مرايا – كتب – عمر كلاب

يهدف أي اقتصاد إلى رفع ثلاثة مؤشرات، وإلى خفض ثلاثة متغيرات، أما المؤشرات التى يسعى لزيادتها، فهي الاستثمار، والنمو، والتصدير، والمتغيرات التي يريد خفضها هي التضخم، والبطالة، والديون، وأي متغيرات أخرى، فهى متغيرات وسيطة لتحقيق هذه الأهداف الستة، مثل زيادة الادخار، فهذا مهم لزيادة الاستثمار؛ وخفض معدلات الفقر، فهذا مفهوم كهدف نهائي لخفض البطالة والتضخم وهكذا, ولا شك أن الاقتصاد الأردني عانى كثيراً في فترة ما بعد «الربيع العربي» وانقطاع الغاز المصري وأزمة السندات 2008، وكلها أسباب ما زالت حاضرة حتى اللحظة.

لم ينجح الاقتصاد في استثمار الطفرات التي سبقت هذه الاحداث, فوصول نسبة النمو الى ارقام قياسية في السابق لم ينعكس على التنمية, لاسباب متعددة ليس اولها نمط السياسة المالية المعتَمد واستئثار الرأسمال المالي بكل العوائد, ولا آخرها ثورة الاسهم وادارتها المالية وليس الاقتصادية, ويكفي ان نقول ان سنوات الطفرة من 2004- 2008 صبت كلها لصالح سوق المال وليس لصالح الاقتصاد الكلي, فسوق عمان المالي نمت ارقامه الى حوالي 48 مليار دينار, في حين ان القيمة السوقية اليوم تقارب الـ 18 ملياراً, وربما هذا هو حجم الزيادة بالمديونية.
لكن المفارقة انه تم تأسيس 70 شركة في تلك الفترة, 20% منها فقط التزمت بعقد التأسيس, ما يعني ان انعكاس هذه الارقام على التنمية كان محدودا جدا, وكل ما حدث هو مجرد اوراق ومساهمات على الورق, فكانت المضاربة عنوان الحالة وليس الاستثمار, بدليل ان الاردن لم يشهد منذ حوالي 13 سنة تسجيل شركة مساهمة عامة واحدة, بل ان الشركات الكبرى الاردنية العاملة في الادوية او الخدمات قامت بالتسجيل في دول شقيقة, ولم يتوقف احد عند اسباب هذه الخطوة ومدى المعاناة التي واجهتها ودفعتها الى التسجيل خارج الاردن.
اليوم ونحن نشهد ورشات عمل اقتصادية عابرة للحكومات, يجب ان نقف طويلا امام تحدي الخروج من سطوة الرأسمال المالي, ودون تخفيف هذه السطوة فلن نحقق المأمول, فمثلا تحقق الجهات المصرفية 94% من دخلها من الفوائد, في حين ان هذه النسبة تصل الى 30% في الدول الغربية التي نصنفها بالدول الرأسمالية, لكن رأسماليتها متعددة الجوانب وليست محصورة في ايدي الجهات المصرفية, ناهيك عن تحول كل المؤسسات المصرفية المتخصصة الى مؤسسات مصرفية تجارية, فلم يعد هناك نوافذ تمويل للقطاعات الاقتصادية, فبنك الصادرات ذهب وكذلك بنك الانماء الصناعي.
وبالعودة الى الإحصائية السابقة للقطاعات المصرفية, فإن 70% من دخل المؤسسات المصرفية هو من الخدمات وليس من الفوائد, بالمقابل تحقق مؤسساتنا المصرفية 6% فقط من دخلها من الخدمات, لذلك نعيش حالة التشوه العجيبة التي يجب وضع مصدات لها, بحيث يتولى الاقتصادي ادارة سوق عمان المالي وليس المالي, ودون تصويب هذا الاختلال سنبقى ندور في نفس الفلك, مع ضرورة اعادة قراءة آلية تسجيل الشركات في سوق عمان المالي, بحيث نخفف من آثار عقود الوصاية على الاستثمار, فهل يعقل ان نضع اشتراطات تعجيزية للتسجيل, ولماذا نستورد كل الانظمة من الغرب ولا نستورد نظام تسجيل الشركات العامة ومناهج طرحها للاكتتاب, فهل تسجيل خسارة في شركة يعني انهيارها؟
ثمة ما يشبه الاحتكار يمارسه الرأسمال المالي وهناك الكثير من الحلول الواجبة, فنحن لا نخترع العجلة, وبقاء نوافذ التمويل محتكرة في جهات بعينها لن يحقق المطلوب ولن ينقلنا الى التنافسية الحقيقية, فليست الازمة كلها في اسعار الطاقة ومدخلات الانتاج, بل ثمة عائق اكبر اسمه التمويل ونسبة الفوائد العالية.
الرأي
omarkallab@yahoo.com