مرايا – مندوبا عن جلالة الملك عبدالله الثاني، ألقى وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي الكلمة الرئيسية في افتتاح قمة حوار المنامة السنوية للأمن الإقليمي التي بدأت أعمالها اليوم الجمعة، والتي ينظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية وتستضيفها مملكة البحرين للمرة الرابعة عشرة منذ عام 2004.

وفيما يلي النص الكامل لكلمة جلالة الملك:

“بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب السمو الملكي،

دكتور تشيبمان،

أصدقائي الحضور الكرام،

يسعدني أن أشارك مجدداً في حوار المنامة. اسمحوا لي أن أعبر عن عميق تقديري لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة على دعمهما لهذه القمة على مدار السنين، كما أتقدم بالشكر إلى الدكتور تشيبمان، والفريق أول بيكيت ولكامل فريق عمل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

أثناء التحضير والاستعداد للمشاركة معكم هذا المساء، فكرت ملياً بالدور الحيوي لحوار المنامة، والذي يوفر لهذه المنطقة منبرا فريدا، يلتئم على مستوى قمة عالية الشأن، لمناقشة عدد من القضايا الأمنية المهمة، وتبادل الأفكار والخبرات، وبلورة الحلول. ولكن الأهم من هذا كله، هو قدرتكم على المضي قدماً بهذا الحوار والانطلاق به إلى خارج هذه الأروقة، لتحقيق فهم دولي أعمق لشؤون منطقتنا ودورها المحوري.

يتميز عصرنا هذا بالتدفق المستمر للأخبار عن قضايا المنطقة. ففي لحظة ما تتصدر إحدى الأزمات شاشاتنا، وبعد عدة دقائق تنتقل العناوين للتركيز على أزمة أخرى. ولكن، كما يعلم الخبراء في هذه القاعة، فإن الأحداث وتداعياتها لا تنتهي بمجرد انتهاء كونها أنباء عاجلة.

فأزمة اللجوء ما زالت قائمة ومستمرة، وكفاح الفلسطينيين لنيل حقوقهم ما زال قائما ومستمراً؛ ووجود اللاجئين الفلسطينيين ما زال واقعا مستمراً.

كما أن تحديات البطالة وقلة الفرص ماثلة ومستمرة، والمخاطر البيئية مستمرة في تهديد الصحة والتنمية. والإرهاب والخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) مستمران أيضاً في تهديد مستقبلنا المشترك.

إن هذه التحديات الخطيرة معقدة وبعيدة المدى ومرتبطة ببعضها البعض، كما أنها عالمية النطاق وعميقة الجذور. ولذلك، لا بد أن تكون الحلول للتصدي لهذه التحديات على نفس المستوى من الشمولية والعالمية والعمق. وحتى يتحقق الأمن، على المجتمع الدولي أيضاً أن يسعى إلى العدالة، وإشراك الجميع، وتوفير الفرص. ومن أجل تحقيق النمو الاقتصادي وإيجاد الفرص على العالم أن يعمل لإرساء الاستقرار وبناء الثقة. ولنشر عدالة عالمية حقيقية، لا تستثني أي فئة، علينا في هذا العالم أن نقف دائماً دفاعاً عن القيم التي ترسي قواعد الوئام والعيش الإنساني المشترك.

إن مبادئ الاحترام المتبادل، والعمل المشترك، والالتزام بعيد المدى، ترتبط بشكل جوهري بالقضايا الأمنية التي تناقشونها في الحوار الذي تحتضنه هذه القمة. وبالرغم من تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة ضد الخوارج في منطقتنا، إلا أنه ما زال أمامنا المزيد من العمل الضروري لتعزيز هذه الانتصارات، ومساعدة المجتمعات التي تضررت بفعل الأزمات لتتمكن من إعادة البناء. ويجب ألا ننسى أنه في الوقت الذي ننخرط فيه في معالجة هذه التحديات والتهديدات، فإن التهديد بحدوث عمليات إرهابية مستمر ويطال العالم أجمع. وإذا تجاهل المجتمع الدولي المناطق التي تعاني الآن من بؤر (الإرهاب)، فإنها ستتمدد وستتسع دائرة الخطر.

كما قلت من قبل، فإن هذه الحرب (ضد الإرهاب) ستمتد عبر عدة أجيال، وجانبها الفكري هو الأساس؛ إذ يستغل الخوارج أفكاراً زائفة، تبدو في ظاهرها أنها مستندة إلى الدين، ليبرروا أعمالهم الإجرامية ويثيروا الطائفية. علينا أن نبذل المزيد من الجهود لنكشف أكاذيبهم وجرائمهم، وعلينا أيضاً التصدي لخطابهم الزائف، بخطاب مستند للصواب وينشد التكافل الإنساني والأمل. وبدوره، فإن الأردن يقود جهودا دولية لتوضيح القيم الاجتماعية الحقيقية للإسلام، مثل التسامح والتعاطف والرحمة واحترام كرامة جميع البشر. فنحن ننشد حوارا عالميا بين أتباع الأديان للتصدي للتعصب والكراهية، حتى تعلو الأصوات التي تنادي بالوئام والعيش المشترك، وتنتشر في منابر المجتمعات المحلية كما في الفضاء الإلكتروني.

