مرايا – على قارعة الطريق المؤدي إلى مطار الملكة علياء في عمّان، توقفت إحدى السيارات فجأة ثم ترجل منها شاب، بدت عليه ملامح الارتباك مسيطرة، وبدأ يلوح بيده لتوجيه المركبات التي تزاحمت خلفه لتحويلها عن مسار مركبته حتى لا يُحدث أزمة.

هذا المشهد بات في الآونة الأخيرة يتكرر في كثير من شوارع المملكة، الأمر الذي أكدته أمس إدارة السير والمركبات في تصريح رسمي، الذي وصفته بـ”الظاهرة”، غير أن اللافت في هذه التصريحات هو الكشف عن سبب انتشار هذه الظاهرة وهو “نفاد الوقود”.

وجاء في التصريح الذي تداولته وسائل إعلام مختلفة أن “هنالك تزايدا في ظاهرة تعطل المركبات في مختلف الشوارع جراء نفاد الوقود”.

هذه الظاهرة، يرى اقتصاديون وأساتذة علم اجتماع أنها متوقعة وهي واحدة من عشرات الظواهر التي بدأت تطفو على السطح جراء تراجع مستوى المواطنين المعيشي، فهناك ظاهرة المواطنين الذين يحملون عبوات صغيرة “غالبا عبوة مياه” أو “جالون صغير” ملئت بالكاز، وهناك من “يضع مدفأة الغاز على “عين واحدة” بدلا من اثنتين أو ثلاثة.

ويرى البعض أن سوء إدارة قطاع الطاقة من قبل الحكومات، والتي لم تساعد في توفير بدائل أرخص للمواطنين في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، وتزامن ذلك مع تراجع المستويات المعيشية، ساهم في بروز مثل هذه الظواهر، فيما يرى آخرون أنّ عدم توفر شبكة نقل عصرية يسهم في تكريس مشكلة مواجهة ارتفاع أسعار المحروقات.

ولا بدّ من الاشارة هنا الى أنّ حصة كبيرة من انفاق الأردنيين ضمن المجموعات غير الغذائية والخدمات يصرف بشكل رئيسي على مجموعة المسكن والمياه والكهرباء والغاز وبمتوسط إنفاق يصل الى 2921 دينارا سنوياً ( 243.4 دينار شهريا)، يليه مجموعة النقل بمتوسط إنفاق بلغ 2149 دينارا ( 179 دينارا شهرياً)، ومن ثم مجموعة التعليم بمتوسط 579 دينارا سنوياً ( 48.2 دينار شهرياً).

الخبير الاقتصادي زيان زوانة اعتبر هذه الظاهرة أنّها “مؤشر خطير” إلى ما آلت إليه أوضاع المواطنين الاقتصاديّة.
وقال “خطورتها لها أبعاد متعددة اجتماعية واقتصادية ..حتى أمنيّة”.

وذكر زوانة مظاهر أخرى مشابهة تعكس واقع الأردنيين، كمشهد المواطنين الذين كانوا يصطفون في الشتاء لتعبئة “الكاز” وقد كان العديد منهم يحملون “عبوات مياه سعة اللتر ونصف” أو “جالون صغير” ويضيف لم نعد نشهد مثلا ظاهرة ملئ خزان السيارات بسعته القصوى “الفل” بل أنّ التعبئة بـ” دينارين وثلاثة بات عاديا جداً”.

ويرجع زوانة انتشار هذه الظواهر إلى سوء إدارة ملف الطاقة من قبل الحكومات المتعاقبة والتي كانت تعلم دائما بأنّ أسعار المحروقات مقبلة على ارتفاعات، فلم تفرز الآليات والبدائل التي تخفف من حدة انعكاس الأسعار العالمية على الأسعار المحليّة.

وهو يرى أنّ سوء إدارة ملف الطاقة، تزامن مع ارتفاعات عالمية كبيرة على أسعار المحروقات، وتراجع المستويات المعيشية للمواطنين وتحديدا خلال السنوات الأخيرة، متوقعا توسع وانتشار أكبر لمثل هذه الظواهر، ومحذرا من تبعاتها التي قد تكون شديدة وقاسية اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا.

رئيس حماية المستهلك د.محمد عبيدات قال إن “ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وانعكاسها على السعر المحلي مضافا اليه الضريبة المقطوعة التي فرضتها الحكومة قد زاد من الاعباء على كاهل الأسر الأردنية بكافة أطيافها”.

ويرى عبيدات أنّ سعر البنزين وغيره من المحروقات بات يشكل “هاجسا مرعباً”على هذه الأسر نتيجة لارتفاع أسعاره وعدم قدرتهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة وقدرات شرائية ضعيفة وخاصة تلك الأسر التي تمتلك مركبات قديمة غير موفرة للبنزين أو السولار.

وأضاف أن عدم توفر شبكة نقل عصرية قد ساهم في تفاقم هذه المشكلة فلو كانت هنالك شبكة طرق نموذجية أو حتى شبكة طرق تغطي كافة المناطق لساهم في التخفيف على المواطنين في التخلي عن قيادة مركباتهم الا للضرورة القصوى.

وطالب عبيدات الحكومة بإلغاء الضريبة المقطوعة المفروضة على المشتقات النفطية للتخفيف عن الأباء وعلى المواطنين والاكتفاء بالبيع ضمن الأسعار العالمية كما هو معمول في كافة انحاء العالم.

استاذ علم الاجتماع د.حسين الخزاعي أكد أن هذه الظاهرة هي مؤشر واضح على تراجع الأوضاع المعيشيّة للمواطنين، وزيادة معدلات الفقر بينهم.

وأشار إلى أن الحديث اليوم يدور عن حوالي مليوني فقير جديد وطالب معونة انضموا الى المليون فقير الموجودين والمعترف بهم أصلاً كفقراء قبل الجائحة، ليصل عدد الفقراء، وفق توقعات الخزاعي، الى حوالي 3 ملايين فقير.

ووفقا للخزاعي فإنّ 80 % من أسر الأردنيين دخولهم –وفقا للأرقام الرسمية المعلنة- أقل من 500 دينار، ما يعني أنّ غالبيّة هؤلاء هم فقراء حيث أنّ خط الفقر حدد أخيراً بحوالي 500 دينار شهرياً للأسرة.

ويلفت الخزاعي إلى انّ ارتفاع أعداد الفقراء في المجتمع يعني “كوارث اجتماعيّة” تظهر على شكل زيادة في أعداد المتسولين، وفي عمالة الأطفال وفي الجرائم الاجتماعية وخصوصا الاقتصادية، مشيرا إلى أن 65 % من الجرائم التي تقع في الأردن هي جرائم اقتصادية واقعة ضد المال، ناهيك عن انتشار مظاهر العنف والأمراض النفسية.

يذكر أن البنك الدولي كان قد توقع ارتفاع معدلات الفقر في الأردن بحوالي 11 نقطة مئوية بعد أن كان 15.7 % قبل جائحة كورونا التي ضربت العالم عام 2019، وأشار الى أنّ الصدمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة كوفيد 19 أدّت إلى تعميق الاتجاهات السابقة للفقر، على الرغم من أن شبكة الأمان الاجتماعي ساهمت في التخفيف من بعض الآثار على الفقر.

الغد