لم يلتفت الغاضبون من غياب اسماء عن منصة التكريم في احتفالية عيد الاستقلال وربما معظمهم على حق , الى حجم حضور شخصيات راحلة او على قيد الحياة على نفس المنصة, وربما هذه هي المرة الاولى التي ينحاز فيها العقل الرسمي الى تكريم شخصيات على قيد الحياة بدل ظاهرة تكريم الاموات السائدة منذ عقود على المستوى الرسمي والشعبي,  فنحن شعب وربما اجازف واقول أمة, تنحاز الى تكريم موتاها دون الالتفات اليهم في حياتهم البائسة في اكثر الاحيان, وربما لو سمع المتوفي في حياته كمية بسيطة من حجم التقدير الذي لحقه بعد وفاته لنام في قبره سعيدا بدل لعنة القهر التي لازمته طوال حياته من التهميش والنسيان.

ما رأيناه على منصة التكريم في عيد الاستقلال يبعث على الراحة والاعتزاز, فالذوات والشخصيات التي حضرت اما وجاهة او عبر الابناء والاحفاد, قدمت واسهمت في رفعة الدولة كما هي الشخصيات التي غابت حسب رأي الغاضبين وهم قلة, ولكن ذلك لا ينقصهم قدرهم ووجاهة غضبتهم, فشخصيات من وزن القاضي الراحل موسى الساكت والراحل جمعة حماد ورياض المفلح وصدقي القاسم وبهجت التلهوني ورجا العيسى ويعقوب زيادين,تستحق التكريم, لكن الوقت لم يفت والمناسبات الوطنية قادمة وربما كان هذا اجدى بان يصل الى عقل الدولة بدل النقد الجائر والذي قد يُستخدم في افساد الفرحة باسترداد الدولة لعقلها وتكريم رجالاتها الاحياء منهم والاموات بعد فترة عبوس احسسنا بأن الدولة تستمع بأكل ابنائها بدل تكريمهم .

شخصيا, كنت اتمنى لو كان التكريم شاملا لكل رجال الدولة واقصد رجال المعارضة, ممن كانوا جزءا مهما من بناء الدولة, فلا دولة تنمو وتزدهر دون معارضة وطنية, والاردن زاخر برجالات المعارضة الاوفياء, مثل مؤسسي جماعة الاخوان المسلمين ورواد الحركة اليسارية والقومية ممن خالفوا في الرأي ولم يخالفوا في العفة الوطنية, فالاستقلال واعياده منجز للجميع, في الموالاة والمعارضة, ودعونا نستذكر حجم التضحيات التي قدمها الجميع من اجل الاستقلال والبناء الوطني العام, ومن ينكر دور المعارضة الوطنية بالضرورة يعاني من خلل في الفهم الوطني, لكن الايام قادمة والمناسبات الوطنية والاحتفالات الاردنية لن تنقطع بل ستزداد كل يوم بإذن الله وهمة الاردنيين وقيادتهم.

تبقى نقطة واجبة الاشادة في الحفل البهي على كثرة محاسنه, واظنها افرحت كل الاردنيين وربما اغرورقت عيون كثيرين , وهم يرون مساحة الدفء الملكي وتجاوز الملك عن كل المحاذير الصحية في زمن كورونا وكل البرتكولات المألوفة في اعتى الديموقراطيات, فثمة سلوك نبيل وعواطف حقيقية تسكن فؤاد الملك, تدفعه الى السلوك العفوي في احتضان امهات وسيدات اثقلهن العمر والمرض, وابداء الامتنان والاحترام لرجال وهنت عظامهم لكن عزيمتهم ما زالت مضاءة وعقولهم متقدة, وهذه كلمة سر وورقة شيفرة لم ينجح كثيرون من قيادات الاقليم في التقاطها, تماما مثلما عجز الخصوم عن فهم سيرورتها وسر ديمومة العلاقة بين الملك والشعب, الملك الهاشمي وشعبه بينهما علاقة مرسومة بحضن سيدة رأت ابنها او حفيدها في صورة الملك فكان الحضن مساحة واحدة للتعبير.

ما جرى في احتفالية عيد الاستقلال, يحمل بذور فرحة اذا اكملنا البناء عليه وتحول الى منهجية وسيرورة, في عقل الدولة ووجدانها, فقد سأمنا التهميش والاقصاء على المستوى السياسي والوجداني وآن الأوان لدخول المئوية الثانية بعقل وقلب مفتوحان على الاردنيين الذين يستحقون كل خير.

omarkallab@yahoo.com