إن مبادئ العيش المشترك يجب أن تكون المرشد لعملنا الجماعي الموحد. فلدول العالم مصلحة أمنية وأمامها واجب أخلاقي في ضمان أن ينال الجميع، وخاصة الشباب، نصيبهم من وعد الازدهار والفرص التي يحملها هذا القرن. والدول المستضيفة للاجئين، مثل بلدي (الأردن)، التي تحملت تبعات موجات وأزمات لجوء متعددة، هي بأمسّ الحاجة إلى الدعم الدولي. فنحن نحتاج إلى المحافظة على شراكتنا الدولية القوية لنتمكن من عبور هذه الأزمة بشكل كامل. وما تهيئة اللاجئين للعودة إلى بلدهم لإعادة بناء مجتمعات تنعم بالسلم والازدهار، إلا جزء من المهمة المطلوبة. أما الجزء الآخر، وهو بالأهمية ذاتها، فهو مساعدة المجتمعات المستضيفة التي ضحت بالكثير للقيام بالعمل الصحيح، ودعم التنمية المستدامة التي تعود بالمنفعة على الجميع دون استثناء. وهذه التنمية ضرورية أيضاً للاستقرار والنمو في المنطقة والعالم.

أصدقائي،

إن الحرمان المستمر عبر السنين للشعب الفلسطيني من حقه في إقامة دولته هو قضية محورية أخرى تخص أمن المنطقة والعالم؛ إذ يستمر هذا الصراع في تقويض السلام والاستقرار على مستوى العالم، فعندما يمتد الاحتلال والعنف على مدى عدة أجيال، وتجد عملية السلام نفسها أمام طريق مسدود مرارا وتكرارا، فإن ذلك لا يعني فشل الطرفين المعنيين بالصراع فقط، بل هو فشل في منظومة العلاقات الاستراتيجية العالمية، وفي المحافظة على المصداقية.

قبل ثماني سنوات، هنا في حوار المنامة، قلتُ إن منطقتنا لن تنعم بالأمن والاستقرار إلا إذا تمكنا من حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وللأسف، ثبت صحة ما حذرت منه. ولن يكون بإمكاننا أن نتوقع أي تحسن في الظروف، إلا عندما يبذل عالمنا المزيد من الجهود ويضاعفها، لمساعدة الطرفين للوصول إلى سلام عادل ودائم وفق حل الدولتين؛ حل يلبي احتياجات الطرفين، استناداً إلى القانون الدولي والقرارات ذات الصلة، وينهي الصراع، ويقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة وقابلة للحياة على خطوط عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

لطالما كانت هناك العديد من المحاولات لتأخير وإحباط الأمل الذي يوفره حل الدولتين. واليوم، يبرز ضمن هذه الجهود السلبية طرح مغلوط لدولة واحدة ثنائية القومية. إن أي حل كهذا مبني على إجراءات أحادية الجانب وحقوق غير متساوية سيشكل كارثة أخلاقية، ويمثل وصفة تطيل أمد الصراع. لا يمكن للسلام الدائم أن يكون أحادي الجانب. السلام يبنى على احترام حقوق وآمال واحتياجات الطرفين. وهذا هو الأمن الحقيقي الذي يتأتى من السلام.

ودعونا نتذكر أيضاً أنه يجب تمكين الشعوب من الاستعداد للعيش بسلام. ولترجمة ذلك، فلا بد من أن تبقى المدارس التي توفر التعليم للفلسطينيين مفتوحة الأبواب، فالعائلات والمجتمعات الفلسطينية تحتاج إلى رعايتنا. ولذلك، أصدقائي، لا بد أن يستمر التمويل الكامل لـ”الأونروا” (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين).

في الأيام القادمة، سيكون العمل العالمي المشترك أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفي مقدمة كل الأولويات، سيتوجب علينا الحفاظ على المقدسات في القدس وعلى الهوية التاريخية العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة. وأي انتهاك يهدد المدينة المقدسة، سيكون إساءة عميقة للمشاعر الدينية للمليارات من البشر حول العالم. فبالنسبة لي شخصياً وبالنسبة لكل الأردنيين فإن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس تبقى التزاما راسخا. وأدعوكم لمساندتنا في حماية القدس الشريف لتظل مدينة تجمعنا ورمزاً للسلام.

أصدقائي،

عندما ترى جميع الشعوب، وخاصة الشباب، مستقبلا واعداً بالأمل أمامها، فإن ذلك سيعود بالمنفعة على المجتمع الدولي بأكمله. وعندما تكون منطقتنا ذات المكانة المحورية والأهمية الاستراتيجية منطقة قوية وتنعم بالنجاح، فإن العالم أجمع سيكون شريكا في جني ثمار استقرارنا وأمننا ونمائنا.

وإذ تمضون نحو المستقبل في الأيام المقبلة، فإنني أرجو أن تتمكنوا من حمل هذه الرسالة إلى العالم. فنحن نحتاج إلى جهودكم جميعاً وإلى أن تكونوا في الطليعة لتساعدوا المجتمع الدولي على العمل معا والتحاور والالتزام بقيمه الإنسانية. متمنياً لكم النجاح.
شكراً لكم”.

ويشارك في القمة مسؤولون سياسيون وعسكريون وأمنيون يمثلون نحو 25 دولة من مختلف أنحاء العالم، لمناقشة التحديات والتطورات المرتبطة بمجالات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية في الشرق الأوسط.