نحو 390 مليار دولار سنويا مساهمات اقتصادية مهدورة بسبب اضطرابات نفسية بين اليافعين

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، من أن الأطفال واليافعين قد يشعرون بتأثير جائحة كورونا على صحتهم وعافيتهم النفسيتين لسنوات عديدة مقبلة، مشيرة إلى أن تحليلات تُقدِّر أن المساهمات الاقتصادية المهدورة بسبب اضطرابات نفسية بين اليافعين تبلغ نحو 390 مليار دولار سنويا.

ووفقاً لتقرير “حالة أطفال العالم لعام 2021؛ بالي مشغول: تعزيز الصحة النفسية للأطفال وحمايتها ورعايتها”، تحمّل الأطفال واليافعون، حتى قبل جائحة كورونا، أعباء متعلقة بالصحة النفسية في ظل غياب أي استثمارات كبيرة لمعالجتها.

ووفقاً لأحدث التقديرات المتوفرة، يُقدّر أن أكثر من 1 من كل 7 يافعين من الفئة العمرية 10–19 سنة في العالم مصابون باضطراب نفسي تم تشخيصه. ويتوفى تقريباً 46,000 يافع ويافعة في العالم جراء الانتحار سنوياً، وهو يشكل واحداً من أكبر خمسة أسباب للوفاة في صفوف هذه الفئة العمرية.

وفي الوقت نفسه، ثمة فجوات واسعة ومستمرة بين الاحتياجات والتمويل في مجال الصحة النفسية. وقد وجد التقرير أن حوالي 2% من الميزانيات الحكومية الصحية في العالم يُخصص للإنفاق على الصحة النفسية.

وقالت ممثلة يونيسف في الأردن تانيا شابويزات: “كشفت جائحة كورونا مدى خطورة أزمة الصحة النفسية على الأطفال والشباب الأكثر تهميشا، حيث إن علينا ادماج تدخلات الصحة النفسية والدعم النفسي في قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية لتلبية احتياجات الصحة النفسية المتنوعة والمركبة للأطفال واليافعين في الأردن”.

– صحة الأطفال النفسية أثناء كورونا –

التقرير، أشار إلى أن “الجائحة تسببتْ بضرر كبير، فوقفاً لنتائج مبكرة من استقصاء عالمي أجرته يونيسف ومعهد (غالوب) الدولي شمل أطفالاً وراشدين في 21 بلداً، أفاد ما معدله 1 من كل 5 يافعين من الفئة العمرية 15–24 سنة ممن شاركوا في الاستقصاء بأنهم عادة ما يشعرون بالاكتئاب أو أن لديهم اهتماماً قليلاً بالقيام بأنشطة”.

“وإذ توشك جائحة كولاونا على دخول سنتها الثالثة، تستمر وطأتها الثقيلة على الصحة والعافية النفسيتين للأطفال واليافعين. فوفقاً لأحدث البيانات المتوفرة من يونيسف، تأثّر ما لا يقل عن 1 من كل 7 أطفال في العالم تأثراً مباشراً بالإغلاقات العامة، فيما عانى أكثر من 1.6 بليون طفل من قدرٍ ما من خسارة التعليم”، بحسب التقرير.

وأدى تعطيل الروتين اليومي والتعليم والترفيه، إلى جانب الانشغال بشأن دخل الأسرة وصحتها، إلى دفع العديد من اليافعين إلى الشعور بالخوف والغضب وإلى الانشغال بشأن مستقبلهم، حيث تناول تقرير حالة أطفال العالم استقصاءً جرى عبر شبكة الإنترنت في الصين في بدايات عام 2020 وهو يشير إلى أن حوالي ثلث المجيبين أفادوا بأنهم يشعرون بالخوف أو القلق.

الكلفة على المجتمع

ومن الممكن أن تؤدي الاضطرابات النفسية التي يتم تشخيصها إلى أضرار كبيرة على صحة الأطفال واليافعين وتعليمهم والنتائج التي يحققونها في الحياة وقدرتهم على كسب الدخل، ومن بين هذه الاضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط، والقلق، وطيف التوحد، والاضطراب الثنائي القطب، واضطرابات السلوك، والاكتئاب، واضطرابات الأكل، والإعاقات الذهنية، والفصام.

وبينما يتعذر حساب حجم التأثير على حياة الأطفال، فقد وجد تحليل جديد أجرته كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ويستشهد به التقرير بأن المساهمة المهدورة في الاقتصادات والناجمة عن الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى الإعاقة أو الوفاة بين اليافعين تُقدَّر بـ 390 بليون دولار سنويا.

وأضافت شابويزات: “ستواصل يونيسف التعاون مع الحكومة الأردنية والشركاء لضمان خلق بيئة آمنة وملائمة في المدارس والبيوت وفي المجتمعات أيضًا، وإكساب الأطفال واليافعين والشباب مهارات تمكنهم من التغلب على المشاكل التي تواجههم وتؤثر على الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي”.

عوامل الحماية

يشير التقرير إلى أن مزيجاً من العوامل المتصلة بالجينات والخبرات والبيئة تعمل منذ الأيام المبكرة في الحياة على تشكيل الصحة النفسية للأطفال وتؤثر عليها على امتداد حياتهم، ومن بين هذه العوامل التنشئة، والتعليم المدرسي، ونوعية العلاقات، والتعرّض للعنف أو الإساءات، والتمييز، والفقر، والأزمات الإنسانية، والطوارئ الصحية من قبيل كورونا.

