قالت مصادر دبلوماسية غربية لـ”الشرق” يوم الخميس، إن الإدارة الأميركية تجري اتصالاتها مع جهات إقليمية ودولية عدة، للبحث عن طريقة لإدارة قطاع غزة، حال نجاح إسرائيل في إسقاط حكم حركة “حماس” للقطاع، عقب الحرب.
وأضافت المصادر أن الخيار الأول الجاري بحثه هو “عودة السلطة الفلسطينية” لإدارة قطاع غزة، كما كان عليه الحال قبل سيطرة “حماس” في 2007، وذلك رغم إدراكها أن هذا الخيار “يتطلب تعزيزاً سياسياً ومالياً للسلطة، من خلال إعادة إطلاق عملية سياسية ذات معنى بينها وبين إسرائيل، وتوفير دعم مالي كبير لإعادة إعمار القطاع بعد الحرب”.
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، أعلن مؤخراً أن السلطة الفلسطينية “لن تقبل العودة إلى قطاع غزة إلا ضمن حل سياسي يشمل كامل الأراضي المحتلة عام 1967 التي تشمل الضفة والقطاع”.
لكن على الجانب المقابل، تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل انقساماً بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، إذ تحاول إدارة الرئيس جو بايدن تقديمها كـ”هيئة حاكمة في غزة”، بينما يعمل أعضاء اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إضعافها وحجب التمويل عنها، وفق ما أوردته صحيفة “هآرتس”.
الصحيفة ترى أن الانقسام يأتي مع تزايد قلق الأميركيين بشأن الوضع الراهن في الضفة الغربية، معتبرة أن السلطة الفلسطينية “ضعيفة بالفعل، وعلى وشك الانهيار”، إلى جانب تصاعد عنف المستوطنين، ما يهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر بعد الحرب على قطاع غزة.
ويتمحور الانقسام “الإسرائيلي – الأميركي” حول محاولات إدارة بايدن تعزيز السلطة الفلسطينية وتقديمها على أنها “الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني”، وهذا جزء من جهد أوسع من قبل البيت الأبيض لإعادة صياغة ارتباطاته مع الفلسطينيين، وسط انتقادات واسعة النطاق من الأميركيين العرب بأن بايدن “مكّن إسرائيل من تنفيذ عقاب جماعي للشعب الفلسطيني”.
ومع ذلك، هناك اختلافات كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، فالسياسيان المحسوبان على الوسط في إسرائيلي، واللذان انضما مؤخراً إلى الحكومة، وأصبحا عضوين في حكومة الحرب، وهما بيني جانتس، وجادي آيزنكوت، يعتقدان أن السلطة يمكن أن تكون “شريكاً فعالاً” نسبياً ضد “حماس” وغيرها، وأنه يجب تعزيزها من أجل العمل كثقل موازن للحركة التي تسيطر حالياً على غزة، بحسب “هآرتس”.
بلينكن إلى إسرائيل
ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى إسرائيل، الجمعة، لبحث مجريات الحرب والمرحلة التي تليها.
وقال بلينكن أمام لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، الأربعاء، إنه “سيكون من المنطقي للغاية أن تتولى سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة الحكم والمسؤولية الأمنية في نهاية المطاف عن غزة”.
وأضاف: “ما إذا كان بإمكانك الوصول إلى هناك بخطوة واحدة هو سؤال كبير علينا أن ننظر إليه. وإذا لم تتمكن من ذلك، فهناك ترتيبات مؤقتة أخرى قد تشمل عدداً من الدول الأخرى في المنطقة”.
ونشرت “بلومبيرغ” مؤخراً، تقريراً جاء فيه أن الولايات المتحدة وإسرائيل، تجريان مناقشات بشأن إنشاء قوة حفظ سلام مؤقتة متعددة الجنسيات في غزة بعد العملية العسكرية.
وقالت إن ذلك قد يتخذ إما شكل منح إشراف مؤقت لدول أخرى في الشرق الأوسط تدعمها قوات دولية، أو منح الأمم المتحدة حكماً مؤقتاً، أو إنشاء مجموعة مماثلة للقوة المتعددة الجنسيات التي تعمل على فرض معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
تصوّر “حماس”
من جهته، قال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، الأربعاء، إن الحركة قدمت للوسطاء تصوراً شاملاً يبدأ بـ”وقف العدوان الإسرائيلي، وفتح المعابر، وفتح المسار السياسي”، الذي يهدف إلى “إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس”، و”حق تقرير المصير”، و”تبادل الأسرى”.
وأضاف هنية في كلمة متلفزة، أن التصور الذي قدمته “حماس” يشمل صفقة لتبادل الأسرى وفتح المعابر ووقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “يماطل ويقدم وعوداً كاذبة”.
وأوضح هنية أن الحركة أبلغت الوسطاء أن من الضروري أن تتوقف هذه “المجزرة”، لافتاً إلى أن “الرهائن الإسرائيليين يتعرضون لنفس الدمار والموت الذي يتعرض له شعبنا”، فيما حض الولايات المتحدة على “وقف دعم إسرائيل عسكرياً، والتوقف عن عرقلة الجهود الدولية لإنهاء العنف في غزة”.
رؤية شاملة سلمية للحل السياسي
السلطة الفلسطينية أعلنت مؤخراً أنها “لن تقبل” العودة إلى قطاع غزة، إلا ضمن حل سياسي يشمل كامل الأراضي المحتلة عام 1967 التي تشمل الضفة والقطاع.
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، قال في مقابلة مع صحيفة “الجارديان” البريطانية: “هل تريد من السلطة الفلسطينية أن تذهب إلى غزة وتدير شؤونها دون حل سياسي للضفة الغربية، كما لو أن هذه السلطة تنطلق على متن طائرة F-16 أو دبابة إسرائيلية؟، أنا لا أقبل ذلك. رئيسنا (محمود عباس) لا يقبل ذلك. لن يقبل أحد منا ذلك”.
وشدد على أن “ما نحتاجه هو رؤية شاملة وسلمية، كما أن الضفة الغربية بحاجة إلى حل، ومن ثم ربط غزة بها في إطار حل الدولتين”.
وذكر مسؤولون مدنيون وعسكريون إسرائيليون، أن خطتهم لإنهاء حرب غزة هي أن يكون هناك شكل من أشكال السلطة الانتقالية التي تحكم القطاع، وربما تشارك فيها دول عربية، ما يؤدي إلى استعادة السلطة الفلسطينية، التي أطيح بها من غزة عام 2007، بحسب صحيفة “الجارديان”.
وأفاد تقرير لصحيفة “بوليتيكو”، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بأن بايدن بحث مع كبار مساعديه احتمالية أن تكون أيام نتنياهو السياسية “معدودة”، فيما قال البيت الأبيض إن هذه المسألة “ليست قيد المناقشة”.
وقال المسؤول الأميركي، إن التوقعات الداخلية هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي من المرجح أن يستمر لبضعة أشهر، أو على الأقل حتى تنتهي مرحلة القتال الأولى من الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وتأتي نظرة الإدارة الأميركية القاتمة لمستقبل نتنياهو السياسي في وقت يحاول فيه الرئيس بايدن وفريقه للسياسة الخارجية العمل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وتوجيهه دبلوماسياً، بينما تواصل بلاده مواجهة معقدة ودموية مع “حركة” حماس، التي تسيطر على قطاع غزة.