مرايا – قال وزير المياه والري رائد أبو السعود، إن الحكومة لا تعتزم رفع أسعار المياه خلال العامين الحالي والمقبل، رغم ارتفاع الكلفة، مشيرا إلى تنفيذ مشروعات لتدبير موارد إضافية، خاصة بعد تسبب الاحتلال الإسرائيلي في تعثر “ناقل البحرين”. وحذر من واقع مقلق للمياه العربية في ظل الصراعات على المصادر.

وأكد ابو السعود في مقابلة مع “العربي الجديد” أن أسعار المياه في الأردن من أدنى الأسعار عالمياً، لكن ذلك لا يعني أن الوزارة سترفع الأسعار، فلا نية لذلك خلال العامين الحالي والمقبل.

وبين، “الحكومة تتحمل كلفا كبيرة لتزويد المواطنين بكميات مياه نظيفة عالية الجودة، حيث تزيد كلفة المتر المكعب الواحد عن 4 دولارات، بينما القيمة المستردة لا تتجاوز ربع هذه القيمة، أي أن خزينة الدولة تتحمل دعماً كبيراً لكل متر مكعب عوضاً عن ارتفاع كلف الطاقة والتشغيل والصيانة”.

وقال ابو السعود، “أود الإشارة إلى أن نسبة إنفاق الأسرة على خدمات المياه والصرف الصحي، تعد الأقل عربياً حيث لا تزيد على 1 في المائة من الدخل السنوي، أما في الدول العربية الأخرى مثل مصر فتصل إلى 1.1 في المائة وفي لبنان 1.2 في المائة. وفي دول الشرق مثل شمال أفريقيا، تنفق الأسرة أكثر من 1.4 في المائة من دخلها سنوياً على خدمات المياه والصرف الصحي. وما يتعلق بمياه الري فإن الوزارة لا تسترد أكثر من 14 في المائة من الكلف التشغيلية لكل متر مكعب من مياه الري”.

ـ لكن كثيراً ما تتحدث الحكومة عن صعوبات في تدبير موارد المياه وكلف دعمها

لا ننكر أن واقع المياه في المملكة يواجه تحديات كبيرة، وازداد هذا الواقع صعوبة، نتيجة تراجع المصادر، والارتفاع المتواصل في الطلب نتيجة النمو السكاني الكبير، وكذلك تواصل الصراعات الإقليمية في المناطق المجاورة للمملكة، والذي أدى إلى تزايد عدد اللاجئين طلباً للأمن والاستقرار. وأدى الطلب المتزايد على المياه إلى ضغط هائل على المصادر المتاحة في جميع مناطق الأردن، ما تسبب في انخفاض مستوى سطح المياه الجوفية في جميع الأحواض، التي تعد مصدراً رئيسيا لمياه الشرب، وتضاف إلى ذلك التغييرات المناخية التي أثرت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة على واقع هطول الأمطار في البلاد، أضف إلى ذلك ارتفاع كلف التشغيل والصيانة وكلف الطاقة، مما حمل قطاع المياه أعباء مالية ضخمة

ـ وكيف تعاملت الحكومة مع مشكلة نقص المياه في ظل تلك التحديات؟

أولت الدولة ملف المياه الاهتمام الأكبر، فرغم كل التحديات وارتفاع الكلف ونقص المصادر المائية والتوسع العمراني الملحوظ، نتيجة تواجد مئات الآلاف من الأشقاء العرب على أرض الأردن، وكذلك مئات الآلاف من العمالة الوافدة والحركة السياحية النشطة، إلا أن الحكومة نجحت بجدارة في تأمين المواطنين والمتواجدين في المملكة باحتياجاتهم، رغم تواضع الدعم الدولي لمواجهة احتياجات اللاجئين، فخدمات المياه تغطي أكثر من 98 في المائة من المناطق وخدمات الصرف الصحي 69 في المائة للعام الحالي وتسعى الوزارة لرفعها إلى 80 في المائة

ـ هل تم إلغاء مشروع قناة البحرين، الذي كان مقرراً مع السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي؟

ناقل البحرين (البحر الأحمر ـ البحر الميت) هو مشروع إقليمي تحت مظلة البنك الدولي، وتم الاتفاق عليه كواحد من مشاريع السلام مع الأطراف المعنية في المنطقة، وحتى يتم السير فيه لا بد من موافقة الأطراف الثلاثة المعنية، ونحن في الأردن قمنا بإنجاز كافة الأعمال والإجراءات والموافقات المطلوبة لهذا المشروع كونه يؤمن كميات مياه إضافية للأردن وللأشقاء الفلسطينيين لسد العجز في مياه الشرب لدى الجانبين، وكذلك يحافظ على بيئة وواقع البحر الميت من الاندثار كإرث عالمي تاريخي، ولم يتم إلغاء المشروع، وإنما هناك مماطلة من الجانب الإسرائيلي

ـ هناك مشروع آخر يعرف بالناقل الوطني للمياه، ما تفاصيله، وهل هناك مشاركة إسرائيلية فيه؟

هو مشروع وطني أردني بامتياز ولاعلاقة لأي طرف آخر به، ويهدف إلى تحلية مياه البحر الأحمر في مدينة العقبة بطاقة تصل إلى 500 مليون متر مكعب ونقلها بواسطة خط ناقل وطني جديد للمياه بطاقة 350 مليون متر مكعب خلال المرحلتين الأولى والثانية لتزويد جميع مناطق ومحافظات المملكة بمياه الشرب بالشراكة مع القطاع الخاص، ومن المقدر أن تصل كلفته إلى نحو ملياري دولار

