اختلفنا معها كثيرا, لكنها على الاقل كانت قائمة على الفكرة وحارسة لها, فهل جرى التخلي عن الرسالة وبالتالي رحلت وزارة الاعلام؟ الجواب الواضح من سلوكيات الدولة ورأسها, لا , فما زال الاردن ممسكا على وعده القومي وعلى الارتباط الجذري بفلسطين وكل قضايا الامة.
اذن من الذي قاد فكرة تكسير الاعلام, الذي نجح في التصدي خلال عقود سابقة, لكل الهجمات على الاردن, وقاد ايصال رسالة الدولة وفقهها؟ اظن الجواب واضح ايضا, طبقة استسهلت كل شيء, وتعاملت مع الدولة كشركة, كما قال يوما احد منظري التسييل السياسي, فتارة وزير لشؤون الاعلام وتاليا وزير للاتصال الحكومي, واحيانا ناطق بدون حقيبة, وجرى العبث بكل وسائط الاعلام, فتكسرت اذرع الدولة الاعلامية, وبات الاعلام حاضرا في الموالد الرسمية فقط, وبلغة بالية ومكرورة.
الناطق الرسمي باسم الحكومة, كان وبالا على الاعلام, فقوته مربوطة بقربه من رئيس الحكومة, قبل ان يتحول الى موظف برتبة وزير, او ناطق رسمي لرئيس الحكومة, وليس للحكومة, واحيانا كثيرة يكون آخر من يعلم, فقد جلس على الكرسي وزراء لا يعرفون من السياسة الا اسمها, وكل علاقتهم بالاعلام مرور سريع على صفحات الصحف اليومية, علما ان هذا منصب سياسي بامتياز, ونذكر وزراء لم نسمع صوتهم ووزراء لا ندري عددهم في حكومة واحدة.
هل كان الجسم الاعلامي برئ؟ الجواب لا, فقد استكان الى الواقع, ونجحت نقابته في دورات عديدة, الى المساهمة في تكسيره, بعد ان تحول الصحفي الى موظف لا اكثر, وسرت البغضاء داخل الجسم كما النار في الهشيم, وهذا سلوك الموظف الذي يبحث عن الترفيع بأية طريقة وبدون جهد, ونجحت الحكومات في فرض قياداته تبعا للقرب او البعد من رئيس الحكومة, وليس لكفاءة او مهنية, وجرى ذبح الاعلام المستقل مهنيا وماليا بدون رحمة, وبصمت مطبق من النقابة والجسم الصحفي.
ونشط ما يسمى بالمؤثر على حساب الصحفي, في خطوة امعان في تكسير المهنة ومحترفيها, بل ان حكومات عديدة قربت وتقربت من المؤثرين حسب التسمية الرسمية, بشكل ممسوخ وممجوج, وتزلف لهم وزراء الملف الاعلامي, بالتزامن مع الانتكاسة المالية للصحافة الورقية, التي لم تطور ادواتها, لا لعيب فيها, بل لعيب مصنعي في قياداتها, التي جرى تعيينها على قاعدة الزبائنية والتنفيعات, وصار المبرر ضعف الصحافة الورقية, التي جرى اضعافها بقرار حكومي, حتى تبقى اسيرة الحاجة الحكومية.
اقول ما سبق, من دور الحكومات, لان الاعلام الفضائي, لم يحقق النجاح, وللاسباب السابقة, واقصد العبث والزبائنية, فبعد ان داهمنا الاقليم بالفضائيات الثقيلة, قرر نفس العقل انتاج فضائية كان الهدف منها محاكاة الفضائيات العربية, وللاسف جرى تحويلها بقدرة قادر الى وسيلة اعلام محلية, فميزانيتها لا تسمح بأكثر من ذلك, رغم انها استعانت بعقول لها تجاربها المهمة في الاعلام العربي الناجح, لكن الاعلام مال ومهنة, ولا اظنه تحقق, فتحولت الازمة الى التلفزيون الوطني, الذي جرى تحميله وزر الانهيار, رغم انه ضحية للحكومات المتعاقبة.
اما الاعلام الالكتروني فقد تعرض هو الآخر الى نفس الهجمة ومحاولة التكسير, رغم انه نجح في الوصول الى المتلقي الاردني بأكثر من غيره من وسائط الاعلام, لكنه تعرض الى موجة سيولة نتيجة التراخي في التراخيص, وقرار مسبق بتسييله حد الملل, ليضيع المهني بعروة المبتز او غير المهني, لكن على الاقل ما زالت بعض المواقع محافظة على زخمها وحضورها, رغم انها لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة, بل ان بعضها انتقل الى فضاء اوسع ليصبح مسموعا ومقروءا ومشاهدا.
هذا عرض سريع, سناتي على تفاصيله في المقالات التالية, حتى لا يبقى الاعلام اسير المحبسين, محبس الضغط الحكومي ومحبس قلة الموارد المالية, وتأسيس لمناقشة عامة, عن سر غياب الاعلام في الازمات, وسر بقائه في خانة عدم التأثير, لدرجة ان ناشط او مراسل قادر على التعتيم او الحاق الضرر بمنجز وطني كامل.