بهدوء – عمر كلاب – تستطيع العين ان تحدد زاوية النظر التي ترغب رؤية الاحداث منها وبها , فكل عين ترى بنظرتها ومنظارها , ولا ضير ان تختلف زوايا النظر وتبعا لذلك تختلف المواقف , طبعا ضمن الحدود والثوابت الوطنية والقومية , وفي زمن المقاومة الطاغي اليوم تتباعد العدسات وتتقارب في زاوية النظر الى المشهد العام المحكوم بعوامل متنوعة من المواقف , تحديدا حيال صواريخ المقاومة وتأثيرها على الكيان الصهيوني وحتى جدواها بعد التفاعل الكوني مع قضية الشيخ جراح وتهجير سكانها في عودة الى المربع الاول من عمر النكبة الفلسطينية واقصد التهجير .
ثمة قولان داخل خندق الصراع اليوم وربما هناك انزياح او تلاقي من بعض اطياف المقاومة مع القول الذي يرى ان صواريخ المقاومة حرفت انتفاضة الاقصى والشيخ جراح عن انظار العالم لحساب الصواريخ الصادرة من غزة وكان الأولى الحفاظ على مدنية المقاومة والجنوح نحو اشكال مدنية على غرار مظاهرات ووقفات حق العودة على حدود قطاع غزة , مما يفسح المجال للنشاط الديبلوماسي كي يحقق اهدافه في الغاء قرار تهجير اهالي الشيخ جراح وفتح ابواب الاقصى للمصلين وتخفيف التضييق .
ربما يحمل هذا الرأي منطقية او مشروعية سياسية , لكنه يجافي منطقين جوهريين , حصلا على الشرعية والمشروعية بحكم التجربة وتكرارها اكثر من مرة وفي أكثر من عدوان صهيوني على الاقصى والقدس وغزة , فكل التفاهمات المدعومة سياسيا جرى اسقاطها بفعل العنجهية الصهيونية والجنوح الصهيوني نحو اليمين المتطرف , وبالتالي فإن اي تكرار للتجربة بنفس الادوات يقع في خانة الغباء السياسي والحياتي , وهذا ينسحب ايضا على مفهوم البكاء واللطمية على الخسائر البشرية والمادية , فمسيرات العودة والوقوف على حدود قطاع غزة واطلاق الدخان والطائرات الورقية على شدة سلميتهما , افضت الى ارتقاء 185 شهيدا والاف الجرحى منهم اكثر من الف غزّي افضت جراحهم الى عاهات دائمة , فعن اي من منطق يتحدثون ؟
الذي حدث مؤخرا حمل في طياته اكثر من بشارة ايجابية ليس اولها توحيد الشارع الفلسطيني على اختلاف تلاوينه واماكن وجوده , فهذه المرة الاولى التي تنتفض كل فلسطين الطبيعية ضد الاحتلال الصهيوني على اختلاف الاولويات لكل طيف فلسطيني , ولا آخره حجم الاستنهاض في الشارع العربي والشارع الاردني على وجه الخصوص فمن اخطأت عيناه قراءة بيانات العشائر الاردنية وحجم الرقي السياسي والقومي في مضامينها مصاب بالحول السياسي قولا واحدا , فهذه البيانات حملت في طياتها رسائل بالغة الدلالة على عمق التحليل والرؤيا الثاقبة بأن الاهل في فلسطين والمقاومة هناك هي الرد الوحيد على كل مشاريع اليمين الصهيوني من وطن بديل الى تهجير .
البشارة الكبرى كانت في اعادة التوازن بين ميزان الخسائر وتوازن الرعب , فالخسائر ما زالت اثقل في جانب المقاومة واهلنا في غزة بشريا وماديا , لكن توازن العرب بدأ يستقر , وبدأ الصهاينة يشعرون بالموت القادم من الشرق , فهم في الملاجئ وسياحتهم معطلة واقتصادهم يأن تحت ضربات المقاومة وبخسارة تقدر ب مليار دولار كل ثلاثة ايام , ومطاراتهم تعاني واحساس الهلع بات جليا وواضحا , وتلك المرة الاولى التي يشعر الصهاينة فيها بتوازن الرعب وهذا لا يقلل من حجم خسائرهم البشرية التي وصلت باعترافاتهم الى عشرة قتلى ونحن نعلم انهم بالعادة يخفون الخسائر .
الخطر الاكبر اليوم على القضية الفلسطينية هو غياب منظمة التحرير بوصفها المظلة الجامعة للمشروع الوطني الفلسطيني بعد ان اختزلتها اتفاقيات الاستسلام الى السلطة واختزلتها السلطة الى المقاطعة ومصالح الموجودين فيها وحولها , بوركت سواعد المقاومين والنصر قادم لا محالة .
omarkallab@yahoo.com