ولدى الوزارة عدة مشاريع وبرامج لخفض فاقد المياه مع القطاع الخاص، للوصول إلى المعدلات العالمية حيث سيحقق ذلك وفرا كبيرا، فالوزارة طرحت مشروع خفض الفاقد المائي، ولنقص خبرة شركات القطاع الخاص المحلي الأردني بهذا المجال جاءت الأسعار مرتفعة حيث تم الاتفاق مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) الجهة الممولة للمشروع، لطرحه على شركات عالمية حيث سيستفيد في المرحلة الأولى من هذا المشروع نحو 120 ألف مشترك في العاصمة عمان ثم نتوسع على باقي المحافظات

ـ هل هناك قلق من عدم التزام إسرائيل بالاتفاقات المبرمة معها بشأن المياه، خاصة ما يتعلق بنهر الأردن؟

هناك اتفاقية مع الجانب الإسرائيلي في ما يتعلق بالمياه، انبثقت عن اتفاقية السلام الموقعة عام 1994، وقد حصل الأردن على حقوقه المائية في هذه الاتفاقية، وتمت إضافة بند إليها يتضمن زيادة حصة المياه المخصصة للأردن ووافق عليها الجانبان، ومن خلال هذه الاتفاقية منذ ذلك الوقت والأردن يحصل على الحقوق المائية المنصوص عليها

ـ ما هي حصة الفرد من المياه في الأردن ونسبة الفقر المائي؟

تعد حصة الفرد في الأردن من أدنى الحصص العالمية، حيث تشكل أقل من 0.8 في المائة من الحصة العالمية، إذ لا يحصل الفرد على أكثر من 100 متر مكعب سنوياً من المياه، بينما حصص الفرد في الدول المجاورة للأردن تزيد على نحو 1300 متر مكعب سنوياً، ورغم ذلك فإن جميع القاطنين على أرض المملكة يحصلون على احتياجاتهم المائية اليومية من خلال نظام التزويد المائي (مرة واحدة أسبوعيا) بشكل جيد

ـ هل تم اكتشاف العديد من آبار المياه التي تشتمل على إشعاعات أو تسربات إشعاعية؟

من المعلوم لدى المختصين أن جميع المياه الجوفية يتواجد فيها تراكيز إشعاعية، خاصة في الأحواض الجوفية العميقة، وجميع مصادرنا المائية مراقبة وفق أنظمة صارمة ودقيقة، حيث تخضع للمواصفة الأردنية لمياه الشرب، التي تعد من أفضل المواصفات العالمية، ولدينا مختبرات متقدمة على مستوى العالم والمنطقة. ويتم التأكد من أية آبار نقوم بحفرها، بأن تكون مطابقة للمواصفة، حيث يتم جمع أكثر من 25 ألف عينة سنويا

ـ هناك من يتوقع حدوث أزمة مياه في الصيف المقبل؟

لا نتوقع أزمة مياه، فقد نفذنا العديد من المشاريع التي ستوفر كميات إضافية رغم التحديات وازدياد الطلب، ونأمل أن يلمس المواطن الأردني تحسنا حقيقياً من خلال سلسلة من الإجراءات والبرامج والمشاريع التي أنجزناها، وما زلنا ننفذ مشاريع أخرى سيتم تدشينها خلال الفترة القريبة مثل المرحلة الثانية من مشروع جر مياه وادي العرب (شرق الأردن)، لتأمين نحو 30 مليون متر مكعب من مياه الشرب لتزويد مناطق الشمال الأكثر احتياجا للمياه بسبب تواجد غالبية اللاجئين السوريين في المنطقة المحاذية للحدود الأردنية السورية، حيث ارتفع الطلب فيها إلى أكثر من 40 في المائة

ـ كيف ترون مستقبل قطاع المياه العربي في ظل النزاعات الإقليمية والقطرية بين دول عربية وغيرها من البلدان؟

الواقع لا يسر في الحقيقة ويدعو إلى القلق، فالمياه العذبة في العالم أجمع لا تزيد على 3 في المائة، وأقل من 0.6 في المائة منها صالحة للشرب لتأمين سكان الأرض البالغ تعدادهم أكثر من 7 مليارات نسمة. أما المياه العربية فمعظم أراضي الوطن العربي صحراوية وجافة ولا تحوي أكثر من 1 في المائة من الجريان المائي العالمي و2 في المائة من إجمالي هطول الأمطار عالمياً، لذا فإن 30 في المائة من الأراضي الزراعية معرضة للتصحر، بسبب التغييرات المناخية ونقص الأمطار، وهذا انعكس على حصة الفرد العربي، حيث تنضم العديد من الدول العربية إلى قائمة البلدان الأكثر فقراً بالمياه. ويوجد 19 دولة عربية تحت خط الفقر المائي العالمي و14 دولة منها تعاني شحا حقيقيا متزايداً، بحيث لا تكفي المياه فيها للاحتياجات الأساسية للمواطنين

كما أن معظم منابع المصادر المائية الرئيسية من خارج الحدود، أضف إلى ذلك عدم احترام الحقوق المائية المشتركة بين الدول العربية ذاتها، في ما يتعلق بالمياه السطحية والأحواض الجوفية، وقلة الاستثمارات في تطوير مصادر المياه، وغياب الإدارات الحديثة ونقص الوعي بترشيد الاستهلاك، وارتفاع كلف إنتاج المياه وتأمينها للتجمعات السكانية، لذا لابد من الالتفات لهذا الأمر وأخذه على محمل الجد.

(العربي الجديد )