مرايا –

يرى مختصون وباحثون سياسيون أن سماح سلطات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة باستخدام مطار “رامون” في النقب، يحمل أبعادًا سياسية واقتصادية في آن واحد.
ويعتقد هؤلاء، أن خطوة الاحتلال تهدف إلى ربط الفلسطينيين مباشرة بالكيان سياسيًا، وتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب فلسطين والأردن.
ويُروّج الاحتلال- في سبيل الترغيب بالسفر عبر المطار- معلومات عن “تسهيلات في التنقل، وانخفاض في أسعار الرحلات المنطلقة من “رامون”، مقارنة بمطارات أخرى.
وعلى أثر الخطوة الإسرائيلية، صدرت عديد التصريحات من مسؤولين في السلطة الفلسطينية تحذّر من السفر عبر المطار، وتتوعد من يغادر عبر المنفذ الجوي الإسرائيلي.
وقال وزير النقل والمواصلات عاصم سالم إن الحكومة الفلسطينية تبحث فرض إجراءات وعقوبات على من يستخدمون المطار من الفلسطينيين “لأنه لا يمثل سيادة فلسطينية”.
لكن رغم ذلك، ادّعى المستشار الاستراتيجي لشركة “أركيع” الإسرائيلية للطيران أمير عاصي أن الرحلة الأولى التي أقلعت بمسافرين فلسطينيين من مطار رامون بالنقب المحتل إلى جزيرة قبرص في 22 أغسطس/ آب الجاري، جرت بتنسيق بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”.
وافتتحت “إسرائيل” مطار “رامون” عام 2019، لكن الإسرائيليين لا يرغبون بالسفر عبره لبُعده عن المركز، إذ يبعد نحو 340 كيلو مترًا عن مدينة القدس المحتلة.
وتبلغ مساحة المطار، الذي بلغت تكلفة بنائه 500 مليون دولار، نحو 14 ألف دونم، وهو الثاني من حيث المساحة في “إسرائيل”.
“خيوط القوة”
ويرى الباحث بمركز “يبوس” للدراسات الاستراتيجية سليمان بشارات أن الاحتلال يعمل بشكل متتابع ومبرمج لإعادة التحكم الكامل بمفاصل الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني.
ويوضح بشارات لوكالة “صفا” أن الاحتلال يهدف إلى “إبقاء خيوط القوة بين يديه، لدفع الفلسطينيين إلى عدم التفكير بمبدأ الانفكاك عنه، وإضعاف مفهوم السيادة السياسية على الأرض للسلطة الفلسطينية”.
ويبين بشارات أن الاحتلال يسعى لإحداث تكامل ما بين عمليات الاقتحام المتتالية للضفة والتحكم بكل تفاصيل حياة المواطنين، وتحويل وجود السلطة للمفهوم الإداري والخدماتي التابع فقط للإدارة المدنية.

وبحسب بشارات، فإن جميع إجراءات الاحتلال تهدف لتعزيز مفهوم “الدولة القومية اليهودية”، من خلال جعل الوجود الفلسطيني ضمن إطارها والتعامل معه كمكون وليس كصاحب أرض.
ويضيف “هذا الأمر يسهم أكثر في استكمال معادلة الاندماج الإسرائيلي في منظومة الشرق الأوسط وتحويل وجود الاحتلال إلى جزء منه وليس عنصرًا غريبًا”.
ويلفت الباحث إلى أن “إسرائيل” باتت تروج لنفسها ضمن عمليات التطبيع أن الفلسطيني موجود ويُمنح حقوقًا، وليس بمنظور احتلال وعداء، ما سينعكس على النظرة العربية والإقليمية تجاه القضية الفلسطينية.
مخاسر فلسطين والأردن
أما الباحث بمرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية إياد رياحي فيقول إن السفر عبر المطار سيعود بخسائر اقتصادية على فلسطين والأردن، ونقص في أعداد المسافرين عبر مطار الملكة علياء في عمّان.
ويرى رياحي، في حديث لوكالة “صفا”، أن “الاحتلال يسوّق موضوع التسهيلات لجذب أكبر عدد ممكن من مواطني الضفة لتشغيل المطار وكسب الأموال، على أن يعود لاحقًا إلى وضع قيود وتشديدات على حركة السفر بعد نجاحه في استقطاب أكبر عدد من المسافرين”.
ويلفت إلى أن الاحتلال سيتعمد لاحقًا ابتزاز الفلسطينيين المسافرين عبر المطار، ووضع إجراءات وعربدة أمنية، مثل “قضية تصاريح العلاج”.
إشكالية المسؤول والمواطن
ويتطرق رياحي إلى دعوة مسؤولين في السلطة الفلسطينية لمقاطعة السفر عبر مطار “رامون”، منتقدًا ازدواجية المعايير.
ويقول الباحث: “إذا أردنا عمل مقاطعة لرامون؛ فيجب على القيادة مقاطعة مطار بن غوريون وأن يكونوا قدوة للناس”.
ويشير إلى أن “السلطة بدأت بخطاب عالٍ لمطالبة المواطنين بمقاطعة السفر عبر المطار، لكنها تتغاضى عن الامتيازات وبطاقات “VIP” وتسهيلات السفر عبر مطار بن غوريون لمسؤوليها”.
ويرى الباحث أن “المشكلة الأساسية تقف عند الفجوة في الثقة بين الجمهور والسلطة، في ظل المعاناة التي يعانيها الناس على المعابر الحدودية في مقابل تنقل المسؤولين بسهولة من خلال امتيازات خاصة عبر مطارات الاحتلال”.