مرايا – قالت صحيفة publico الإسبانية إن القرارات الحكومية الأخيرة في الأردن لم تكن سوى شرارة بدء الحريق، لكن الأزمات قديمة.
وقالت الصحيفة: المتظاهرون الذين يتجمعون في الدوار الرابع بالعاصمة عمّان، والميادين الشبيهة في مدن أخرى، يحتجُّون على رفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة، ضمن خطة “إصلاح اقتصادي” يفرضها صندوق النقد على الأردن. وعناصر الأزمة الاقتصادية بالأردن كثيرة، لكن الحرب السورية تُمثل حزمة مستقلة من الأسباب التي أشعلت الموقف، وعجَّلت بالانفجار.
الاحتجاجات في الأردن ضدّ التقشف
واعتبر تقرير لصحيفة publico الإسبانية أن الفئة الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية هي الطبقة الوسطى واللاجئون الفلسطينيون، وما زاد الوضع سوءاً، ارتفاع أسعار الخبز والكهرباء والوقود بشكل متزايد منذ بداية السنة.
الأردن بلد الموارد الطبيعية الضئيلة
يعد الأردن من بين البلدان التي تملك أقل نسبة من مخزونات المياه في العالم. كما يضم على أراضيه بعض مناجم الفوسفات والبوتاس، إلى جانب القليل من مخزونات النفط والغاز لا غير. وقد أدى غياب السياسات الحكيمة، التي من شأنها أن تسهم في تحقيق التوازن بين رفاهية المواطنين والأرض التي لا تدرُّ إلا القليل من الموارد، إلى تفاقم الأزمة بالأردن.
أصبح يعتمد على المعونات الأجنبية
لكن المعونات لا تأتي دون مقابل. فقد اشترطت الولايات المتحدة الأميركية وممالك الخليج العربي الغنية بالبترول أن تقدَّم المساعدات المالية للأردن مقابل أن تتوافق السياسة الخارجية للأردن مع المصالح الإقليمية لهذه الجهات المانحة وتكون في خدمتها. وقد مثَّلت هذه التغييرات عاملاً أساسياً لاندلاع الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالأردن.
لم تتمكن المملكة الصغيرة من النأي بنفسها عن تبعات الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين أو تلك التي تشنها أميركا وحلفاؤها ضد العراق وسوريا. وبعد دخول ملايين اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين إلى أراضيه، شهد الأردن تحولات جذرية في تركيبته الديموغرافية، ليتغير مصير البلاد بشكل كلي بعد هذه التطورات، حسب تقرير لصحيفة publico الإسبانية.
ثم كان من البلدان الرئيسية التي استقبلت السوريين
سبب قدوم مئات الآلاف من اللاجئين إلى هذا البلد الصغير، هو العديد من المشاكل الإدارية الحادة بالنسبة للسلطات، غير المستعدة لمجابهة هذه الأوضاع. في الأثناء، تعددت تشكيات العائلات السورية من سوء معاملة السلطات والتعذيب والطرد بتهمة الانتماء إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)؛ مما أدى إلى ترحيلهم إلى مخيم الزعتري المروع، في قلب الصحراء التي يتقاسمها الأردن مع سوريا.

مخيم الزعتري للاجئين بالأردن

يعد مخيم الزعتري مخيم اللاجئين الأكبر بالعالم بعد مخيمات داداب وكاكوما في كينيا. ويؤوي هذا المخيم نحو 80 ألف سوري، النسبة الأكبر منهم تتمثل في النساء والأطفال. ويواجه اللاجئون هناك جميع أنواع المعاملة السيئة، فضلاً عن افتقارهم إلى أبسط ضروريات الحياة، على الرغم من أن الأردن يستقبل ملايين الدولارات من المساعدات الموجهة للاجئين، التي ترسلها مختلف المنظمات والدول، طبقاً لتقرير الصحيفة الإسبانية.

“جزء من هذه النفقات يسددها الأردن نيابة عن المجتمع الدولي”، قالها الملك عبد الله الثاني، في إشارة إلى نحو مليوني فلسطيني يعيشون على التراب الأردني من عشرات السنين، وأكثر من 650 ألف لاجئ سوري هبطوا الأردن بالأعوام الأخيرة، في أقل التقديرات. غير أن رئيس الوزراء الأردني الأسبق، عبد الله النسور، أكد وجود 1.2 مليون لاجئ سوري في الأردن مطلع 2016.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، قالت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين إن تكلفة استضافة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين فوق أراضي المملكة “تجاوزت 10 مليارات دولار أميركي منذ اندلاع الأزمة، ويقدر الأردن نفقات العام الحالي (2018) بنحو 1.7 مليار دولار، وفق الخارجية”.

وقد حصل الأردن على ما نسبته 59% خلال عام 2017، من إجمالي مقدراتِ حاجته للعام نفسه؛ لدعمه في مواجهة تكاليف اللجوء السوري.

وأغلق الأردن حدوده مع سوريا في 2016

تمتد هذه الحدود 375 كيلومتراً، خلال سنة 2016، وذلك على خلفية هجوم أدى إلى مقتل 6 أردنيين. نتيجة لذلك، أصبح الفارُّون من الحرب غير قادرين على المرور نحو الأردن، البلد الذي شارك بشكل نشط في هذا الصراع السوري. ومن الواضح أن هذه الحرب قد تسببت في زعزعة أعمدة النظام الأردني.

قبل أزمات وحروب العراق وسوريا، مثَّلت الجارتان مع السعودية أكبر أسواق التصدير للمنتجات الأردنية، خاصة السلع الغذائية. وفي 2010، كانت صادرات الأردن إلى العراق تدور حول مليار دولار سنوياً، بينما لم تتجاوز في العام الماضي (2017) 300 مليون دولار.

وهذا ما يخسره الاقتصاد الأردني في مأساة اللاجئين

تجسدت انعكاسات الحرب الاقتصادية والاجتماعية على الأردن في 5 نقاط رئيسية، رصدها تقرير الجريدة الإسبانية:

فقدان المملكة طرق التصدير إلى سوريا، التي تربطها بأوروبا وبقية بلدان المنطقة.

ارتفاع أسعار المنازل؛ نظراً إلى أن مخيم الزعتري لا يضم سوى 80 ألف لاجئ سوري، في حين ينتشر البقية بباقي البلاد.

كما انخفضت أجور العمال الأردنيين بشكل كبير.

خسارة الإيرادات الضريبية بسبب الأعمال غير القانونية والموثقة للسوريين.

أزمة في الموارد المائية والكهرباء والصرف الصحي وخدمات النقل.

وبعث الاتحاد الأوروبي مناطق اقتصادية خاصة لتوظيف اللاجئين غير الحاصلين على شهادات عليا، على غرار ورش النسيج والخدمات الغذائية. ولكن هذه المراكز لم تسهم في مساعدة اللاجئين ولا في تحسين وضع الاقتصاد الأردني الحرج؛ نظراً إلى تدني الأجور، فضلاً عن بُعدها عن الأحياء التي يقطنها السوريون.

وتساءلت صحيفة publico الإسبانية في نهاية تقريرها: أليس من المنطقي أن يُدعى السوريون إلى اتخاذ القرارات الخاصة بهم ووضع احتياجاتهم الحقيقية ضمن جدول أعمال الحكومة، بدلاً من إخبارهم بالأمور التي يحتاجون إليها؟