مرايا – في المسلسل الأردني الجديد “المشراف”؛ تعود الأحداث التاريخية لأذهان الأردنيين لتزهو بالذاكرة من أحاديث الكبار وهم يسردون تفاصيل مشرفة لمعركة الكرامة، وأثرها الاجتماعي على العائلات.
“المشراف” الذي أنتجه التلفزيون الاردني، يلقي الضوء على تفاصيل في بيوت الأردنيين خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، وعن أحداث معركة الكرامة في العام 1967، ليُظهر المسلسل مشاعر وأحداثا اجتماعية أسرية سياسية. وبالتوازي مع ذلك الحدث يحتفل الأردنيون بتلك الذكرى حتى يومنا الحالي وتحظى باهتمام وطني كبير.
ما يزيد على 100 ممثل شاركوا في العمل الدرامي والذي سيبث على شاشة التلفزيون الأردني، ملامساً قلوب الجميع، من بوادي وقرى مدن المملكة، ففي كل بيت آنذاك كان هناك “عسكري” له تفاصيل يومية مع عائلته وقريته وخيمة البادية التي يعيشها.
ولكن ما أن تقع معركة الكرامة، تتضح خيوط الأحداث وترتبط جميعها، وقد يجد كل مشاهد نقطة مضيئة في حياته وذكرياته خلال متابعة الأحداث، والتي تدور في 30 حلقة تعرض خلال الشهر الفضيل.
كاتب العمل الفني محمود الزيودي وضع تلك الأحداث التاريخية ضمن حلقات العمل، مضيئا على معركة الكرامة ودور الجيش الأردني آنذاك.
وخاض الزيودي في مختلف التفاصيل، حيث وقف على أعتاب القصص التي خرجت من بيوت الأردنيين، من ذوي الشهداء والجرحى، بل وحرص على أن تكون قصصهم واردة جميعها في المسلسل، ليكون المشاهد على مسافة واحدة من الأحداث، والتي قد يكون سمعها من أبويه وأجداده، ومنهم من عاشها وما يزال على قيد الحياة يستذكر تلك اللحظات العصيبة المكللة بالنصر والفخر.
الزيودي وهو ابن البادية والقرية الأردنية حاول أن يضع المشاهد الأردني والعربي في حبكة درامية متشابكة، تُظهر حياة من ذهب ابنه العسكري للمعركة، وعاد شهيداً أو جريحاً، أو عاد سالماً يبحث في الصحراء عن منازل أهله المتنقلة، عله يستطيع نقل بعض من غبار الصحراء، أو الفلاح الذي يعود لقريته لأيام قليلة، يجلس بها في “الحاكورة” ومن ثم يعود إلى الكتيبة العسكرية.
ولكي تكون الأحداث أكثر قرباً للمشاهد، جاء التصوير في مواقع أقرب للواقع، كما في تصوير مشاهد المعركة في أرض الكرامة نفسها، وساهم تعاون الجيش الأردني في منطقة الأغوار على مساعدة الممثلين لأداء الأدوار بدقة، بالإضافة إلى إمدادهم بالمركبات العسكرية، كما تم اختيار قرى ومناطق صحراوية ملائمة لتصوير المشاهد كما وأنها فعليا في ستينيات القرن الماضي.
واستعان الزيودي بمذكرات كتبها ضباط من “الجيش الإسرائيلي” آنذاك، والذين تحدثوا فيها عن بطولات فردية وجماعية للجيش الأردني، كما في مقولة قائدهم في ذلك الوقت موشيه دايان بأنه وعد أصدقاءه بأن يتناولوا الإفطار في مرتفعات السلط وجلعاد ظهيرة يوم المعركة، ولكنه تفاجأ بالجيش الأردني الذي انتصر في نهاية المعركة وحرم الجيش الإسرائيلي من تجاوز الحدود الأردنية، وردهم “خائبين”.
وشدد الزيود على أن وجود أحداث حقيقية ضمن المسلسل، وذكر أسماء شهداء وجرحى “حقيقيين” هو جزء من دور الدراما في استذكار أبطال الأردن وتخليد أسمائهم، وأن لا يكون الاحتفاء بهم فقط بشكل تقليدي، حيث أثبتت التجارب الفنية أن الدراما لها دور كبير في ترسيخ المعلومة وتوطين الحدث في نفوس المشاهدين. ويبين الكاتب أن هناك الكثير من الأحداث والبطولات التي تحتاج فعلياً إلى دمجها في الدراما الأردنية على المدى القريب والبعيد.
