مرايا – بقلم محمد فخري – من وقت ما دخلت المدرسة بعبسان بخان يونس من الصف الأول بلشت أحفظ بالقرآن الكريم ، ولما صرت بالصف السادس كنت حافظه كامل ، كل الناس وكل مدرسة المهاحرين الشرعية عرفوني وصاروا يحكوا عني الحافظ لكتاب الله ، كل يوم بالمدرسة بطلع على الإذاعة المدرسية بقرأ قرآن ، وبالحصص الصفية كمان بقرأ قرآن ، بشارك بكل النشاطات المدرسية متفوق ومشارك بفريق الصحة المدرسية ومشارك بدورات إسعاف وحتى إني بخطب بالناس وكان حلمي أصير دكتور ، آخر أيامي بالمدرسة أستاذ العلوم طلب منا إنه نجيب أرنب مشان نشرحه وجبت أنا أرنب وحكيتله هذا مني عن كل الصف وكنت أبادر عن الكل ، كنت بعد المدرشة وأيام الجمع أطلع على مسيرات العودة مع خواتي ؛ خواتي كانن مسعفات للجرحي والمصابين هناك ، كنت أطلع معهن ومعي محلول ملحي للي بنضربوا بالغاز ، وكل جمعة بحكي أنا شهيد ، وسألت أمي إنه ليش هالناس هاي بتروح غاد وشو بدهم ؟
عرفت إنه إلنا أرض وإعرفت بأي حارة وعرفت شو في ورى السلك وكان نفسي أشوف شو ورى السلك وكل واحد بروح غاد بروح عشان أرضه ترجعله ، كنت متفق مع خواتي كل مرة قبل المغرب نلتقي بمكان معين مشان نروح ، جمعة “إنتفاضة الأقصى”
يوم الخميس تواعدت أنا وصحابي نطلع الخميس الجاي ع مطعم سنابل وأصحابي حكولي لا تروح ع المسيرات وأنا رفضت وقلتلهم لأ رايح رايح ، 26/9/2018 يوم الجمعة طلعت مع خواتي ومسكت هالمحلول الملحي زي كل مرة وركضت بين هالخيم والعالم ووين في شب مصاب بإختناق بالغاز أعالجه ، وكان هاليوم هذا مش طبيعي ، وصلوا الشهداء لحوالي 7 وكان في 500 إصابة بالغاز والرصاص ، قربت الدنيا ع المغرب وأجى موعد الترويحة ، أختي أجت مكان ما إتفقنا نلتقي وما لقيتني وما أجيت ، حكت مع أمي تلفون وقالتلها إنه بدنا نروح واخوي مش موجود بالمكان ، أمي قلقت وحكتلها دوروا عليه ، بلشوا يبحثوا هون وهون وفجأة أجى شب بحكي لأختي في شهيد بالمستشفى الأوروبي مجهول الهوية هاي صورته شوفي بتعرفيه !
شافوا الصورة وكنت أنا !!
رصاصة كانت داخلة راسي ما بعرف من وين ، وليش أنا بالذات ، وقعتني عالأرض ونقلوني عالمستشفى وكنت مستشهد وحط علي ورقة “مجهول الهوية” ..
أمي سمعت الخبر ع التلفون وحكت اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفي خيرا منها ، وخواتي بلشوا صراخ والكل راح ع الأوروبي ، ما حد متخيل ولا مستوعب شو اللي صار وكيف وليش إنطخيت براسي ؟
صورتي إنتشرت والكل نسبها لغيري وإختلفوا على مين صاحبها ونسيوا إنه في شهيد عمره 12 سنة بالصورة بغض النظر مين ، نسيوا إنه في طفل تمارس عليه إرهاب ، دموع أهلي كانت دموع حزن وفخر ، أصحابي بالمدرسة عبوا الحيطان صوري وعبوا الصف صوري وكانوا يحكوا :
بدنا نملي الدنيا صوره بدنا نخليه عايش ورح يضل عايش بقلوبنا ما رح نخليه يغيب عنا بدنا نعبي صوره بكل مكان ..
أمي بتهز راسها يمين وشمال وبتحسس ألعابي وأواعيي وبتحكي مع حالها :
مين بدو يكمل الحلم ، يما قلتلي بدم تصير دكتور ؟
طلعت جنازة الي ما بتصير لرئيس دولة الكل طلع فيها والكل عرف مين هالشهيد بعد ما إختلفوا على مين هو ، هالطفل عمره 12 سنة إسمه :
“ناصر عزمي مصبح” ، قتله الإحتلال ليردع أهله ويخوف أصحابه ويخوف غيره ، قتله الإحتلال لانه مقولة الكبار يموتون وابصغار ينسون كذبها هالأطفال اللي ما رح ينسوا ، بس مع القتل ما بعرفوا إنه الشهيد محل كل نقطة دم نزلت منه بكرة رح يقف أخوه وصاحبه وأمه وعمه وكل شخص بحبه يكمل مشواره .
#الشهيد_ليس_رقمًا،