مرايا – بينما كشفت نتائج مسح دخل ونفقات الأسرة أنّ 40.5 % من إنفاق الأسر الأردنية يذهب للسكن والمياه والكهرباء والغاز والنقل بشقيه (العام والخاص) يؤكد خبراء أن ارتفاع الإنفاق على هذه البنود الخمسة لم يكن سببه زيادة بذخ الأسر أو زيادة دخلها بل نتيجة مباشرة لارتفاع أسعار هذه الخدمات بنسب كبيرة.
وتظهر الأرقام المعلنة من قبل دائرة الإحصاءات العامة حول الانفاق في 2017/2018 أن المسكن والمياه والكهرباء والغاز تستحوذ على 23 % من إنفاق الأسرة فيما أن النقل لوحده يأخذ 17 % من إنفاقها.
وبينت الأرقام أن حوالي 74 % من الأسر تعيش في شقق و24.5 % تعيش في “دار”، وحوالي 1 % في فلل، وأن حوالي 69 % يملكون مسكنهم، فيما أن حوالي 21 % مستأجرين لمسكنهم.
كما تشير نفس الإحصائيات إلى أن مصدر التدفئة الرئيسي هو الغاز بنسبة 47.6 % يليه الكاز بنسبة تصل إلى حوالي 32 % ثم الحطب والفحم والجفت بنسبة 7.5 % ثم الكهرباء بنسبة 6 % وأخيرا التدفئة المركزية بنسبة 3.7 %.
وتشير الأرقام نفسها، إلى أن متوسط إنفاق الأسرة السنوي يبلغ حوالي 12519 دينارا (1043 دينارا شهريا) ، وأن 33 % من انفاقها يذهب للغذاء، في حين يشكل الانفاق على السلع غير الغذائية والخدمات كافة 67 % من انفاقها.
ولا بد من الاشارة إلى أنه في المسح الماضي 2013/2014 “لم يتم إعلان معدلات الفقر رسميا” وكان التقسيم مختلف كما هي النسب، إذ شكل المسكن وحده حوالي
19.5 % من انفاق الأسر، وشكل بند الوقود والانارة حوالي 5.4 % من إنفاق الأسر، فيما شكل النقل والاتصالات حوالي 17.6 %.
الخبير الاقتصادي زيان زوانة اعتبر هذه النسبة من إنفاق الأسر”مرتفعة” وتعتبر عبئا ثقيلا على الأسرة الأردنية، وهو يرى بأنه “بدلا من أن يتم توفير هذه السلع والخدمات بأقل الأسعار وأفضل الطرق كما هو الحال في معظم دول العالم، فإنها في الأردن متوفرة بأعلى الأسعار وأسوأ وأقسى الطرق”.
ويفند زوانة العناصر الخمسة الاساسية التي تم ذكرها فهو يرى أن أسعار المسكن ارتفعت خلال السنوات الماضية بدرجة رئيسية بسبب “قانون المالكين والمستأجرين” الذي ساهم في زيادة الأسعار إضافة إلى اللجوء السوري الذي أوجد طلبا مفاجئا على المساكن ما أدى إلى ارتفاع الأسعار أيضا.
وفي بندي الكهرباء والمياه والغاز فإن أسعارها زادت بعد الزيادات المستمرة التي طرأت على أسعارها بقرارات حكومية، وخصوصا في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أنه وفي الوقت الذي كانت فيه أسعار النفط العالمية في نزول كانت الأسعار المحلية “تغالط” الأسعار العالمية وتزيد، مع الاشارة إلى انعكاس ذلك على أسعار الكهرباء النقل بشكل خاص.
وفي بند النقل يرى زوانة أن ارتفاع تكاليفه على الأسر الأردنية هو نتيجة لسياسات الحكومات خلال الـ30 عاما الماضية التي أهملت هذا القطاع ولم تعره الاهتمام اللازم في التطوير، ما أدى إلى منظومة نقل سيئة تدفع الأسر من الطبقات الوسطى وحتى ذات الدخل المحدود إلى امتلاك سيارات خاصة.
ويذكر زوانة أنّ امتلاك سيارة يعني تكاليف عدة تتضمن “بنزينا، وترخيصا، وتأمينا، وصيانة ومخالفات ….وغيرها” وجميع هذه البنود كانت قد ارتفعت خلال السنوات الماضية مع الارتفاعات المستمرة على المحروقات وزيادة الرسوم والضرائب.
