مرايا – ما يزال لواء الشوبك يشهد ومنذ عدة سنوات، أشبه ما يكون بحركة هجرة جماعية لأبنائه، احالت بعض قراه الـ17 إلى شبه مهجورة إلا من عدد قليل لا يتجاوز العشرات من الأسر، والتي ما زالت تسكن بيوتا قديمة من الحجر والطين، أو الشعر والكهوف، ويعيشون على الزراعة وتربية المواشي والرعي، بسبب غياب الاستثمار ومشاريع التنمية الشاملة، التي اوقعت الكثير من سكانه في براثن الفقر والحرمان والبطالة.
ورغم عدم وجود احصائيات حديثه لنسبة الهجره من هذه القرى يخمن سكان المنطقة، أن نحو 40 % من أجمالي عدد السكان قد هاجروا قراهم، أي بمعدل 8 أشخاص شهريا على مدار السنوات القليلة الماضية.
فيما كانت دراسة أعدها مركز الدراسات وتنمية المجتمع في جامعة الحسين بن طلال في العام 2006، اظهرت انه ومنذ العام 1996 وحتى العام 2006 هاجر نحو 1320 شخصا من قرى اللواء، بواقع 11 شخصا في كل شهر، بحثا عن فرص عمل وحياة كريمة.
وأظهرت الدراسة والتي جاءت حول أعداد المهاجرين من أبناء الشوبك أن 37.5 % من السكان المقيدين في سجلات الأحوال المدنية مهاجرون خارج اللواء، وهو ما يساوي 1111 أسرة من أصل 3041 أسرة، فيما نسبة المتعطلين عن العمل من المتبقين في اللواء، وصلت حينها إلى 28.4 % من الذكور و61.1 % من الإناث.
كما وخلصت الدراسة إلى أن أهم وأبرز أسباب هجرة ابناء المنطقة إلى مختلف مدن المملكة، هو افتقار اللواء للمشروعات التنموية الكبرى، واعتماد الأغلبية العظمى من أبنائه على الوظائف الحكومية، في ظل انعدام عوائد الدخل الناتجة عن القطاعات الزراعية، التي تعتمد عليها نسبة كبيرة من سكان المنطقة، والتي بدأت هي الأخرى بالتراجع في السنوات القليلة الماضية، نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج وقلة الموارد المائية، إلى جانب محدودية الخدمات وانعدام فرص العمل.
ويرى السكان أن قرية “أبو مخطوب”، شأنها شأن قرى المقارعية والمنصورة والبستان وشماخ والجاية والجنينة والزبيرية، في لواء الشوبك، تعد نماذجا صارخا على غياب التنمية، وانهيار الأرياف وتصاعد الهجرة، لما تعانية هذه القرى من واقع خدماتي مترد بسبب غياب مقومات التنمية الشاملة.
وطالب هؤلاء السكان بإقامة مشاريع تنموية وخدمية وجذب الاستثمار للمنطقة، إلى جانب تحسين مستوى الخدمات العامة، ودعم القطاع الزراعي، لتعزيز الجانب الإنتاجي لدى السكان جراء عمل أعداد كبيرة منهم بالزراعة والثروة الحيوانية، بهدف إعادة الحياة للقرى المهجورة من أجل تشجيع السكان للعودة إليها بعد أن هجروها بحثا عن الحياة المستقرة في المدن والبلدات القريبة.
ويقول الباحث والأكاديمي في جامعة الحسين بن طلال الدكتور عمر الخشمان وهو أحد أبناء الشوبك أن أهم الأسباب التي أدت إلى هجرة سكان اللواء، تباعد التجمعات السكانية وصعوبة التنقل فيما بينها ما يشكل غالبا عائقا في إيصال الخدمة للمواطنين وارتفاع الكلف المالية المترتبة على ذلك، نظرا لطبيعة المنطقة الجغرافية.
وأشار الخشمان الى أن من أسباب تزايد هجرة السكان أيضا نقص الخدمات في بعض قرى اللواء، وندرة فرص العمل ونضوب عيون المياه، إلى جانب التزام العديد من أبناء المنطقة بوظائف سواء كانت حكومية أو خاصة في مختلف مدن المملكة، إضافة أن الدوائر الرسمية في المنطقة ليست كبيرة حتى تستقطب الموظفين من خريجي الجامعات، مؤكدا على أهمية زيادة مستوى الخدمات المقدمة للسكان في مختلف المجالات، وايجاد الاستثمارات المناسبة التي تسهم في تقليل ظاهرة الهجرة والحد منها.
ويرى عبدالله الطورة أن البطالة بين صفوف المؤهلين برزت كأحد أهم القضايا في هجرة أبناء المنطقة طلبا للمعيشة، في ظل غياب المشاريع الاستثمارية القادرة على استيعاب أعداد المتعطلين عن العمل، خاصة حاجة المنطقة إلى توفير فرص عمل للنساء، والتي وصلت نسبة البطالة بينهن إلى أكثر من 70 %، لافتا أن المنطقة بحاجة إلى نهضة تنموية شاملة تطال كافة نواحي الحياة فيها، كونها تواجه عدة معيقات وتحديات، من بينها الهجرة من اللواء إلى باقي مناطق المدن، والتي باتت تؤرق السكان وتشكل تحديا كبيرا للمسؤولين.
