“لماذا حذفت دردشتك معي؟ هذا لا يجوز، الا يوجد ثقة بيننا؟”، بهذه الصيغة، يعبر الأربعيني بلال عن غضبه لزميله في العمل بعد “شطبه” ما كتبه له عبر تطبيق “واتساب”.

في حين يبرر الأخير أن ما قام به يندرج في سياق الحرية الشخصية، بقطع النظر عن الاسباب، ولا دخل له البتة بالثقة بالآخرين من عدمها، “طالما انها خاصية متاحة ويحق لي استعمالها، ولا تسبب اذى لأحد”، كما يعتقد.

وتشدد الثلاثينية سناء على حقها في حذف أي مادة مكتوبة ومرسلة لأشخاص عبر تطبيقات الهواتف الذكية المختلفة، انطلاقا من تجربة شخصية عمد خلالها احدهم إلى إساءة استعمال دردشتها المكتوبة من خلال اجتزائها “على نحو يخدم اهدافه السلبية”، قائلة: “حتى أنني بتُ افضّل الكلام الوجاهي على أن ارسل أي معلومات عبر تلك الدردشات سواء عبر “واتساب” او “ماسنجر” او غيرهما.
ويرى ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، أن أدبيات التواصل بين الناس ينبغي أن تُبنى على جسور من الثقة المتبادلة، لا على أرضية هشة من التصيّد والاستغلال والتوظيف السيئ، مشيرين الى أن كثيرا من الناس يعمدون لشطب المحادثات خاصة في نهايتها، دون أن يُفسَّر ذلك من باب الاهانة أو التخوين أو عدم الاحترام، “بل بات الامر أقل من عادي”، وفقا لهم.
وفي موازاة ذلك، يؤكد متخصصون في الاعلام والتواصل الاجتماعي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن أخلاقيات التواصل والاتصال والمخاطبات الرقمية لم تتطور للأسف عند البعض، بمحاذاة التطور السريع لثورة “الانترنت”، ما جعلهم يسيئون استخدام محتوى الدردشات، أو الرسائل على نحو يخدم أجنداتهم الشخصية، فيصار الى تطويع المادة المكتوبة كسبيل للابتزاز أو إثارة الفتن والمشكلات بين الاشخاص، أو لتفريق الروابط الزوجية والعائلية والاسرية والمهنية، غير آبهين بقيم الخصوصية والسرية وأمانة ” المجالس الكتابية” اذا صح التعبير.
ويدع هؤلاء المتخصصون إلى احترام قيم التواصل، وعدم إفشاء الاسرار، وضرورة تعزيز الثقة البينية، وتفهم قيام أحدهم بحذف رسائله، طالما بُنيت أرضية العلاقات على المحبة والاحترام، وعلى الطرف الآخر، كما يشددون، أن لا يُفسر حذف الرسائل ضده، فليس هو المستهدف لشخصه، بل أن الأمر يتعلق بحق المرء في حماية نفسه من أي تداعيات غير محسوبة جراء تبادله المعلومات مع آخرين، خاصة أن طبيعة العلاقات بين البشر خاضعة للتغيّر، مع كل ما يحمله ذلك من تبدل للمواقف. ولدائرة الإفتاء العام ما تقوله في هذا الخصوص، حيث يذهب سماحة مفتي المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة، في حديث خاص لـ (بترا): إلى أن الكلام نعمة تستوجب الشكر، وحق نعمة الكلام أن تكون طريقاً للخير مغلاقاً للشر، لقوله تعالي (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
ويضيف: العاقل لا يتكلم إلا إذا وجد في الكلام فائدة، وإعراضه عن الكلام الذي لا فائدة منه يعتبر عبادة لها أجر كبير، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”، مشيرا إلى أنه ومن نصائح النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: “عَلَيْكَ بِطُولِ الصَّمْتِ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ “.
ويضيف الخصاونة: فالمسلم الصادق عليه ألا ينطق بكلمة واحدة بين الناس أو مع زملائه أو يكتبها على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الصحف المحلية، إلا بعد أن يتثبت من صحتها، وكذلك عليه أن لا يصدق كل ما يقال، لقوله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع”.
ويبين أن من تحدث بكلام طيب، وتكلم بأدب جمٍّ وعالٍ، فهذا له ثمار حلوةٌ وطيبة، يستفيد منها القاصي والداني بل تسجل له إلى يوم القيامة، وله عليها أجر مستمر وجارٍ حتى بعد وفاته، فهنيئاً له، وهذا يدل على سلامة صدقه مع الله تعالى وإيمانه واستقامة لسانه، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ”.
ويضيف: لذلك فليحذر الإنسان من لسانه، لأنه لا ينطق بكلمة إلا والملائكة يحصونها عليه، لقوله تعالي (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، أي ما يتلفظ أو يكتب كلمة من خير أو شر إلا وعنده ملك يرقب قوله ويكتبه.