والزيودي هو مؤلف درامي وفنان له العديد من الأعمال التي قدمها “ممثلاً وكاتباً”، ويذكر الأردنيون له عدة أعمال درامية تناولت البسالة الأردنية في المقاومة، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كما في مسلسل “وجه الزمان” و”هبوب الريح”، “عودة أبو تايه”، وأخرى درامية اجتماعية مثل “قرية بلا سقوف” والمحراث والبور”، وغيرها الكثير التي أظهرت قدرته العالية على طريقة تقديم الشخصية الأردنية المتمثلة بـ “البادية والقرية والمدينة”.
الفنان الأردني حابس حسين الذي يقدم دور أحد رجال البادية، يتم تسليط الضوء بالعمل على حياته في مشارف الصحراء الأردنية، حيث يتقدم لخطبة ابنته ابن عمها “العسكري” الذي يرتدي “الشماغ والزي التكميلي”، ولكنه يقع جريحاً في أحداث “الكرامة”، وأيضا يتناول المسلسل قصة قريب آخر شهيد يبعث خبر استشهاده على الفخر الممزوج بالحزن في قلب والده “البدوي الأردني”.
يقول حسين إنه سبق ومثل في مسلسلات تتناول أحداثا تاريخية سياسية اجتماعية في ذات الوقت، كما في “وجه الزمان” أو مسلسل “أم الكروم” الذي تناول تأثيرات التغيرات الاقتصادية والسياسية على حياة الأردنيين، مبينا أن “المشراف” سيكون له حضور مميز عبر الأحداث التي يعرضها وتتناول الحياة الأردنية الواقعية، خاصة فيما يتعلق بحياة البدو الذين يعيشون في تداخل مع القرية والمدينة في ذات الوقت، ويحدث بينهم تبادل وتعاون اقتصادي وعائلي واضح. وفي النهاية، يجمعهم في النهاية حب الوطن والأخلاق والشهامة، ذلك على الرغم من بعض الأحداث “الفردية” لبعض شخوص المسلسل، ولكنها لا تنفي صفة “الوطنية فيهم”.
و”المشراف” تم كتابة أحداثه في العام 2021، واستعرض أحداث ما قبل المعركة وما بعدها، تم تصوير نسبة كبيرة من أحداثه في منطقة اليزيدية في البلقاء، كونها منطقة ما زالت محافظة على جمالية وبساطة القرية في كثير من أجزائها.
ويشير حسين إلى أن أحداث المسلسل تعكس التشابك بالعلاقات والمشاكل الاجتماعية، والتحول الذي طرأ على المجتمع البدوي، وإصدار أمر الواجهات العشائرية التي مكنت البدو من إيجاد مساحات مملوكة لهم تمكنهم من خلالها بناء البيوت الحجرية والاستقرار، والكثير من المواقف التي يقدمها المسلسل في جلها اجتماعية لها دلالات كثيرة تؤسس لفكرة التغيرات التي طالت “البادية الأردنية”.
ووفق حسين، فإن المسلسل يحوي الكثير من المشاعر التي يلمسها المشاهد من خلال تسلسل الأحداث، تُظهر التفوق الفردي والشخصي وعقيدة القتال والدفاع عن الوطن في معركة الكرامة، حيث استلهم الكاتب الكثير من القصص الواقعية التي حدثت إبان معركة الكرامة ووثقها في أحداث المشراف، وما يزال عبيرها يفوح في كل مرة يحتفل فيها الأردنيون بذكرى “الكرامة”.
ويشيد بدور المؤلف للأحداث محمود الزيودي الذي يتمتع بقدرة فائقة على “التصوير النثري الدرامي” للحدث والمخرج شعلان الدباس في الإخراج والدقة في التصوير البصري.
وكان المخرج شعلان الدباس قد أشار في تصريحات صحفية إلى أن “أحداث المشراف هي واقعة في تفاصيلها تُظهر تضحيات الأردنيين خلال معركة الكرامة، وعلاقة كل منهم بتلك الأحداث، التي من شأنها كذلك أن تبين استمرارية الحياة ووجود تطور عمراني واقتصادي واجتماعي طال الحياة في البادية والقرية والمدينة الأردنية، تم عرضها من خلال مجموعة مميزة من الفنانين الأردنيين.
ومن ضمن الممثلين المشاركين في “المشراف” عبير عيسى، ديانا رحمة، محمد المجالي، إبراهيم أبو الخير، ناريمان عبد الكريم، محمد الإبراهيمي، خليل مصطفى، مازن عجاوي، شفيقة الطل، شاكر جابر، جميل براهمة، محمد سميرات، عبد الكامل الخلايلة، ونخبة من الفنانين الأردنيين.