مرايا – دعا متخصصون الى تجاوز الصورة النمطية المتجذرة لدى بعض الطلبة ممن لم يتخطوا امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة أو أولئك الحاصلين على علامات متدنية أو غير المأمولة، والتي تحكم عليهم بـ “الفشل”.

وقال هؤلاء المتخصصون، إن أي امتحان يخوضه المرء في مسيرته الدراسية أو العملية لا بد أن تسبقه استعدادات كافية، لافتين إلى أنه وفي حال عدم التمكن من إحراز الهدف المطلوب أو تحقيق الكفايات المطلوبة في أي اختبار لا بد من جلسات مراجعة مع الذات أولا، والأهل ثانيا لتحديد مكامن الخلل والعمل على إصلاحها، والبحث في البدائل المتوفرة. وبين مستشار أول الطب النفسي الدكتور وليد سرحان، أن عدم استكمال متطلبات امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) ليست المحطة الأولى ولا الأخيرة في محطات الحياة، فقد أثبت كثيرون على مر التاريخ إبداعهم بالحياة العملية، وبالتالي يجب أن لا تكون هذه التجربة نقطة نهاية بل على العكس من ذلك فهي تعد فرصة للانطلاق من جديد.

وأوضح ان من الممكن أن يجد بعض الشبان أنفسهم في تعلم حرفة معينة وليس من المشروط التوقف عند هذا العائق فالعديد من الخيارات مطروحة، إذ أن من غير المفيد بتاتا أن يعتزل الطالب الناس تعبيرا عن حزنه العميق بهذا الموقف.

وأورد سرحان في السياق، أن اللوم والعتب والتوبيخ الذي يمارسه بعض الأهالي لا يفيد في شيء، معربا عن أمله في أن يعيد الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ النظر في كل ما حدث في جلسة مراجعة وتقييم تعينهم على اتخاذ نظرة شمولية للمستقبل لا تتمحور حول رقم أو نسبة أو علامة.

وأشار المتخصص في علم الاجتماع الدكتور حسين محادين، الى أن هناك قاعدة علمية تقول إن النجاح في الامتحان يتحقق قبل بدئه، أي بحجم ونوعية الجهد المبذول الذي يفترض أن يعبر عن دافعية الطالب لاجتياز الامتحان أولا والحصول على تقدير مرض ثانيا، لكن كثيرا من الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ لم يتصرفوا بجدية تجاه هذا الأمر.

وقال، إن التعليم حق طبيعي للإنسان يجب ألا يستنزف في المجاملات وتبرير ضعف الأبناء رغم بذلهم جهود استثنائية في مرحلة الثانوية، مؤكدا أن للأهل دورا مهما في عدم الوقوع فريسة لما أسماه بـ “الاستعراض الاجتماعي” للحصول على “شهادة التوجيهي”، فامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة على درجة عالية من الثبات والمعيارية ويحتاج لجهد نوعي لاجتيازه بمعدل عال، وليست نهاية الكون إذا خالف الحظ الطالب.

وبين محادين أن النظرة التي يرمقها المجتمع لهذا الطالب ليست منصفة إذ أنها غالبا ما تنم عن الانفعال وإطلاق أحكام دون دراسة الظروف والقدرات الفردية لكل متقدم لهذا الامتحان، ومن هنا يشعر الطالب من منظور علم النفس الاجتماعي انه “موصوم” بالفشل وهذا سلوك خاطئ من الطالب نفسه أو من المحيط.

وركز على أن فكرة النجاح الدائم المكتسبة من “أنماط التنشئة” تحرم أصحابها من اكتساب “المرونة الذهنية” التي تساعدهم في تقبل الإخفاق في أي منحى من مناحي حياتهم، ويستمر معهم هذا الإحساس بضرورة التفوق حتى بعد إنهاء متطلبات “التوجيهي” حيث يعمد العديد من الأشخاص للانسحاب من الحياة العامة بالانعزال عن الناس والمناسبات الاجتماعية جراء غياب المرونة العقلية وخلل في “أنماط التنشئة الواحدية” التي تتقبل النجاح ولا شيء سواه.

من جانبها، بينت الخبيرة التربوية الدكتورة أسماء حميض أن الفرق في التسمية مهم بين “عدم استكمال متطلبات النجاح” و “الفشل” إذ يتحدد بناء عليه تعامل مختلف مع النتيجة وتقبلها، وفي نفس الوقت يتيح الفرصة للطالب لاتخاذ القرار السليم في الخطوات القادمة التي سيسلكها طالب الثانوية.

وربطت تخوف طلبة الثانوية العامة تحديدا بشأن “عدم استكمال متطلبات النجاح” بضغوطات من المجتمع عامةً ومن الأهل والمدربين خاصةً، فيتولد لديه شعور بأنه السبب في خيبة أملهم، وأن نتيجته أضاعت فرحتهم، وأنه لم يستطع تحقيق رغبتهم في إقامة الاحتفالات أسوةً بجيرانهم و أقاربهم الذين نجح أبنائهم.

وأضافت حميض، “إن ما نشاهده من تأثير سلبي كبير على نفسية الطلبة غير الناجحين وعلى سلوكهم ونظرته لأنفسهم ونظرة ذويهم لهم يؤكد الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في فلسفة وهيكلية امتحانات الثانوية العامة من قبل أصحاب القرار والقائمين على وضع السياسات التعليمية، مشيرا الى الحاجة إلى نظام تقييمي أكثر مرونة وأكثر قدرة على قياس وتقويم المهارات والمستويات الحقيقية للطلبة”.

ووجهت حميض رسالة للطلبة ممن “لم يستكملوا متطلبات النجاح” وذويهم مفادها أن هذه التجربة ما هي إلا محطة من محطات مسيرتهم، وعليهم أخذ العبرة والاستفادة منها في تعديل أساليب دراستهم وإدارتهم للوقت ومرجعيتهم في الدراسة وغيرها من عوامل التي ساهمت في المباعدة بينهم وبين الوصول إلى النجاح.

وأكدت أن هناك فرصا كثيرة تنتظرهم، ولعلّ الدورة التكميلية القادمة هي الفرصة الأقرب والأيسر، داعية الى تحليل أسباب ما حصل معهم بروية ومنطقية، ومعالجتها، والبدء من جديد بنفسية جيدة وعزيمة قوية لاجتياز هذه المرحلة واللحاق بركب أقرانهم.
بترا