وبينما يمكن لعوامل الحماية مثل وجود مقدمي الرعاية المحبّين، والبيئات المدرسية الآمنة، والعلاقات الإيجابية مع الأقران، أن تساعد على الحد من خطر حدوث الاضطرابات النفسية، فقد حذّر التقرير من عوائق كبيرة، بما فيها الوصم ونقص التمويل، تمنع العديد من الأطفال من التمتع بصحة نفسية إيجابية أو الحصول على ما يحتاجونه من دعم.

ويدعو تقرير حالة أطفال العالم لعام 2021 الحكومات والشركاء من القطاعين العام والخاص إلى الالتزام بتعزيز الصحة النفسية لجميع الأطفال واليافعين ومقدمي الرعاية، وأن يتواصلوا ويتصرفوا بشأنها، وإلى حماية المحتاجين للمساعدة، ورعاية الأكثر هشاشة بينهم، بما في ذلك الاستثمار العاجل في الصحة النفسية للأطفال واليافعين في جميع القطاعات، وليس فقط في قطاع الصحة، لدعم النهج القائم على المجتمع بأكمله في مجالات الوقاية والتعزيز والرعاية.

ودعا إلى إدماج وتوسيع التدخلات القائمة على الأدلة على امتداد قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية — بما في ذلك برامج تنشئة الأطفال التي تشجّع الرعاية الحانية والمستجيبة، ودعم الصحة النفسية للوالدين ومقدمي الرعاية؛ وضمان أن المدارس تدعم الصحة النفسية من خلال الخدمات الجيدة والعلاقات الإيجابية.

وأوصى بكسر الصمت المحيط بالاضطرابات النفسية من خلال التصدي للوصم وتعزيز فهم أفضل للصحة النفسية والتعامل بجدية مع تجارب الأطفال واليافعين.

– مبادرة “لا لضياع جيل” في الأردن –

وفي الأردن، جرى تنفيذ برنامج النهوض باليافعين والشباب ضمن المبادرة الإقليمية “لا لضياع جيل”، وهي مبادرة تقودها يونيسف لمنع فقدان جيل كامل بسبب آثار الحرب والعنف والنزوح. قدم البرنامج أنشطة جماعية منظمة لليافعين من اللاجئين السوريين والمجتمعات الأردنية المضيفة الذين تتراوح أعمارهم بين 10- 18 عامًا.

واستندت الأنشطة الجماعية إلى نهج الرعاية النفسية الاجتماعية الذي شدد على التفاعل الاجتماعي وشجع على المشاركة.

وأدار الأنشطة ميسرون بالغون مدَّربون، وشملت دروسا في اللياقة البدنية والفنون والتدريب على المهارات. ساهمت في تعزيز الرفاه النفسي والاجتماعي للمراهقين وساعدتهم على تعلم مهارات جديدة، خاصة المهارات التي تشتد الحاجة إليها حاليا، مثل التعامل مع العزلة والتوتر، وتقوية العلاقات الأسرية، وحل المشكلات، والتفكير النقدي من ضمن أمور أخرى.

وكجزء من جهود منظمة الصحة العالمية في الأردن للارتقاء بخدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، تم التعاون مع المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية لتعزيز قدرة هذه المرافق على الاستجابة لاحتياجات المستفيدين المتضررين من اضطرابات النمو والإعاقات الذهنية، وكذلك الأطفال واليافعين بشكل عام.

ونفذت منظمة الصحة العالمية في الأردن عدة برامج بالتعاون مع وزارة الصحة لتعزيز نظام الصحة النفسية وتحسين وصول الأردنيين واللاجئين الأكثر هشاشة لهذا النظام والاستفادة من خدماته. كما تهدف هذه الجهود المبذولة إلى تعزيز الصحة النفسية على مستوى الرعاية الصحية الأولية والثانوية لدعم مستشفى الصحة النفسية المستقل بذاته.

وتهدف هذه البرامج إلى دعم وعي المجتمع بالصحة النفسية ودعم حوكمة نظام الصحة النفسية في الأردن إلى آخر رمق.

ويعتبر برنامج النهوض باليافعين والشباب جزءًا من الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للصراعات المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط بقيادة اليونيسف وميرسي كور ومنظمة إنقاذ الطفل ومنظمة الرؤية العالمية.

وبحسب يونيسيف، تستند تقديرات بشأن أسباب الوفيات بين اليافعين إلى بيانات من التقديرات الصحية العالمية لعام 2019 الصادرة عن منظمة الصحة العالمية. وتستند تقديرات انتشار اضطرابات الصحة النفسية التي تم تشخيصها إلى دراسة العبء العالمي للمرض لعام 2019 الصادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم الصحي.

أما نتائج الاستقصاء بشأن شعور اليافعين بالاكتئاب واهتمامهم القليل بالقيام بأنشطة، أشارت التقرير إلى أنها جزء من دراسة أكبر أجرتها يونيسف ومعهد غالوب الدولي لدراسة الفجوة بين الأجيال.

وأُجريت مقابلات مع حوالي 20,000 شخص عبر الهاتف في 21 بلداً في إطار ’مشروع الطفولة المتغيّرة‘، حيث تستند جميع العيّنات إلى الاحتمالات وتُمثل الوضع على الصعيد الوطني لفئتين مميزتين في كل بلد: الأفراد من الفئة العمرية 15-24 سنة والأفراد الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة.

وشملت المساحة التي غطتها الدراسة البلدان بأكملها، بما في ذلك المناطق الريفية، ويمثل إطار العينات جميع المدنيين من غير القاطنين في مؤسسات رعاية ضمن كل فئة عمرية ومن الذين يتمكنون من استخدام الهاتف. وستَنشُر يونيسف النتائج الكاملة للمشروع في تشرين الثاني/ نوفمبر.