مرايا – كتب : عمر كلاب – لم يلتفت كثيرون الى طبيعة الحراك الجاري داخل جماعة الاخوان المسلمين، الا من عين رافضة او عين راضية، فيما كانت العين الناقدة غائبة الا عن قليل من الذين يؤمنون بالاصلاح نهجا من داخل الاخوان ومن خارجهم رغم قسوة الاوصاف لمنتقدي الاخوان من الاخوان انفسهم، فمسار الاسلام السياسي بمجمله بلغ منتهاه بعد الربيع العربي وبدأ بالتراجع بعد الهجمة المضادة عليه، فتراجع الربيع الفعلي لصالح الخراب وكان الاسلام السياسي جزءا من التورط في التخريب، برفض التشاركية في بعض الساحات وفي القبول بتسليح الربيع العربي في ساحات ثانية، فوقع في فخ السلطة العميقة رغم انه متحالف معها منذ سنوات الخريف الطويلة، بعدما عجز عن الانفكاك من نمط تفكيره السلطوي، فكان نسخة مكرورة من التفرد في الحكم رغم انه جاء عبر صناديق الاقتراع، فكرّس قاعدة انه تيار يحقق نجاحا في هدم القائم لكنه غير قادر على بناء الجديد .
حزب الشراكة والانقاذ هو احد التعابير عن الحراك الذي يجري داخل الاخوان، او النسخة الثالثة من التعبير السياسي للخارجين من الاخوان وليس الخارجين عليها، وهذه ميزة الحزب عن باقي التفريعات، فقاعدته الصلبة او الاساسية كانت من تيار الحُكماء داخل الجماعة حسب الوصف الاخواني، وحملوا راية المراجعة الداخلية ولعل ما كتبه سالم الفلاحات في كتابه عن التجربة الاخوانية هو انضج ما كتب من حيث المنهجية في النقد وعدم الانجرار الى التهويل في البناءات السرية داخل الاخوان كما فعل بعض الاخوان وتحديدا في مصر الشقيقة، فجاءت معادلة اعضاء حزب الشراكة من الاخوان جريئة وفيها قدر عميق من الوعي حين اختصر الفلاحات التعبير بعبارة “ مخطئون وصادقون “ فالاخطاء السابقة داخل الجماعة او اخطاء الخارجين منها، ليست خطايا، بل اجتهادات وربما اجتراءات في تحليل اللحظة وسياستها ولكنها تعبير حيوي عن عمق الازمة داخل الجماعة التي خسرت في سنوات الربيع القليلة منجزات تاريخية سواء على صعيد العلاقة مع الشارع الشعبي او العلاقة مع السلطة في بلدان التواجد، فالعقل الذي قاد الجماعة في العقدين الاخيرين كان أقل من حجم المرحلة وتعقيداتها .
عبارة او معادلة الصدق والخطأ، اجرأ اعتراف سياسي في الحقبة الاخيرة، فالعبارة كبسولة سياسية فاعلة ومضاد حيوي لالتهابات الواقع المحلي، الذي ضاق كثيرا لحجم الاخطاء وبحجمها، سواء من السلطة او المعارضة، والحقت الاطراف كثير أذى بالدولة، التي باتت تعاني من سطوة السلطة وتعنت وعدمية المعارضة؛ ما منح السلطة فرصة التفرد والامعان في الخطأ، وشيطنة الانتقاد والاستقواء على المعارضين لها والتفرد بتهميشهم او طيّهم، فازدادت مساحة الفراغ بين السلطة والمواطن والتقط رجال الاعمال والمقاولون اللحظة فامعنوا في المواطن تنكيلا وبطشا بعد ان امسكوا مفاتيح اللحظة، حتى وصلنا الى ما يشبه الانسداد، فالحلول تأخرت رغم الاتفاق على التشخيص، وصار المواطن والوطن سندويشة بين الخطأ السابق والظرف الواقع، فكان جيبه وقوته هو الثمن لهذا الاختلال في المعادلة الوطنية .
حراك الاخوان الداخلي وتفاعله يجب ان يحظى بقراءة واعية، ليس بوصفه ملمح تراجع وتصدّع في البيت الاخواني ، بل بوصفه استجابة موضوعية لما جرى ويجري داخل اللحظة الوطنية، ويجب ان يمنح التيارات السياسية بكل تلاوينها فرصة الاستجابة للحراك على قاعدة الوحدة والصراع، ولعل بروز تيار التحالف المدني ومحاولات تأطير الاتجاهات المدنية في حزب يحقق ذلك، رغم القسوة التي واجهت التيار المدني من السلطة ومن حاملي شعار الدولة المدنية على حد سواء؛ ما فتح الباب لسؤال مشروع عن اسباب السهولة الرسمية في منح الاحزاب ذات الخلفية الدينية تراخيصها مقابل تشدد مع الاحزاب المدنية، فالحياة السياسية لا تقوم على ساق واحدة، وعدم استجابة التيارات المدنية والسماح باستسهال ذبح التجربة سواء اختلفنا معها او أيدناها يعني ان الحالة عرجاء وعلى قدم واحدة؛ ما يساعد السلطة في البقاء في دائرة القوة المطلقة والتي هي اصل الداء والبلاء على الدولة فتسوطنها الامراض ولا ينفع في علاجها المضادات الحيوية، مثل كبسولة الخطأ والصدق، فنحن مطالبون بالاعتراف بالخطأ الصادق والخطأ المقصود كي تسير عجلة الدولة بيسر وسهولة، فمركبة الدولة ثقيلة وبطيئة وتحتاج الى صيانة كاملة، ولعل حزب الشراكة والانقاذ قدم الوصفة اللازمة وبقي ان يتناولها الجسد الحزبي والرسمي .
omarkalllab@yahoo.com