واعتبر أحمد البدور أن دعم القطاع الزراعي، هو مدخل التنمية للمنطقة من خلال الاستثمارات الزراعية، وانتهاج سياسات زراعية سليمة، تساعد على الحد من هجرة السكان من أراضيهم إلى مناطق أخرى، حيث تعتبر الشوبك منطقة زراعية متكاملة من حيث الأنواع والإنتاج والمناخ الزراعي، لافتا أن شح المياه وقلة الأمطار أثرت على تدني الإنتاج الزراعي في بعض قرى الشوبك، علاوة على ارتفاع أسعار الأعلاف والمياه، ما حد من قدرة المواطنين على الزراعة وتوفير متطلبات حياتهم من الإنتاج النباتي والحيواني، ما جعلها ايضا عوامل مساعده في تهجير سكان بعض القرى.
وطالب محمود الغنميين بتعزيز مكانة اللواء الذي يضم قلعة الشوبك التاريخية ومواقع سياحية وأثرية وتراثية على الخريطة السياحية المحلية والإقليمية، لما يتمتع به اللواء من توفر عناصر جذب بيئية ومناخية وسياحية كثيرة، إلى جانب الاهتمام بدعم كلية الشوبك من خلال إتباعها إلى جامعة الحسين بن طلال وتحسين واقعها ورفدها بتخصصات جديدة توائم سوق العمل.
ويأمل حسن العسوفي أن يستفيد أبناء اللواء من وقوع منطقتهم بين مدينة البترا الأثرية ومنطقة معان التنموية وقربها من مدينة العقبة الاقتصادية، للنهوض بواقع اللواء ودفع مسيرته التنموية، إلى جانب تطوير واقع الخدمات المقدمة والتي تعتبر من أهم احتياجات اللواء الملحة، بهدف مساعدة أبناء المنطقة على البقاء فيها، وعدم الهجرة إلى المدن الأخرى من أجل المشاركة الفاعلة في عملية التنمية.
من جهته، أكد رئيس بلدية الشوبك عادل الرفايعة أن منطقة اللواء بحاجة ماسة إلى العديد من الاستثمارات ومشاريع تنموية حقيقية، بهدف تشغيل الأيدي العاملة وحل مشكلة هجرة السكان وإعادة قوة الجذب للمنطقة، خاصة فيما يتعلق بالقطاعات الزراعية والسياحية والصناعية، لامتلاك هذه المناطق لعدد من المقومات الرئيسية في هذه المجالات، والتي من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق تنمية شاملة في اللواء، فضلا عن إيجاد برامج تسهم في ربط الشباب بقضايا مجتمعهم وتمكنهم من الانسجام والتوافق مع بيئتهم، لمساعدة أبناء المنطقة على البقاء والمشاركة الفاعلة في عملية التنمية.
ولفت الى أن الهجرة من قرى الشوبك باتجاه المدن جاءت بحثا عن الوظيفة والحياة الأفضل، ما أدى إلى خلو تلك القرى من الكثير من السكان لإيجاد سبل عيش بديلة.
وأشار متصرف لواء الشوبك نظام المجالي أن قضية البطالة في اللواء عائدة إلى عدم وجود استثمارات للقطاع الخاص، وهو المشغل الرئيسي والمساهم الأكبر في حل مشكلة البطالة بين أبناء الشوبك، والتي تتمثل في أصحاب المؤهلات العلمية الذين يبحثون عن فرص عمل وفق تخصصاتهم ومؤهلاتهم العلمية.
وبين المجالي أن نسبة المتعلمين في المنطقة من أعلى نسب المحافظة، ما شكل ضغطا على القطاع العام في توفير فرص عمل لهم، لافتا أن أعلى نسبة بطالة بين صفوف حملة الدبلوم من الإناث، عازيا ذلك إلى تركيز المواطن على الوظيفة الحكومية بسبب المستوى التعليمي لأبناء المنطقة.
وقال إن مستوى خدمات البنية التحتية في اللواء جيدة، مبينا أن معظم مشاريع القطاعات الصحية والتربوية والتعليمية والشبابية والدوائر الخدمية تحظى باهتمام المسؤولين في المحافظة، من خلال مراكزها ومديرياتها في المنطقة والرامية إلى تقديم خدمات جيدة في مستواها لكافة التجمعات السكانية وقرى اللواء.
وأضاف أن الحكومة تسعى جاهدة إلى تحفيز وتوجيه الاستثمارات للشوبك، في الوقت الذي يتطلع فيه أبناء المنطقة لزيادة الفرص الاقتصادية والاجتماعية، ليكون اللواء جاذبا للسكان والحد من الهجرة، من خلال فتح نافذة لصندوق التنمية والتشغيل، والعمل في البلدية لغايات تأهيل وتدريب الباحثين عن عمل.
ولفت المجالي انه لا بد من الاهتمام بالشوبك من الناحية السياحية ووضعها على خريطة الوطن السياحية، لأنها تقع ضمن المثلث السياحي الذي يربط البترا بوادي رم والعقبة، والاستفادة من المواقع الأثرية والتراثية والسياحية في اللواء، واستغلال وجود المياه المعدنية والأودية والأطلال أيضا، للمساعد على خلق فرص عمل لابناء المنطقة، عبر الاستفادة من التنوع البيئي والسياحي في المنطقة.
وبين أن المنطقة تحتضن مصنعا إنتاجيا للألبسة، والذي يضم 140 عاملة من بنات اللواء، والتي جاءت فكرة المشروع لتشجيع القطاع الخاص على العمل في المناطق النائية، بهدف خلق نشاط اقتصادي إنتاجي يساهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين، من خلال خلق فرص عمل وأنشطة تجارية مرافقة.