ويرى زوانة أن هذا البند يؤثر أيضا على التوظيف حيث أنه يؤدي إلى عزوف البعض عن التقديم لوظائف قد تكون بعيدة، وعدم الاقبال عليها في حال كانت تكلفة النقل كبيرة إذا ما قورنت بالرواتب.
ووفقا لزوانة فإنه حتى مع محاولة الأسر للتكيف والذهاب إلى الخيارات الأقل تكلفة كانت الحكومات “تلاحقه في ذلك” فبعد أن توجهت الأسر إلى الغاز والكهرباء بدلا من الكاز والسولار، قامت الحكومة برفع أسعار الكهرباء والغاز، ولم تدع له خيارات أفضل.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري يتفق مع زوانة فيما سبق ويرى بأنّ نسب الانفاق على هذه البنود مرتفعة جدا، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار المتكرر وخصوصا الأراضي والمحروقات واضطرار المواطنين في ظل عدم وجود منظومة نقل جيدة إلى اللجوء الى النقل الخاص.
على انّ الحموري يورد بأن ارتفاع الانفاق على “المسكن” سببه ارتفاع أسعار الأراضي و”تسليع الأرض” أي اعتبارها سلعة ذات قيمة، اضافة الى وجود رسوم تقدر بـ10 % عن عمليات البيع والشراء لهذه الأراضي ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها وبالتالي انعكاس ذلك على أسعار المسكن.
ويرى الحموري أن الانفاق بشكل عام على المحروقات يعتبر من أعلى النسب في المنطقة، فيما أنّ النقل يعتبر “قاتلا في حياة الأسرة الأردنية” ، لا بل ويؤدي في كثير من الأحيان الى عزوف العاملين عن العمل في بعض المناطق التي يكون فيها تكلفة الوصل لها عالية وتأخذ نسبة كبيرة من الدخل.
ويضيف الحموري أنّ من شأن هذا كله أن “يذيب الطبقة الوسطى” التي تعتبر المحرك الأساسي لجميع القطاعات.
خبير نقل الركاب مدير هيئة النقل العام الأسبق د.هاشم المساعيد ورغم تشكيكه في أرقام الانفاق على النقل -حيث يعتبرها أعلى بكثير- إلا أنه يشير إلى أنه وفي ظل سوء النقل العام للركاب فإن المواطنين يلجؤون إلى النقل الخاص، وهذا يعني أن جزءا كبيرا من دخولهم تذهب إلى البنزين، مشيرا إلى أنّه ما تزال خدمات النقل دون المستوى المطلوب ما أدى إلى فقدان الثقة بالقطاع وبالتالي توجه المواطن وخصوصا الطبقة الوسطى إلى النقل الخاص، وبالتالي استنزاف دخولها عليه.
وكانت الإحصاءات العامة قد صنفت الأسر بحسب إنفاقها إلى 5 شرائح الأولى تمثل 8.8 % من الأسر الأردنية؛ حيث أنها تنفق أقل من 5 آلاف دينار سنويا (416 دينارا شهريا) والشريحة الثانية تشكل 40.2 % تنفق بين 5 آلاف و9999 دينارا سنويا (416 دينارا إلى 833 دينارا شهريا) والشريحة الثالثة تبلغ نسبتها 26.2 % من الأسر الأردنية، ويتراوح انفاقها بين 10 آلاف و 14.9 ألف دينار سنويا ( 833 دينارا و 1250 دينارا شهريا)، فيما تنفق 12.4 % من الأسر الأردنية بين 1250 و1666 دينارا شهريا، (15 ألفا و19.9 ألف دينار سنويا)، و12.5 % من الأسر تنفق أكثر من 20 ألف دينار سنويا (1666 دينارا شهريا).
كما كشفت الاحصاءات عن تصنيف للأسر بناء على الدخول –مع الاشارة الى أنّ ارقام الفقر تحسب على الانفاق وليس على الدخول- حيث تمّ تقسيمها الى 5 شرائح أيضا إذ أشارت الى أنّ حوالي 17 % من الأسر الأردنية دخلها أقل من 416 دينارا شهريا
(5آلاف دينار سنويا) وأن 37.3 % يتراوح دخلها بين 833 و 416 دينارا شهريا ( 5 آلاف و10 آلاف سنويا) فيما يتراوح دخل 22 % من الأسر بين 833 دينارا و 1250 دينارا شهريا( 10 آلاف و15 ألف دينار سنويا) و 11.8 % من الأسر دخلها يتراوح بين 1666 و1250 دينارا شهريا (15 ألفا و20 ألفا سنويا) و11.5 % من الأسر دخولها تزيد على 1666 دينارا شهريا (20 ألف دينار سنويا).