ومن الواجب على الانسان، وفقا لمفتي المملكة، أن يستر أخاه فيما قد يقع منه من هفوات أو سقطات في الكلام، فالحديث بين الناس أو بين الزملاء أمانة، والإنسان معرض للوقوع في المعصية أو النقيصة، والمسلم الحق إن رأى حسنة أذاعها ونشرها، وإن رأى سيئة كتمها، وهي سرٌ بين الناس خاصة بين الأصدقاء، وإفشاء السر منهيٌ عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف والأحباب والأصدقاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ”، مستطردا: ومن فضح أخاه وهتك ستره فإن الله يفضحه يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فإفشاء السرّ خيانة وهو حرام إن كان فيه ضرر، وهو لؤم إن لم يكن فيه إضرار.
من جانبه، يقول استاذ الاعلام في جامعة البترا الدكتور تيسير ابو عرجة: إن معيار التحكم بحذف الدردشات والرسائل أو الحفاظ عليها، يعتمد على نوعية المحادثة، وهل هي دردشة عادية، وليست متصلة بشأن مهم لأحد الطرفين أو كليهما، أم أنها تتصل بمسألة حساسة يكون فيها للكلمة أهمية قصوى.
ويضيف، أما اذا حملت تلك الرسائل في طياتها الاعترافات أو تسجيل المواقف بحيث تكون ذات قيمة كبيرة بين المتصلين، وتعكس اهمية توثيقية وتاريخية، فيفضل عدم الحذف، فقد تشكل مرجعا مهما في يوم ما.
ويقول استاذ الاعلام الرقمي في كلية الاعلام بجامعة الشرق الاوسط الدكتور محمود الرجبي: في البداية لا بد من التطرق لإشكالية ترافقت مع منصات الاعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي وثورة الانترنت، وهي أن اخلاقيات التعامل مع هذه الوسائل لم تتطور بشكل كاف ومواز للتطور السريع، كما لم تصل الابحاث المتعلقة بسلوكيات الناس المكتسبة في التعامل معها الى هذه الدرجة من التسارع.
وعليه، وكما يوضح، فإن حذف المحادثات يأتي من باب الخصوصية، لأن التعامل مع أي وسيلة من خلال الانترنت مُعرّض للقرصنة أو النسخ والنشر، حتى ان هناك ثقافة سادت نسميها، “السكرين شوت، او نسخ الشاشة”، أدت الى حصول مشكلات بين الناس، بسبب فتنة ما، او كشف سر ما، وخرق الخصوصية بطرق غير لائقة”، على حد وصفه.
ويعتقد الرجبي أن اساءة استخدام محتوى الرسائل من قبل البعض، ادت الى نتائج سلبية، معلقا: “فالإنسان يتغير، وبالتالي طبيعة العلاقات تتغير ايضا، وقد يؤدي هذا الى استغلال محادثات قديمة للنيل من طرف ما، والانتقام منه وابتزازه، وهناك قضايا كثيرة في هذا السياق سواء لها علاقة بالصداقة او بالعلاقات الاسرية والزوجية او المهنية وفي بيئة العمل، اذ ادت الى اشكاليات لا تحمد عقباها”.
ومن وجهة نظره، فإن من الاهمية بمكان التوصل لصيغة من قبل المعنيين بالإعلام والتواصل لتعزيز حق حماية الخصوصية في سياق تبادل الرسائل والمعلومات، منعا لأي ابتزاز او اساءة استعمال او اعادة ارسالها لآخرين، أو توظيفها على نحو سيئ او مؤذ.
الخبيرة في مجال التسويق الالكتروني رندا درويش تبين أن اصل حذف الرسائل وجد لتصحيح الاخطاء، او بعد قيام احدهم بإرسال مادة مكتوبة لآخر عن طريق الخطأ، مؤكدة حق الناس أيضا بحذف رسائلهم بعد دردشة، ما، خاصة اذا حملت في طياتها أي معلومات حساسة او سرية.
وفيما يتعلق بالموضوعات الاجتماعية، او تلك المتعلقة بالعمل، توضح درويش: المفروض أن يتفهم الطرف الآخر سبب الحذف، فقد يتراجع الانسان عن فكرة ما، أو معلومة قالها في لحظة غضب او تسرع، معلقة: “لكن ل ابد من تبرير مقنع للطرف الآخر حول اسباب الحذف، وبطريقة لطيفة، منعا لأي حساسية او احراج، أو إشعار الآخر بأنك لست اهلا للثقة”.
وتنوه الى انه وفي حال وجود التفاهم بين الشخصين المتصلين، لن يكون لخاصية الحذف أي حساسية، ولكن الذي يحدث احيانا، ان الرسائل تحذف فجأة من غير تبرير، الامر الذي قد ينتج عنه سوء فهم، مشددة في الوقت ذاته على ان “استعمال هذه الخاصية جائز وضروري لأي سبب يراه صاحب العلاقة مناسبا، مع مشاركة اسباب الحذف للطرف الآخر الذي يفترض ان يتفهم، سيما اذا أتبع الحذف بمكالمة توضح السبب، ما يبدد اي شكوك”.

(بترا – اخلاص القاضي )